أدت الحرب الإسرائيلية غير المسبوقة على قطاع غزة إلى تدمير أكثر من 100 مسجد بينها الجامع العمري الكبير، أقدم وأعرق تلك المساجد، إضافة إلى تدمير ثلاث كنائس قديمة، كجزء من الحرب المستعرة منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
إلى أكثر من 1400 عام يعود تأسيس المسجد العمري الواقع في حي الدرج بالبلدة القديمة في غزة، ويعد ثالث أكبر مسجد في فلسطين بعد "الأقصى" في القدس وأحمد باشا الجزار في عكا.
على أنقاض كنيسة "مار يوحنا"، بني المسجد بالتزامن مع فتح المسلمين فلسطين عام 636 ميلادية في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، ويحمل مبنى المسجد الذي تبلغ مساحته نحو 4100 متر مربع، 38 عموداً، ويعكس بناؤه ست مراحل تاريخية تعاقبت عليه.
من الوثنية إلى التوحيد
قبل الديانة المسيحية كان المبنى معبداً وثنياً، ثم تحول إلى كنيسة بيزنطية عرفت باسم "أفذوكسيا" مع انتقال أهالي غزة إلى المسيحية عام 407 ميلادية، لكنها دمرت خلال الغزو الفارسي بعد ذلك بـ200 سنة في 614 ميلادية.
بعد مئات الأعوام على تحويله إلى مسجد، دمر خلال الحروب الصليبية في 1149 ميلادية، وتم تحويله إلى كنيسة القديس يوحنا المعمدان، ثم عاد مسجداً في العهد المملوكي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي ساحات المسجد الخارجية، عثر قبل 10 سنوات على حجارة أثرية وأعمدة مدفونة تعود لمبنى الكنيسة الأولى.
وفي إحدى مناطق المسجد تلتقي العمارة المملوكية بالبيزنطية قرب الباب الشرقي للمسجد، حيث أسست مئذنة قربها فوق جرس الكنيسة.
وتلاصق الجامع سوق قيسارية التاريخية في البلدة القديمة بغزة التي يقع فيها مسجد "عثمان بن قشقار" الأثري الذي دمره القصف الإسرائيلي أيضاً. وتأسس المسجد في القرن الـ13 الميلادي، ويقع قرب المسجد العمري الكبير.
واعتبرت حركة "حماس" تدمير الجامع العمري "جريمة همجية شنيعة تطاول أثراً تاريخياً مهماً ومعلماً من معالم مدينة غزة الدينية".
وأشارت إلى أن تدميره يشكل "دليلاً على مقدار ما يحمله هذا الكيان الذي يفتقد إلى أية جذور تاريخية من حقد دفين على الحضارة الإنسانية، وسعيه إلى تدمير الحياة في مدينة غزة".
حرب على دور العبادة
ومن بين المساجد التاريخية التي دمرها القصف الإسرائيلي بصورة جزئية مسجد "السيد هاشم" الواقع في حي الدرج بمدينة غزة.
ويعتبر المسجد من أجمل وأقدم مساجد غزة، ويضم ضريحاً أسفل قبته يعتقد بأنه قبر هاشم بن عبد مناف الجد الأكبر لنبي الإسلام. وتم تشييد المسجد الحالي في العصر العثماني على الطراز المعماري المملوكي.
واستهدف القصف الإسرائيلي كذلك كنيسة "القديس برفيريوس"، المعروفة محلياً باسم كنيسة "الروم الأرثوذكس" والتي أسست عام 424 ميلادية، وتقع في حي الزيتون شرق مدينة غزة وتعتبر من أقدم الكنائس في العالم.
وأقيمت الكنيسة فوق معبد وثني ونسبت إلى القديس برفيريوس الذي دفن فيها بعدما جاء إلى غزة من مدينة سالونيك في اليونان عام 395.
وأصبحت "برفيريوس" الكنيسة الأم في قطاع غزة، بعد أن تحولت كنيسة "مار يوحنا" إلى الجامع العمري الكبير إثر الفتوحات الإسلامية.
في الأيام الأولى للحرب، دمرت إسرائيل الكنيسة البيزنطية التي تعود للعهد البيزنطي، وتقع في بلدة جباليا شمال قطاع غزة وتعد من أهم المواقع الأثرية فيه ويزيد عمرها على 1600 سنة، وأقيمت في 444 ميلادية.
كما تعرض مقام الخضر في مدينة دير البلح وسط قطاغ غزة إلى قصف جزئي. ويعد المقام أول دير مسيحي يبنى في فلسطين على يد "القديس هيلاريوس".
وأعلنت وزارة الثقافة الفلسطينية أن القصف الإسرائيلي تسبب في تدمير معظم أجزاء البلدة القديمة لمدينة غزة، بما فيها 20 من المباني التاريخية من كنائس ومساجد ومتاحف ومواقع أثرية.
وأوضح وزير الثقافة الفلسطيني عاطف أبو سيف أن "استهداف الحياة الثقافية في فلسطين مستمر منذ بداية حرب إسرائيل المستعرة"، مشدداً على أن "الحرب الحقيقية هي على الرواية الفلسطينية من أجل سرقة البلاد وما فيها من قيمة غنية بآثارها وكنوزها المعرفية والتاريخية والحضارية".
وأشار إلى أن "جوهر هذه الحرب قائم على محاولة إبادة ومحو شعبنا وإزالته وتهجيره، فهي تستهدف كل شيء في قطاع غزة"، مضيفاً أن "الحرب على الثقافة كانت دائماً في صلب المعركة التي شنها الغزاة على شعبنا الفلسطيني".