في الرابع من ديسمبر (كانون الأول) الجاري التقى رئيس مجلس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، وزير التربية والتعليم رضا حجازي، لبحث آليات زيادة التعاون مع القطاع الخاص في ملف التعليم، الذي وبحسب الوزير لا تألو وزارته جهداً في دعم وتشجيع التعاون معه، في ملف التعليم ما قبل الجامعي، بما يخدم ويطور المنظومة التعليمية في مصر، لكن ذلك اللقاء شهد خطوة غير اعتيادية.
تجهيز 44 مدرسة للطرح
استعرض الوزير تقريراً حول مواقف عدد من المدارس في مصر، وآلية الاستفادة منها، وإدراجها ضمن مقترح الخطة الاستثمارية للوزارة، بطرحها على مستثمرين من القطاع الخاص، ليكلف رئيس الوزراء المصري وزير التربية والتعليم "سرعة طرح المدارس الجاهزة على المستثمرين من القطاع الخاص"، البالغ عددها 10 مدارس، ويكلف أيضاً "سرعة الانتهاء من أعمال تطوير 34 مدرسة أخرى لطرحها هي الأخرى على المستثمرين"، ليكون إجمالي تلك المدارس 44 مدرسة.
كان ذلك في بيان نشره موقع مجلس الوزراء المصري دون تفصيل لطبيعة ذلك الطرح، أو تلك المدارس، لكنها شغلت البعض في مصر. وسبق للوزير نفسه في مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أن تحدث خلال إحدى الفعاليات عن خطة الوزارة الاستثمارية، لافتاً إلى أنها تقوم على ثلاثة محاور تناول فيها القطاع الخاص، والمحاور الثلاثة هي احترام سياسة ملكية الدولة، وضرورة استغلال مواردها غير المستغلة، واحترام مبدأ الحياد التنافسي، لجذب الاستثمار من القطاع الخاص، وتأكيد وتأصيل مبدأ الشفافية والمعلوماتية التي تحقق الثقة بين طرفي الاستثمار.
وأمام رئيس مجلس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، ووزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية ورئيس مجلس إدارة صندوق مصر السيادي هالة السعيد، قال وزير التربية والتعليم، إن هناك أمراً حتمياً للتطوير، ولا بد من شراكة حقيقية مع القطاع الخاص والمجتمع المدني، وتشجيع المستثمرين على المشاركة الفعالة في المشروعات القومية وتقديم الخبرة العملية على إنجاح المشروعات التعليمية، بتقديم عديد من الفرص الاستثمارية للمستثمرين العاملين في مجال التعليم.
ويدرس في مصر 25 مليون طالب في المرحلة ما قبل الجامعية موزعين على 60 ألف مدرسة، بها أكثر من 551 ألف فصل، ويشغل هؤلاء الطلاب حيزاً كبيراً في التفكير الشعبي والرسمي، على خلفية أزمات عدة تتعلق بالتعليم في مصر، على مستويات مختلفة، تبدأ من كثافة الفصول، مروراً بعجز في أعداد المدرسين، وصولاً إلى ارتفاع المصروفات، وامتداداً لأزمات المدارس الخاصة.
نفقات التعليم ترهق ميزانية الأسر
تقول هدى محمود، أم لثلاثة طلاب في مراحل تعليمية مختلفة، بين الإعدادية والثانوية والمرحلة الجامعية، إنها تنفق كثيراً من الأموال على دراسة أبنائها، وتدخر جزءاً كبيراً من راتبها وراتب زوجها لأجل الدراسة فحسب، وعلى رغم أنهم يدرسون في مدارس وجامعات حكومية فإن الأمر يمثل عبئاً كبيراً عليها "راتبي وزوجي معاً 8500 جنيه (275 دولاراً أميركياً)، ونحو ربع المرتبين يذهب فقط لشؤون التعليم والدروس"، تحكي الأم المصرية.
ومع انطلاق الموسم الدراسي الحالي، الذي شارف على منتصفه، حددت وزارة التربية والتعليم مصروفات المدارس الحكومية، فكان نصيب المرحلة الإعدادية 212 جنيهاً و527 جنيهاً للصف الأول الثانوي العام، وكان على هدى دفع المبلغين، إضافة إلى كتب خارجية أصبحت ضرورية للدروس الخصوصية، وارتفعت أسعارها هي الأخرى 40 في المئة عن أسعار العام الماضي بصورة تفوق طاقة الأم "أما بخصوص أسعار الدروس الخصوصية فهي مرتفعة للغاية، أحاول قدر الإمكان ادخار المال لها بصورة شهرية، لكن الأمر صعب، وقد أضطر إلى الاستدانة في نهاية الشهر".
وتمثل المصروفات والرسوم الدراسية 38.6 في المئة من الإنفاق السنوي للأسرة المصرية على التعليم، و28.3 في المئة منها على الدروس الخصوصية أو مجموعات التقوية، و11.3 في المئة للكتب والأدوات المدرسية المختلفة، وهذه الأخيرة تتزايد بصورة كبيرة، لا سيما مع ارتفاع نسب التضخم، وزيادة أسعار المواد التي تدخل في صناعتها.
ومع حديث وزير التعليم عن طرح مدارس للمستثمرين من القطاع الخاص، وعلى رغم أن الأم لثلاثة أولاد لا تنوي التحويل إلى أي مدرسة خاصة كون الأمر يفوق قدرتها المالية، فإنها تخشى أن يمتد الأمر خلال السنوات المقبلة، ويصبح الاهتمام بتلك المدارس على حساب الأخرى الحكومية "أعرف أنني لن أحول لأحد من أولادي إلى المدارس الخاصة، لكن خوفي من أزمات تتعلق بالتعليم في المدارس الحكومية وضعفه، لهذا السبب ألجأ إلى الدروس الخصوصية".
وكانت المدارس الخاصة قد أحدثت جدلاً في الآونة الأخيرة لزيادة تتعلق بمصاريفها والأدوات المدرسية المطلوبة لها، في حين اعتمدت وزارة التربية والتعليم في مصر زيادة المصروفات للمدارس الخاصة والدولية لعام الدراسي الجاري بنسبة 25 في المئة للمدارس التي تقل مصروفاتها عن 5 آلاف جنيه (162 دولاراً أميركياً)، وتصل النسبة إلى 6 في المئة للمدارس التي تبدأ مصروفاتها من 35 ألف جنيه (1132 دولاراً أميركياً) فأكثر. ويبلغ عدد المدارس الخاصة في مصر 10 آلاف و450 مدرسة، يدرس فيها أكثر من 12.8 مليون طالب وطالبة.
لكن، قبل انطلاق الدراسة كانت هناك مخالفات في تلك النسب، بحسب شكاوى عدة أعلنت عنها داليا الحزاوي، وهي مؤسس ائتلاف أولياء أمور مصر، وقالت آنذاك إن هناك شكاوى تتعلق بتجاوز بعض المدارس الخاصة نسب الزيادة، وفي وقت مبكر قبل بداية العام الدراسي بما يخالف تعليمات الوزارة، لتقول الوزارة إن على أولياء الأمور تقديم شكاوى تخص تلك المخالفات للتحقيق فيها، واتخاذ إجراءات قانونية حيالها.
المستثمرون والمدارس الخاصة
وبالعودة لحديث وزير التربية والتعليم المصري، فإن هناك ضرورة لمشاركة القطاع الخاص في تقديم الخدمة التعليمية، لما يمتلكه ذلك القطاع، وفق الوزير، من خبرات تؤهله لتحسين المخرج التعليمي، موضحاً أنه ستكون هناك مشاركة لذلك القطاع في إدارة وإنشاء مدارس تعليم عام، تكون مستوياتها عالية، وأسعارها منخفضة تلائم الطبقة المتوسطة، بحسب الوزير المصري.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في ذلك الإطار أيضاً، أوضح وزير التربية والتعليم رضا حجازي، أن وزارته تشجع المستثمرين على افتتاح مدارس خاصة جديدة، كما يتم تقديم التسهيلات اللازمة، بما في ذلك ميكنة إجراءات الترخيص للتيسير عليهم، كما تقوم الوزارة بتشجيع صناديق استثمارية متخصصة في التعليم لاستثمار الأموال في إنشاء مدارس جديدة أو مدارس قائمة بالفعل، لكن بأساليب إدارة جديدة ومتطورة "لنجاح المؤسسة التعليمية وتطويرها وغيرها من النماذج التي تؤكد حرص الوزارة على خلق مناخ استثماري جاذب للمستثمرين في مجال التعليم".
ويتحدث الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي عن التعليم في مصر باعتباره تحدياً كبيراً، لا سيما بعد عام 2011 مع ملايين الطلاب والرغبة في جودة تعليمية، معتبراً ضمن حديث له في فبراير (شباط) الماضي، أن مصر في حاجة إلى 250 مليار دولار لتطوير منظومة التعليم.
تخفيف عن الدولة
ويرى رئيس مركز تدريس العلوم الأسبق وخبير شؤون التعليم فاروق فهمي أن دخول القطاع الخاص داعماً لبعض المدارس "أمر جيد لو لم يكن له بعد تجاري، لتخفيف العبء عن الدولة ووزارة التربية والتعليم"، مشدداً على أنه "أمر محمود لو أنه بمعايير تضعها الوزارة ويرفع عنها بعض العبء بشرط عدم استغلال أولياء الأمور كما يوجد في مدارس تضع مصاريف باهظة، لكن إن جرى الأمر بإشراف من الوزارة فهو أمر جيد"، لكن الأستاذ المتفرغ بجامعة عين شمس، يلفت إلى أن هناك ضرورة أيضاً للنظر إلى "أوضاع المعلمين في مصر، وزيادة أجورهم، كي يعملوا داخل أسوار المدرسة لا خارجها"، في إشارة إلى الدروس الخصوصية.
ويعتبر فهمي أن بداية طرح 10 مدارس للاستثمار إنما هو من قبيل "تجربة الأمر، وإن نجحت فقد يكون هناك زيادة في الفترة المقبلة في أعداد تلك المدارس تحت ضوابط من وزارة التربية والتعليم، وبأسعار مقبولة أيضاً تلائم الطبقة المتوسطة تحت إشراف الوزارة ضروري على مثل تلك المدارس، ووجود القطاع الخاص أيضا ضروري، لأن كلفة التعليم مرتفعة والأعباء على الوزارة كبيرة".
يربط البعض بين ذلك الطرح للمدارس وإعلان الحكومة المصرية إبرام عقود بيع أصول حكومية للشركات الخاصة فبراير (شباط) الماضي، والسير في إجراءات طرح 32 شركة مملوكة للدولة على مدار عام كامل، لتوفير النقد الأجنبي، في إطار وثيقة سياسة ملكية الدولة، لكن رئيس مجلس الوزراء المصري سبق وصرح بأن جزءاً من تلك الصفقات سيكون بالجنيه، كونها من القطاع الخاص المصري.
وتعاني مصر أزمة كبيرة تتعلق بشح السيولة الدولارية في البلاد، ليتخطى سعر الدولار في السوق السوداء 50 جنيهاً للدولار، بينما سعره الرسمي 31 جنيهاً، وشهد الجنيه المصري انخفاضاً كبيراً منذ مارس (آذار) 2022 حتى الآن، إذ كان سعر صرف الدولار 16 جنيهاً مصرياً، قبل خفض ملحوظ ومتسارع، ليستقر على نحو 31 جنيهاً، في حين تجاوز الدولار ذلك السعر في السوق السوداء.
"المجانية" يكفلها الدستور
يقول أحمد أبو علي، متخصص في الشأن الاقتصادي، إن طرح مدارس للاستثمار "يعد نمطاً جديداً لتنويع حصيلة النقد الأجنبي، وتعدد مصادر الحصيلة الدولارية والعملات الأجنبية أيضاً، وتوسيع معدات الاستثمار"، معتبراً الأمر "إيجابياً، وسيكون له دور كبير في تحسين التعليم من خلال التنافس في المنتج والخدمة التعليمية المقدمة الدولة خلال الفترة الأخيرة، مما يتيح قدراً من المشاركة للقطاع الخاص للاستثمار في أكثر من قطاع". ضارباً مثلاً بقطاع الطاقة، ودخول الاستثمارات فيه بشراكات مختلفة، لتكون هناك وفرة في الخدمة المقدمة من ذلك القطاع بعد ذلك.
ويضيف أبو علي، "العالم كله به استثمارات في قطاع التعليم وشراكات مع دول أجنبية أيضاً"، لكنه يشير إلى أن تلك المدارس "ستكون مميزة وليست مجرد مدارس تتبع وزارة التربية والتعليم، ولن يؤثر ذلك في المدارس الحكومية والتعليم المجاني لأن ذلك سيكون مخالفة للدستور".
وتنص المادة الـ19 من الدستور المصري على أن "التعليم حق لكل مواطن، هدفه بناء الشخصية المصرية والحفاظ على الهوية الوطنية (...) وتكفل الدولة مجانيته بمراحله المختلفة في مؤسسات الدولة التعليمية، وفقاً للقانون".