أجرى وزير داخلية إقليم كردستان- العراق ريبر أحمد محادثات مطولة مع نظيره الاتحادي (بغداد) ياسين الياسري الخميس (29/08/2019)، خلال زيارة الأخير برفقة قيادات من وزارة الداخلية العراقية لعاصمة الإقليم. وشكلت تلك الزيارة مؤشراً واضحاً على اتجاه العلاقات الأمنية والإدارية والتنظيمية بين الطرفين إلى مجالات أوسع من التعاون بينهما، بما فيها الملفات التي بقيت عالقة طوال السنوات الماضية، وذلك لتهيئة الأجواء للتوافق السياسي بين القوى الفاعلة على الأرض بغية إدارة المناطق المتنازع عليه.
الياسري، الذي كان آخر المنضمين إلى تشكيلة حكومة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، بعدما كان منصبه محل خلاف شديد بين كُتلتي "الفتح" و"سائرون" البرلمانيتين، أكد خلال مؤتمر صحافي مشترك عقده مع أحمد، المُعين حديثاً بدوره، أن الاجتماعات الحالية بين الطرفين هي الأنجح على الإطلاق منذ سنوات. وكان الياسري جال على المسؤولين السياسيين والحكوميين الأكراد قبل أن يلتقي نظيره الكردستاني.
ملفات تفصيلية
مصدر مُقرب من وزارة الداخلية العراقية، أوضح لـ "اندبندنت عربية" أن ثلاثة ملفات رئيسة تداول بشأنها الطرفان، لافتاً إلى أنهما كانا مدعومين بإرادة سياسية تامة من رئيسَي الحكومتين الاتحادية والإقليمية لحلحلة القضايا العالقة بينهما في أسرع وقت، وذلك بُغية خلق دعمٍ معنوي لحكومة عبد المهدي، التي تعاني ضغوطاً سياسية وأمنية شديدة، خصوصاً بعد جولات القصف التي تعرضت لها مُعسكرات "الحشد الشعبي" في مناطق مختلفة من العراق.
وتصدرت المناقشات مسألة الرسوم التي يفرضها إقليم كُردستان على العراقيين القادمين من باقي المحافظات على المعابر الحدودية، والبالغة 10 آلاف دينار عراقي (حوالى ثمانية دولارات)، إذ اعتبر الجانب الاتحادي أن مثل تلك الضريبة تُعد مساً بالدستور والقانون العام العراقي، الذي يمنح أي مواطن الحق في التملك والتنقل والإقامة في أي منطقة عراقية، وكان الجانب الكُردي يعلّل ذلك بأنها رسوم خاصة بالخدمات العامة التي تُقدم لهؤلاء، لكن رئيس وزراء الإقليم مسرور بارزاني، أصدر بعد اجتماعه مع وزير الداخلية الاتحادي، تعليماته المباشرة بإلغاء ذلك الرسم، اعتباراً من يوم الأحد المقبل (01/09/2019).
كما ناقش الطرفان مسألة بطاقات الإقامة التي تصدرها سلطات الإقليم للمواطنين العراقيين من المحافظات الأخرى المقيمين في كردستان، فأوضح الجانب الكردي أن تلك البطاقات لا تشبه ما يصدره من أوراق للمُقيمين الأجانب، وأنها أقرب ما تكون إلى "بطاقة الضبط الأمني"، التي استُخدمت خلال السنوات الأشد توتراً من الناحية الأمنية في العراق. بناءً على ذلك، فإنّ حكومة الإقليم تعهدت للوزير الاتحادي بتغيير سمة تلك البطاقة، ليصبح اسمها بطاقة "الضمان الأمني"، وألاّ تُحمِّل حكومة الإقليم المُقيمين العراقيين من بقية المحافظات أي رسوم نتيجة ذلك.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعود اتحادية
إلى جانب هذين الموضوعين، عرض المسؤولون الأمنيون والبيروقراطيون في الإقليم على الياسري مسألة سمات الدخول التي تُصدرها وزارة الداخلية الإقليمية، والتي لا يُسمح للحائز عليها بالتنقل إلاّ في محافظات الإقليم. فوعد بحل هذه المسألة بأسرع وقت، كي يصبح الحاصل على سمة الدخول أو الإقامة من إقليم كردستان، قادراً على الدخول إلى كل المحافظات العراقية والتنقل ضمنها.
كذلك وعد الياسري نظيره بافتتاح مراكز وإدارات اتحادية إضافية في مُدن وبلدات إقليم كردستان، لتُسرّع الخدمات التي تُقدمها لمواطني الإقليم، الذين يحتاجون إلى خدمات خاصة بالسلطة الاتحادية، مثل بطاقات الهوية والجنسية الوطنية، إلى جانب جوازات السفر وترخيص الشركات وغيرها من الإجراءات.
ملفات شديدة التعقيد
مصدر مُقرب من الداخلية العراقية أوضح لـ"اندبندنت عربية" أن الملفات التي تناقشها الحكومة الاتحادية مع نظيرتها الإقليمية شديدة التعقيد، إذ هناك ملفات أمنية وبيروقراطية عالقة، يصل عددها إلى قرابة ربع مليون ملف، تتعلّق بالجنسية والتسجيل العقاري والأحوال الشخصية والملكية التجارية والقضايا الجمركية. وهذه الملفات تحتاج إلى حلولٍ تفصيلية وهادئة وجذرية، لا يمكن السير فيها من دون تعاون بين الطرفين، بخاصة أن عدداً كبيراً منها يتعلّق بالمواطنين وبقضايا مرتبطة بالمناطق المُتنازع عليها، حيث يعيش الملايين من سكّانها في كُردستان العراق، بينما تهدمت مؤسسات عامة في مناطقهم بالكامل.
كذلك، يُفترض أن يناقش الطرفان تفصيلَيْن بالغَيْ التأثير في الحياة الأمنية في الإقليم والمناطق المختلطة الأخرى في العراق، لا سيما الملف المتعلق بآلاف المعتقلين الأمنيين من قِبل سلطات كردستان، خصوصاً من الذين يتحدرون من المحافظات الأخرى والمناطق المُتنازع عليها، الذين يُطالب ذووهم بمعرفة التُهم الموجهة إليهم، وإعادة محاكمة كثيرين منهم أمام المحاكم الاتحادية العراقية أو في المحاكم المختصة في المناطق المُتنازع عليها.
كما أنّ الطرفين مرغمان على التوافق بشأن عشرات آلاف المطلوبين إلى المحاكم المختصة في المنطقتين، إلاّ أنّ مراقبين حقوقيين عراقيين أشاروا إلى أن الآلاف من هؤلاء مُلاحقون من قِبل المحاكم الاتحادية بتهم كيدية و"مفبركة"، إذ تخضع المحاكم الاتحادية لسلطة الأحزاب المركزية النافذة، التي تبتغي الاقتصاص السياسي من المطلوبين، الذين يعيشون شبه لجوء سياسي في إقليم كردستان.
شرط رئيس
ولفت مراقبون لمشهد العلاقة بين حكومة الإقليم ونظيرتها الاتحادية، إلى أن أجواء التعاون الإيجابي، الأمني والبيروقراطي بين الطرفين، تمثّل بدايةً مشجعة للحكومتين المشكّلتين حديثاً في كل من بغداد وأربيل. لكن هؤلاء استدركوا أن هذه الأجواء الإيجابية لا يمكن أن تُترجم من دون توافق سياسي أوسع بين القوى الرئيسة في الجانبين، بشأن الإدارة المُشتركة للمناطق المُتنازع عليها، من النواحي كافة.
ويسعى الطرف الكردي وفق هؤلاء المراقبين، إلى تهيئة المناخات لنيل موافقة الحكومة الاتحادية على عودة قوات البيشمركة (الكردية) والمؤسسات الأمنية الكردية الأخرى، مثلما كانت الأحوال قبل عام 2017، إلاّ أنّ رفض الحكومة الاتحادية المحتمل لهذا المطلب، قد يطيح بأي توافق تمهيدي حاصل الآن.