Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الإنسانية تتغلب على شظايا الحرب وتعيد لـ "مهرة سوريا" خطواتها

نجح الطبيب بتركيب طرف اصطناعي لها بعدما أُصيبت في مناطق النزاعات المسلحة في شمال البلاد

المهرة وهي تسير بعد نجاح عملية تركيب الطرف الاصطناعي (اندبندنت عربية)

 

صهيلها كسر صمت المكان، تبعه تصفيقٌ مدوّ من كل الحاضرين بعد أن شخصت أعينهم يترقبون نجاح خطواتها إلى الأمام في ساحة غصّت بمحبي الخيول الأصيلة، يترقبون سيرها بأول طرف اصطناعي، في حدث هو الأول في منطقتهم ليس لإنسان، بل لصغيرِ إحدى الخيول الأصيلة.

عملية ناجحة

ساعات طويلة غرق فيها الطبيب المعالج المتخصص في تركيب الأطراف الاصطناعية، الدكتور غزال هلال ووضع كل المقاسات الصحيحة والمستلزمات المناسبة لعملية تركيب الطرف.

ولم يتوان معها عن خوض أول تجاربه في تركيب عضوٍ في جسم الفرس الرشيق، في تحدٍ من نوع ثانٍ لطبيب ركّب ما يقارب أربعة آلاف طرف صناعي لأشخاص مبتوري الأعضاء، بعدما شاعت هذه العملية في ظل الحرب.

ولم يخض تجربة كهذه، إلاّ بعدما دفع بنفسه إلى انتشال هذه الفرس من كبوتها التي طالت، ويقول "حين بُترت طرف يد المهرة اليمنى، إثر تلقيها شظية من شظايا قصف إحدى الاشتباكات والمعارك العنيفة، نجحتُ بذلك التحدي، والطرف بحال جيدة وخطوات الفرس مختلفة وسريعة ودائمة الحركة، ليست كخطوات الإنسان".

الخيول الأصيلة

وفي مناطق تعجّ بالتوترات والنزاعات المسلحة، تمكّنت غريزة الإنسان المحبة للأصالة أن تتغلّب على شظايا الحرب وأن تعيد خطوات كائن حي إلى مسارها.

ويصف الدكتور هلال إحساس اللحظة، قائلاً إنه "شعور لا يصدق، كيف خطت المُهرة أولى خطواتها  إلى الأمام، وأخذت تصهل لتعود إلي وتعانقني وأنا أراقبها وهي على الأرض، وقبلها كنت أحدّق بعينيها لدى تركيب طرفها الجديد بابتسامة طمأنتها، أننا سننجح".

الكائن الحي

لم تتوقف مهمة الطبيب السوري وعمله الإنساني على إسعاف الناس وإنقاذ حياتهم وأرواحهم في زمن الحرب، بل تعدّت إلى مد يد العون  لكل محتاج، حتى الحيوان.

وانهالت على الدكتور هلال عبارات الإطراء، لكنّه في المقابل، نال نصيباً من الانتقاد واستهجان هذه التجربة من قبل بعض الذين يعتبرون أنه "كان الأوْلى به إنقاذ حياة إنسان لا حيوان في زمن الحرب".

أنصار الرفق بالحيوان، وجدوا في هذه المبادرة تشجيعاً على أن يحتفظ الإنسان بإنسانيته، وألاّ يتخلى عنها كما قال نيبال السعيد، ناشط في جمعية تهتم برعاية الحيوان، وبكثير من الرضا، قال "يتهمنا الناس بأنّ الاهتمام بالحيوان في زمن نغرق فيه بمستنقع من الدماء، ضرب من الترف، وأنا أقول نحن اليوم أحوج أن نهتم بالحيوان لنثبت إنسانيتنا".

من جانبه، اعتبر الدكتور هلال أن لكل إنسان رأيه، موضحاً أنّه مع الفريق التقني والطبي في مركز يحمل اسم "خطوات سعيدة" في منطقة أعزاز شمال سوريا، يحرصون على تقديم كل الخدمات الإنسانية مجاناً.

ولدى افتتاح مركز "خطوة خطوة" في الأتارب، قال الطبيب المشرف على العملية النوعية "التقيتُ مدير جمعية الخيول العربية وعرض حالة المهرة التي فقدت يدها اليمنى بالقصف في الأتارب. وبدوري، تبنيتُ تركيب هذا الطرف كمساعدة مني".

ويردّ الدكتور هلال "لم يتوقف دورنا الإنساني في مركز طبي موجود لهذه الغاية وتابع لفاعل خير. نركّب ما يقارب الـ 30 إلى 40 طرفاً شهرياً مجاناً، ومستعدون لتقديم هذه الخدمة لكل محتاج. نحن كبشر يجب أن نكون إنسانيين مع الحيوانات مثل البشر".

ضياع الفرسان

هذه العملية النوعية قياساً ببلد تمزقه الحروب، تلفت أنظارنا إلى ما حلّ بالخيول الأصيلة، وكيف أثرت الحرب في واقع مزارع تربية الخيول التي نُهبت وسُرقت أو أصابتها القذائف ونفقت معها الكثير من الخيول.

وضعٌ يعرفه أكثر مربي الخيول والفرسان حسام شهدا، صاحب إحدى المزارع في ريف دمشق، القريبة من العاصمة السورية، يروي لنا ما حلّ بمزرعته بعدما تعرّضت للسرقة على يد مجهولين، "لقد خطفوا وسرقوا أجمل المهرات والخيول الأصيلة. كنت أملك العشرات، وبعد الاستقرار الذي نعيشه اليوم، كم أودّ إعادة المزرعة واستقدام الخيول من جديد".

وفي مدينة دوما الشهيرة بكثرة المزارع، يبدو الواقع أشبه بجريمة بحق الخيول. يسعى كل من صادفناهم من أصحاب الإسطبلات إلى العودة من جديد إلى ماضي الفروسية السورية التي تفوّقت واشتهرت وذاع صيتها في أصقاع الأرض.

 لكنها عودة على ركام حرب من الصعب أن تعود بذلك الألق، كما الأمس، بحق الفرسان والخيول على حد سواء.

المزيد من تحقيقات ومطولات