بعثت وزيرة التجارة التونسية كلثوم بن رجب رسالة طمأنة موجهة إلى رجال الأعمال والمتعاملين الاقتصاديين، وقالت إن الغالبية الساحقة منهم يعملون في كنف احترام القانون، في إشارة واضحة إلى جملة التوقيفات التي شملت عدداً من رجال الأعمال في إطار حملة لمكافحة الفساد يقودها الرئيس قيس سعيد، بعدما صدرت بطاقات إيداع بالسجن في حق رجال أعمال من الصف الأول.
ووعدت الوزيرة بأن تواصل الدولة التونسية دعم أصحاب المؤسسات والناشطين الاقتصاديين المنضبطين بجميع الوسائل المتاحة، عبر توفير مناخ أعمال إيجابي حتى يسهموا في خلق الثروة والتنمية، مشيرة إلى أن الحكومة ماضية قدماً في توفير ممهدات النجاح للاستثمار الخاص، وإعطاء الثقة لرجال الأعمال التونسيين والأجانب.
وذكرت خلال افتتاحها لندوة أيام المعهد العربي لرؤساء المؤسسات الذي ينعقد في دورته الـ 37 للتباحث حول موضوع المؤسسات والطابع غير الرسمي، أن الاستقرار الذي تتمتع به تونس جاذب للاستثمار، إضافة إلى القوانين والحوافز التي تقدمها الحكومة لتوفير كل الظروف المواتية لمبادرة القطاع الخاص.
وحول الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها وزارتها التجارة وخصوصاً مراجعة اتفاق التبادل الحر مع تركيا، قالت إن "تلك الإجراءات لحماية النسيج الاقتصادي من كل ما من شأنه أن يضر به من خلال آليات الدفاع التجاري والمضي في مراجعة وتطوير الاتفاقات التجارية الثنائية التي تتسبب في عدم توازن الميزان التجاري وتهدد الصناعة المحلية، بما يضمن استدامة المؤسسات التونسية وتحسين قدراتها التنافسية".
التعقيدات الإدارية
أما بخصوص الاقتصاد غير المؤطر والتجارة الموازية فقد وصفته الوزيرة التونسية بالمعضلة القديمة المتجددة، بحكم تداعياتها على التوازنات المالية والاقتصادية والاجتماعية للدولة وللفاعلين الاقتصاديين.
وأشارت إلى أن الاقتصاد غير المنظم أو الموازي هو مفهوم جديد يبرز إلى جانب التجارة الموازية والفوضوية، وهو الطابع غير المهيكل للأنشطة الاقتصادية، إذ يشمل جميع التعاملات والأنشطة التي لا تسجل في الحسابات الرسمية للدخل الوطني وفي مؤشرات الاقتصاد الكلي، وبالتالي فهو من الواجبات التي تفرضها التشريعات، بينما يستفيد من الخدمات المحمولة على المجموعة الوطنية.
وتابعت، "بناء على ذلك وجب التصدي له أو استقطابه لينضم إلى المسالك القانونية من طريق المراقبة التي ستعتمد في المستقبل على الرقمنة، باعتبار أن النشاط الموازي هو منطقة غير آمنة وسيواجه بعقوبات صارمة في مرحلة أولى".
وحول الأسباب التي تدفع بالأفراد إلى ممارسة الأنشطة في القطاع غير الرسمي قالت الوزيرة إن "أهمها البيروقراطية والتعقيدات الإدارية"، موضحة أن الحكومة واعية لهذا الإشكال ولديها سعي حقيقي إلى تقليص العبء الإداري المفروض على المؤسسات والأفراد، وتحسين جودة الخدمات العمومية وتيسير التعاملات الإدارية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكشفت عن أن أبرز الإجراءات التي تم اتخاذها في هذا الإطار ما ورد في الأمر الحكومي لمراجعة الإجراءات الإدارية المستوجبة على المتعاملين مع الإدارة في اتجاه التبسيط والرقمنة وتيسير النفاذ إلى المعلومة وتكريس اللامركزية في اسداء الخدمات الإدارية، مضيفة أن "تطبيق المرسوم الحكومي عدد (777) المؤرخ في الخامس من أكتوبر (تشرين الأول) 2020 والمتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات بين الهياكل والمتعاملين معها وفي ما بين الهياكل، أفضى إلى إصدار جملة من القرارات التي تضبط قائمة أولى من الوثائق يتعين تبادلها إلكترونياً بين الهياكل العمومية، وإعفاء المستثمرين والمؤسسات الاقتصادية من مطالبتهم بتقديم هذه الوثائق لمعالجة مطالبهم المقدمة للحصول على خدمة إدارية في علاقة بإنجاز الاستثمار أو على ترخيص لممارسة نشاط اقتصادي، أو لبعث مؤسسة اقتصادية أو عند الإدلاء بتصريح استثمار".
وأعلنت بن رجب أن هذه القرارات شملت 78 وثيقة تخص مصالح تسع وزارات ذات علاقة مباشرة بالمؤسسة الاقتصادية، وهي المالية والاقتصاد والتخطيط والفلاحة والموارد المائية والصيد البحري والشؤون الاجتماعية وأملاك الدولة والشؤون العقارية والبيئة وتكنولوجيات الاتصال والسياحة والتجهيز والإسكان، مضيفة "نحن في انتظار توسيع قائمة الوثائق التي يمكن أن تصبح موضوع تبادل إلكتروني لتشمل بقية الوزارات، وهي الصناعة والمناجم والطاقة والتجارة وتنمية الصادرات والنقل ومؤسسة السجل الوطني للمؤسسات".
السيطرة على مسالك توزيع السلع
وفي ما يتعلق بخلق دور للأسواق ومسالك التوزيع من أجل الحد من التجارة غير المنظمة وتعزيز المنافسة الشريفة وشفافية التعاملات، قالت إن "وزارتها تعمل على تطوير أداء مسالك توزيع منتجات الفلاحة والصيد البحري من أجل مزيد من التحكم فيها عبر إحداث أسواق مهيكلة ونموذجية تمكن من النهوض بجودة المنتجات الفلاحية"، مشيرة إلى أن هذا من شأنه أن يحدث فرص عمل وينشط الحركية الاقتصادية. وخصت الوزيرة بالذكر القاعدة التجارية بسيدي بوزيد في الوسط التونسي والقاعدة التجارية بباجة في الشمال الغربي، إلى جانب تعزيز أعمال المراقبة المشتركة لمسالك توزيع السلع بأنواعها، موضحة أنها "إجراءات تهدف إلى التصدي للتجارتين العشوائية والموازية وتقليد المنتجات، كما يجري العمل على تطوير أساليب التسيير والتصرف في الأسواق، علاوة على مراجعة الإطار القانوني والترتيبي الحالي لاحتواء جميع مسالك السلع في اتجاه مزيد تنظيمها".
وفي تصريحات خاصة إلى "اندبندنت عربية" قالت الوزيرة التونسية إن "أهم المستفيدين من القطاع الموازي هم المحتكرون، على غرار ما يحدث مع المواد المدعمة التي تتعرض للاحتكار ثم توجه للاستغلال من قبل القطاع غير منظم الذي يتحول إلى أول مستفيد من هذه التجاوزات"، وخصت بالذكر النقص الحاصل في بعض السلع التموينية في السوق التونسية مثل السكر والحليب، مضيفة أن "مادة السكر تشهد عمليات احتكار بسبب إصرار الدولة التونسية على توفيرها بالسعر المدعم للأسر وحسب وهو 1520 مليم (0.50 دولار) في مقابل تحديد سعر يقدر بـ 2.9 دينار (0.95 دولار) للاستعمالات الصناعية، مما أدى إلى تسريب كميات كبيرة مخصصة للاستهلاك الأسري إلى القطاع غير الموازي، بحكم أن القطاع المنظم يتزود بطريقة قانونية".
في المقابل رفض المتخصص المالي أنيس وهابي تصنيف القطاع الموازي في خانة الإجرام، موضحاً أن "جميع الناشطين والعاملين في القطاع الموازي يرغبون في التمتع بالشرعية القانونية"، ومستدركاً "لكن تعجز القوانين في تونس على رغم تطورها ومحاولاتها المراجعة على إدماجهم بحكم أنها غير واقعية".
وتمسك الوهابي بضرورة الفصل بين التهرب الضريبي والقطاع الموازي وبين جرائم التهريب، مشيراً إلى أن "القطاع الموازي هو المنتشر، عكس جرائم التهريب التي تظل هي الاستثناء"، مضيفاً "أما عوائق التهيكل لدى هذا القطاع فهي العجز عن توفير القدرات المالية والإدارية للامتثال للأداءات (الضرائب) بحكم أنها مكلفة.
وطالب الوهابي بتحويل القطاع المنظم الى إطار لين حتى يسهل الالتحاق به ويغري القطاع غير الرسمي بالانضمام إليه، من خلال تبسيط القوانين واستبعاد المعقدة منها وغير المكلفة، لجذب الشباب الناشئين الراغبين فعلاً في العمل في النشاط التجاري وفقاً للقانون وللتمتع بالخدمات والتغطية الاجتماعية، مؤكداً أن "كلمة السر هنا هي نظام بسيط وضرائب مناسبة للشركات الصغرى في انتظار تطورها لتلتحق بنظام الأداءات الخاص بالمؤسسات الكبرى، وهي الطريقة الكفيلة بمكافحة التهرب الضريبي وإدماج القطاع الموازي".