Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"صراع الصيف" بين آيات الله... هل يعقّد آمال ترمب باتفاق نووي جديد؟

"حربا الناقلات واليمن" تجعلان "أمن الخليج" عصياً على التجاهل في المحادثات الجديدة

جهود فرنسية متسارعة بغية التقارب بين إيران والولايات المتحدة لإنتاج نسخة جديدة من الاتفاق النووي (رويترز)

أوشك الصيف على نهايته في معظم أنحاء العالم بنهاية أغسطس (آب)، لكن صيف صراعات رجال الدين وآيات الله في إيران الساخن لم تزل حرارته تلهب أجواء العلاقات المعقدة بين السياسة والدين في الجمهورية الإسلامية.

وفي وقت يترقب العالم الجهود الفرنسية المتسارعة بغية التقارب بين إيران والولايات المتحدة لإنتاج نسخة جديدة من "الاتفاق السيء" حسب وصف ترمب، تدور رحى الحرب بين رجال الدين الممسكين بزمام السلطة في البلاد، وسط خشية من أن تترك تلك الخلافات آثاراً غير متوقعة على فرص عقد صفقة يترقب العالم آثارها على أكثر من صعيد.

وتنظر الأوساط العربية في لبنان واليمن وسورية والعراق والخليج إلى جانب إيران وإلى التطورات بشكل أخص، نظير تأثرها المباشر بالأزمة القائمة نتيجة خنق العقوبات الاقتصادية الأميركية طهران، لقاء "سلوكها التخريبي في المنطقة"، حسب واشنطن. فيما ردت إيران بمزيد من التخريب في مياه الخليج، قائلة "الممرات المائية الدولية لن تكون آمنة، كما في السابق إذا تم وقف صادرات إيران من النفط".

لا بد من "الخيار المؤجل"

وإذ بحثت الدول السبع الكبار في فرنسا أخيراً نسخة مطورة من الاتفاق النووي تنص على جوانب أمنية وعسكرية، يرى الخبير محمد حمدي أبو القاسم أن "توقيع صفقة نووية جديدة، يُعد الخيار المؤجل الذي لا مناص منه، إذ ستلجأ إيران إليه بعد استنفاد رصيدها من الانتظار وقدرتها على تحمل تكلفة المواجهة مادياً وشعبياً، بالإضافة إلى فشل الرهان على الوقت في إحداث تغيير جوهري في سياسة الولايات المتحدة، وكذلك في حال بطلت حيلها بتعليق جزئي لبنود الاتفاق النووي ولم تجد الدعم الدولي الكافي من جانب بقية الدول الموقعة عليه".

وفي منظور الباحث الاستراتيجي فإن هذا الخيار يعزز كذلك "اتجاه ترمب نحو تفعيل قيود جديدة مرشحة للتزايد على البرنامج النووي الإيراني، بعدما أحكمت عقوباتها النفطية والمالية، فترمب أصدر أمراً تنفيذياً جديداً في الثامن من مايو (أيار) الماضي بفرض عقوبات على صادرات المعادن الإيرانية، كما تدرس الإدارة الامريكية فرض عقوبات على صادرات البتروكيمات، فيما يبدو اتجاهاً إلى تجفيف واسع النطاق لمصادر العملة الصعبة والدخل الأجنبي".

وفي اعتقاد الباحث فإن ملف إيران أصبح بالنسبة إلى الإدارة الأميركية اختباراً كبيراً لنجاح ترمب أوفشل إدارته على المستوى الدولي، بعد الإخفاق في ملفي كوريا الشمالية وفنزويلا.

ويخلص إلى أنه وفقاً لمعطيات عدة سوى ما ذكر، بينها تواضع الخيارات الإيرانية الأخرى في ظل صرامة موقف إدارة ترمب، وفشل الأطراف الدولية المتبقية في تحدي القيود الأميركية؛ فإن "صفقة نووية جديدة أكثر شمولاً هي الخيار المرجح، لكن بعد ما يكون النظام وصل إلى حافة الهاوية، وبدا أمامه أن بديل التفاوض هو الانهيار تحت وطأة العزلة غير المسبوقة، وربما مواجهة حملة عسكرية من جانب الولايات المتحدة وحلفاءها، وهذا الخيار يظل مطروحاً بقوة في أي مرحلة من مراحل تعليق النظام الإيراني التزاماته النووية؛ لأن في الأغلب الإجراءات التصعيدية التي قد يلجأ إليها النظام ستضاعف من مأزقه".

صراع رجال الدين على الخط

لكن الإيرانيين إضافة إلى المعارك بين البرلمان وحكومة حسن روحاني المتكررة، تشهد بلادهم ما يشبه حرباً داخلية، القاسم المشترك بينها الضغط على رجال الدين من كل جانب، بما جعلهم يتبادلون التهم فيما بينهم، ويتقاذفون كرة المسؤولية عن المتاعب الاقتصادية على الأرض والسياسية.

وكان التطور الأبرز في هذا المنحى، بيان 14 شخصية من النشطاء الإيرانيين في الداخل، بينهم مدنيون وسياسيون، طالبوا فيه باستقالة المرشد وتعديل الدستور، داعين المنظمات والمؤسسات الدولية لحقوق الانسان بألا يعتبروا الحكومة الإيرانية ممثلة لشعب إيران.

وأورد تقرير عن الحالة الإيرانية صادر هذا الشهر، عن مركز "رصانة" للدراسات الإيرانية، أن البيان جاء على هيئة نداء إلى "أحرار إيران والعالم" في لغة شديدة، اشتكوا فيها أن البلاد تعاني من "هؤلاء المجانين المعادون للبشر يمدون أقدامهم خارج حدود إيران من أجل بسط رقعة حضورهم، ويتدخلون بتطفل في دول المنطقة الأخرى، ويقتلون ويدمرون ويصارعون الدنيا باسم شعب إيران. نطالبكم يا شعوب العالم والحكومات والمؤسسات المدنية والمعنية بحقوق الإنسان أن لا تعتبروا أبداً أن الجمهورية الإيرانية ممثل لشعب إيران".

إقالة المرشد يبيحها الدستور ويحرمها "الفقهاء"

ويرى خبراء المركز أن البيان الذي ليس الأول من نوعه لكنه يمتاز هذه المرة بأنه وقع من شخصيات في الداخل الإيراني، ليس منتظراً منه أن يفضي إلى استقالة المرشد أو إقالته كما يطالب، لكنه "يحمل دلالات مهمة تتعلق بكسر حاجز الخوف عند النشطاء من جيل الشباب والنساء وجيل ما بعد الثورة عموما، كما تكمن أهمية الأخرى في أنه عمل سلمي فالمطالبات السابقة كانت تأتي عادة في ظل أجواء مشحونة مثل مظاهرات عامي 2009 و2017 التي طالب فيها المتظاهرون بإقالة المرشد وقاموا بتمزيق صوره".

بيد أن هذه المرة يقول التقرير جاء البيان بصورة سلمية بعيدة عن المظاهرات واتهامات السلطة المعهودة، مما قالوا إنه "يجرد النخبة الدينية الحاكمة من فلسفتها الأخلاقية وتبريراتها الشرعية، إذا هي منعت مثل هذه البيانات أو تعقبت فاعليها".

لكن السلطات الإيرانية التي ترى المرشد خطاً أحمر لا يمس، استبقت انتقال الحشد والتجييش إلى مستويات أوسع، فقامت بالالتفاف حول تلك المطالب، وسارعت إلى اعتقال أبرز الناشطين الذين أصدروا البيان أمثال الناشط محمد مهدوي، الذي وجهت إليه تهمة "إهانة المرشد" بعد إيداعه سجن كاشان، وكذلك الناشط والسينمائي محمد نوري.

أما التعامل الأقسى فكان من نصيب موقعين آخرين على البيان، ذكر التقرير أن السلطات وجهت إليهم رسائل تهديد وألحقت ببعضهم أذى وصل إلى ضرب مجهولين بالصاعق الكهربائي.

ووفاً لنظرية ولاية الفقيه التي هيمنت على الجمهورية منذ 1979 فإن المرشد محصن من العزل، حتى وإن تضمن الدستور مواداً شكلية مثل المادة 111 التي تخول مجلس الخبراء بمحاسبة المرشد ومتابعة ديمومة أهليته من عدمها وإمكانية عزله "في حال عجزه عن القيام بمهامه أو فقدانه شرطاً من شروط الأهلية إلا أن تلك المواد لم تفعّل، وبقي المجلس بعيداً عن أي محاسبة للمرشد".

وكيف يحاسب أحد المرشد، وهو الممسك بزمام كل السلطات بما في ذلك السلطة القضائية والسياسية، لذا يرى التقرير الذي تناول إمكان عزل المرشد من الناحية القانونية، أن ذلك يظل مستحيلاً، فالتعقيد "والالتفاف الدستوري والقانوني متعمد منذ البداية، لأن النخبة الدينية لا تؤمن بنظرية الاختيار، بل تؤمن بنظرية التنصيب الإلهي، كما هو جلي في أدبياتها وفلسفتها، وتشكلت تلك المؤسسات لإبراز تعاطي تلك النخبة مع أنماط الدولة الحديثة"، وتبعاً لذلك فإنه على المستوى الفعلي لا أثر لتلك البيانات على بقاء المرشد علي خامنئي أو تقييد سلطاته، لكنها بالنظر إلى تعامل السلطات بقسوة مع الموقعين عليها تكشف مدى المتاعب التي تسببها، بما تدفع إليه من "تفاقم أزمات النظام وتضخمها وإحراجه أمام المجتمع الدولية بما يهدم روايات النظام عن قابلية الشعب للسلطة الحاكمة ورضاه عن السياسات التوسعية في المنطقة".

تقاذف تهم الفساد

لم تمض فترة طويلة على مطالبات النشطاء باستقالة المرشد، حتى نشب سجال هذه المرة بين أقطاب السلطة الدينية في البلاد، وتبادل التهم بالفساد الذي فاقمت مظاهره المشكلات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، حسب تقديرات الاختصاصيين ومضامين التلاسن بين رجال الدين.

واندلعت الأزمة بادئ الأمر بين لاريجاني ويزدي بعد إلقاء يزدي كلمةً في حوزة قُم، انتقد فيها كلًّا من حسن روحاني ولاريجاني ورجل الدين محمد جواد علوي بروجردي. وانتقد يزدي الثلاثة قائلًا لروحاني: «إذا لم تكن قادرًا على إدارة الدولة فارحل»، وقال لعلوي: «ليس كلّ من كان جدّه مرجعًا صار مرجعًا، فالمرجعية ليست لعبة، لأنّه لكي تصبح مرجعًا يجب أن يؤيد منحك اللقب خمسةٌ من المراجع على أن يكون من بينهم المرشد، لا أن تمنح اللقب لنفسك».

ذهابك إلى النجف لن يضر قم

بدأ يزدي اتهامه لصادق لاريجاني بالتصريح بأنّه يضغط على المرشد الإيراني على خامنئي للإفراج عن مساعده أكبر طبري الذي اعتقلوه بتهم الفساد المالي وقال يزدي عن لاريجاني : «إنّ أحدهم يقول للولي الفقيه إذا لم تفعل هذا الأمر سوف أذهب إلى النجف. حسنًا إذهب، وهل ذهابك إلى النجف سوف يضرُّ قُم؟ أنت لم تكن مؤثِّرًا في قُم فما بالك بالنجف. لقد اعتقلوا رئيس مكتبه الذي كان له موقعٌ إداريٌّ مهمٌّ لمدة 10 سنوات، ثم بعد ذلك يعترض لاريجاني ويقول لماذا قبضتم عليه، لقد بنوا قصرًا تحت مُسمّى مدرسةٍ علميةٍ! هل كان هذا المال إرثًا من أبيك؟ من أين حصلت على المال؟».

حديث يزدي الذي وثقه مركز "رصانة" عن فساد أكبر طبري رئيس مكتب لاريجاني، بنفس القدر الذي أضاف إلى سلسلة شبهاتٍ كبيرةٍ تعرّض لها لاريجاني المدعوم بقوةٍ من المرشد وفساد السلطة القضائية على مدار عشرين عامًا مضت؛ فتح الباب أيضًا أمام الحديث عن الفساد المالي للحوزات العلمية التي بات المجتمع الإيراني ينظر إليها على أنّها قصورٌ خاصةٌ برجال الدين، وليست أماكن لتلقي العلوم الفقهية.

وتمّ اعتقال طبري بأمرٍ مباشرٍ من الرئيس الجديد للسلطةِ القضائية إبراهيم رئيسي، بعد أن سارع طبري بتقديم استقالته من منصب مدير عام الشؤون المالية للسلطة القضائية، بعد تولي رئيسي للسلطة القضائية بسبعة أيامٍ فقط. وكأنّ انتقال لاريجاني من منصب رئيس السلطة القضائية لرئاسة مجمع تشخيص مصلحة النظام قد جعل طبري بلا غطاء، وهو مخزن أسراره والقائم على إدارة الأصول المالية للسلطة القضائية لمدة عشرين عامًا متوالية، عُرف عنه الابتعاد عن الظهور في وسائل الإعلام، وقد أنشأ وأدار طبري عددًا من المشروعات الاقتصادية التابعة للسلطة القضائية مثل المجمع الترفيهي السياحي في شيراز، المركز التخصصي لطب الأسنان، مجمع الألعاب المائية في شيراز، وغيرها من المشروعات ذات العائد المرتفع، كما تَشارَك كلٌّ من طبري وباقر لاريجاني أخ صادق لاريجاني، في الإشراف على مشروع بناء مستشفي القضاة.

لكن اتهام يزدي له بالفساد تركّز على بناء مدرسةٍ دينيةٍ في منطقة لواسان الراقية بتكلفةٍ ضخمةٍ، وألمح يزدي إلى أنّها ليست مدرسة، وإنّما هي قصرٌ فخمٌ شيّده صادق لاريجاني بأموال السلطة القضائية، ووجود الطلاب فيه ما هو إلّا تمويهٌ لاستكمال الصورة. واختيار منطقة لواسان يفتح ملفًا أكبر للفساد يطال كلًّا من صادق لاريجاني، وعلى أكبر ناطق نوري الرئيس السابق لمكتب التفتيش التابع للمرشد والرئيس السابق أيضا للبرلمان الإيراني. وقد أُثير ملف فساد فِلل لواسان في عام 2016م عبر الملف الصوتي الذي أذاعه الناشط السياسي رضا جلبور والذي حُكم عليه بالسجن 15 عامًا بعد تسريباته تلك، حيث كشف عن بناء 62 فيلا بمساحة 2000 متر، وُزِّع معظمها على رجال النظام، وقُدِّمت رشاوى لأكبر ناطق نوري استفاد منها في بناء منزلٍ بمساحة 1100 متر في برج فلورا، وشقة بمساحة 700 متر لعباس جعفر دولت أبادي المدعي العام لطهران في إطار الحصول على موافقاتٍ لتنفيذ المشروع، وكشف فيما بعد أنّ أكبر طبري مدير مكتب لاريجاني هو المنفِّذ لمشروع فلل لواسان.

كبر سنك لا يكفي

مكتب رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام أصدر بيانًا رسميًّا للردِّ على اتهامات آية الله يزدي للاريجاني. وقد نفى لاريجاني أن يكون قد قال إنّه سوف يرتحل للنجف، ونفى كذلك دعمه لأكبر طبري، ولكنّه كال السباب ليزدي كذلك، وقال "أنا لم أقل إنّ وجودي في قُم مهمٌّ، لكن قل لي ما الذي فعلته أنت في مجال التحقيق والبحوث العلمية؟! أنت لم تقم بعمل أيّ بحثٍ علميٍّ، حتى أداؤك في مجلس صيانة الدستور كان غير احترافيٍّ، وكثيرًا ما كنت تضطر للاعتذار، وكان بقية الأعضاء يصمتون احترامًا لكِبر سنّك، وعلى الرغم من صوتك العالي كنت لا تعرف على وجه الدقة حول أيّ شيءٍ يدور النقاش".

وتناول لاريجاني شخص يزدي قائلًا في هجومه عليه: «نعم هذه المدرسة ليست إرثًا لي من والدي، لكن هل المدارس التي تستفيد منها في قُم هي إرثٌ من أبيك؟ وقولك إنّها قصرٌ وليست مدرسةٌ أردُّ عليه بسؤالك: هل قارنتَ بين بناء هذه المدرسة وبناء مركز بحوث مجلس الخبراء الذي حوّلته لمقرِّ إقامةٍ لك أثناء فترة رئاستك للمجلس؟» ثم انتقد لاريجاني أداء السلطة القضائية قبل توليه إياها عندما قال: «لقد تمَّ الفصل في 17 مليون قضية في عام 2018م فقط».

 أسباب الشتائم الخفية

ويقول المركز في التقرير الذي خص به "اندبندنت عربية" إن أسباب اندلاع الأزمة بين أقطاب رجال الدين على الملأ، جاء في الأساس على خلفية ما تُشكّل أسرة لاريجاني بقطبيها صادق وعلي من حالةً من احتكار السلطة داخل النظام الإيراني تثير سخَط وغضب المحافظين والإصلاحيين على السواء، بسبب الدعم اللانهائي الذي يحصلون عليه من قِبل المرشد الإيراني على خامنئي، على الرغم من الاتهامات المتكرِّرة لهم بالفساد واستغلال السلطة.

وعلى مدار عشرين عامًا متوالية لا يترك الواحد منهم منصبًا إلّا ليتبوء منصبًا أعلى منه، فصادق لاريجاني في عمر الثامنة والثلاثين حصل على عضوية مجلس الخبراء، وبعد عامٍ آخر حصل على عضوية مجلس صيانة الدستور بقرارٍ من المرشد، ولم يكد يصل للخمسين من العمر حتى عيّنه المرشد رئيسًا للسلطة القضائية، ثم عيّنه في 2018م رئيسًا لمجمع تشخيص مصلحة النظام مع الاحتفاظ بعضوية مجلس صيانة الدستور. وعلى الرغم من أهمية المناصب التي شغلها صادق، لكن شقيقه علي يمثّل حالةً فريدةً في النظام الإيراني لشغله منصب رئيس البرلمان الإيراني منذ عام 2008م وحتى الآن لثلاث دوراتٍ متتالية، بعد حصوله على المقعد البرلماني الخاص بمدينة قُم، فضلًا عن عددٍ من المناصب الحكومية الأخرى بعد تقاعده من الحرس الثوري برتبة عقيد، مثل رئاسته للمجلس الأعلى للأمن القومي وعضوية المجلس الأعلى للثورة الثقافية ورئاسته لهيئة الإذاعة والتلفزيون وتوليه وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي.

ويتردد حسب المركز بين الدافع وراء هجوم آية الله يزدي على صادق لاريجاني، "تصديق الأحاديث الدائرة في أوساط الحوزة وبيت المرشد عن التمهيد لترتيبات إعداد صادق لاريجاني لتولي منصب المرشد على المدى البعيد، فضلًا عن هندسة انتخاب علي لاريجاني كرئيسٍ للجمهورية في انتخابات عام 2021م".

أصداء الصراع

أحدثت الأزمة بين يزدي ولاريجاني أصداء واسعةً في إيران وخارجها، فالطرفان رئيسان سابقان للسلطة القضائية، ومن المفترض فيهما عدم الكذب والافتراء على الأقل لدى الرأي العام الإيراني، فإذا بهما يكيلان لبعضهما اتهاماتٍ بالفساد المالي والجهل وعدم الفقاهة، على الرغم من ارتفاع درجتيهما الدينية واعتبارهما مجتهدين يتبعهما الآلاف من الشيعة الإيرانيين، وبالتالي يُطرح تساؤلٌ حاسمٌ أمام الرأي العام الإيراني، أيهما كاذبٌ وأيهما صادقٌ، أم أنّ كليهما صادقٌ وتثبت تهم الفساد والجهل عليهما؟ لا شكّ أنّ الأزمة تخطّت حدود الخلافات الشخصية ووصلت إلى حدِّ تقييم رجال النظام وأدائهم، وسيكون للأزمة تداعياتٌ على النظام والدولة الإيرانية.

في غضون الأزمة الحادة بين رجال الدين، تذهب التحليلات إلى أنها وإن ألهت بعض أقطاب النظام على التدخل في مباحثات ظريف وروحاني مع المجتمع الدولي بشأن الاتفاق النووي، فإنها تكشف للخارج ما ظل النظام يحاول إخفاءه عن فساد متعدد المستويات في بينة النظام، قبل أن يصبح دولة على ألسنة رجلي القضاء لاريجاني ويزدي.

فرص الاتفاق وحضور الخليج

ومع أن الخليجيين منشغلين بتسجيل حضور أفضل في النسخة الجديدة المرتقبة من الاتفاق النووي مع إيران أكثر من الصراعات بين رجال الدين في الداخل الإيرني، إلا أنهم يدركون كما يقول الدبلوماسي السعودي السابق الدكتور عبدالرحمن الجديع أن زمام الأمر في نهاية المطاف بيد المرشد ورجاله المقربين أمثال عائلة لاريجاني محل الجدل، حتى وإن حاولت واجهة النظام التغطية على صلاحياتهم المحدودة بما سماه "الفهلوة السياسية"، في إشارة منه إلى الرئيس حسن روحاني وجواد ظريف، اللذين يتلاعبان بالتصريحات ويقولان بين الحين والآخر الشيء ونقيضه.

وتقول إيران إنها مستعدة لتوقيع معاهدة "عدم الاعتداء" مع دول الخليج، لطمأنتها نحو سلوكها العدواني الذي طالما اشتكت منه تلك الدول، معلقة آمالها على انقسام القرار بين دول المجلس ووكلائها بينهم مثل قطر وحليفتها الاستراتيجية سلطنة عمان.

غير أن كبير الباحثين في مركز الخليج من كامبيردج الدكتور هشام الغنام حذر مما قال إنه "تطورات متلاحقة سلبية في الملف الإيراني من وجهة نظر المملكة ودول الخليج بما أنها المتضرر الأكبر من قربها جغرافيا من هذا النظام".

وفسر ذلك بالإشارة إلى أنه "عندما يقول روحاني بأن الجمهورية الإسلامية يجب أن تعمل بيدين. يد القوة ويد الدبلوماسية. لابد أن نعلم أن إيران تجيد هذه المناورات وترى في نفسها القدرة على التلاعب حتى برئيس الولايات المتحدة الأمريكية. لكن هل هذا سيحدث؟ الحقيقة هذا مستبعد وقوى كثيرة إيرانية مهمة تعتقد أن الجلوس على طاولة المفاوضات قبل رفع العقوبات يحمل قدرا كبيرا من الإذلال والإهانة للنظام الإيراني أمام شعبه مما يهدد يشكل تهديدا وجوديا لهذا النظام داخليا"،  في وقت رجح فيه عمل بلاده السعودية بشكل مكثف لضمان اتفاق، "يحميها ويحمي جيرانها من نتائج تصرفات النظام الإيراني".

وفي اعتقاد الغنام أن الاستعداد لكل الاحتمالات "لايعني أن المملكة وبقية دول الخليج لاتريد اتفاقا أشمل وتهدئة للتوترات في الإقليم لكن هذا بوجهة نظري لن يحدث أبدا باستمرار إيران بأفعالها. السياسة الأفضل للتعامل مع إيران بالوقت الحالي حتى بوجهة نظر أطراف مهمة وأساسية داخل الإدارة الأمريكية الحالية هو مايدعى بالتهديد بالعنف الكامن. فالتلويح بالعصا بشكل مستمر مفيد مع نظام مثل هذا واستخدام بعض هذه القوة أيضا في توجيه ضربات محسوبة مفيد مع من لايفهم إلا هذه اللغة ويرى أي محاولة للحوار تراجعا وضعفا".

ترجيح بقاء لغة الصراع قائمة في المنطقة، يقر الباحث الغنام بأنه ليس في صالح دول الخليج حتى وإن أضر بإيران، إلا أنه السياسة الوحيدة المجدية مع طهران.

وقال "صحيح أن هناك كلفة للصراع مع إيران على دول الخليج وهي في  غالبها كلفة اقتصادية وهذا متوقع لأن هذه الدول لديها مشاريع بناء ويهمها تأمين خطوط الملاحة، و تثبيت الاستقرار والأمن لمضيقي باب المندب وهرمز وهذا يختلف عن من كان مشروعه الهدم والمشاغبة, فالتكلفة عليه أقل لاشك لكن هذا فقط على المدى القصير. أما المدى الطويل فنحن الان نرى الحالة الاقتصادية المزرية التي يعانيها الشعب الإيراني والمتسبب الرئيس بها هو هذا النظام".

ضغوط تثقل كاهل ترمب

ووفق التقديرات الأميركية وحلفاءها في المنطقة وأوروبا، فإن أي اتفاق جديد لا يسعه تجاهل أمن الخليج والسلوك الإيراني في المنطقة في مثل حرب اليمن وحرب ناقلات النفط، ودعم حزب الله والمليشيات المتطرفة في كل من سورية والعراق.

لكن الضغوط على ترمب وفق الباحث في الشأن الأميركي الدكتور أحمد الفراج، تزداد من جانب الناخبين في بلاده، بما يفسر ظهوره بمرونة دفعته إلى القبول بلقاء الرئيس الإيراني، على حين كان سلفه باراك أوباما حتى مع استماتته في عقد اتفاق مع الإيرانيين في أول اتصال لواشنطن مع النظام منذ عقود، لم يطرح مطلقاً إمكان اللقاء بالرئيس الإيراني، بل ظل يلوح بالقوة العسكرية في كل المراحل.

ومع العد التنازلي للانتخابات الأميركية، يسابق الإيرانيون وترمب الزمن لمحاولة التوافق على صيغة تحافظ على الحد الأدنى من طموحات الطرفين، وسط غياب ضمانات بأن تكون فترة ما بعد الانتخابات أفضل لانتزاع اتفاق أفضل، وفق ما ترجح ترشيحات الخبراء مثل أبو القاسم على الرغم من الأصوات المتشددة من كلا الطرفين بين حين وآخر.

المزيد من العالم العربي