في الوقت الذي يواصل فيه الرئيس الأميركي حروبه التجارية، سواء مع الصين أو دول أوروبا أو اليابان، يُتهم الدولار الأميركي "القوي" بأنه السبب في الأزمات الاقتصادية التي تواجهها الولايات المتحدة في الوقت الحالي.
وفيما تتواصل التحذيرات من أن الحروب التجارية التي يشعلها الرئيس الأميركي قادت الاقتصاد العالمي بالفعل إلى ركود تزداد حدته بحلول نهاية العام الحالي، يظل "ترمب" متمسكاً برأيه، ويرى أن الاحتياطي الفيدرالي هو سبب الأزمات التي يواجهها الاقتصاد الأميركي الذي تنطلق منه الأزمات لتطال جميع اقتصاديات دول العالم.
ويرى محللون أنه في حالة استمرار ارتفاع الدولار الأميركي، والذي يتزامن بالفعل مع انكماش الاقتصاد، فإنه من الصعب أن يتعافى الاقتصاد الأميركي والعالمي من كبوته الحالية.
ويتوقع بنك الاحتياطي الفيدرالي أن هناك احتمالات بأكثر من 30% بأن يتعرض الاقتصاد الأميركي لدورة هبوطية خلال 12 شهراً.
الاقتصاد الأميركي بدأ رحلة التراجع بالفعل
بنك أوف أميركا، وفي مذكرة بحثية حديثة، قال إن الاقتصاد الأميركي بدأ فعلاً في التدهور، فيما واصلت العملة الأميركية ارتفاعاتها، فهو يرى أن ذلك يشير إلى اضطرابات بالأساسيات التي هي غير مستدامة وستجذب انتباه صناع السياسة النقدية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضح أنه "إذا تمكنت الولايات المتحدة من جعل مخاوفها مسموعة مع شركائها الدوليين ستتمكن بشكل أساسي من الحصول على بعض الدعم من أجل التدخل المنسق الذي يكبح قوة الدولار".
وتتدفق الأموال الدولية إلى الدولار الأميركي وسط تصعيد الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة، وذلك لأن الولايات المتحدة تتفوق على الدول المتقدمة الرئيسة الأخرى استناداً إلى وسيلتين رئيستين، وهما النمو الاقتصادي الأعلى وعوائد السندات الأعلى.
ووفقاً لوكالة "رويترز"، قال آندي سايرونكسكي، المحلل في "كلارتي إف.إكس"، إن قوة الدولار على مدار العام الماضي تؤكد على الضعف في كل مكان آخر في أنحاء العالم... عدم اليقين يجعلني أشعر بعدم الاستقرار".
وأضاف "إذا خفّض بنك الاحتياطي الفيدرالي معدل الفائدة سيضعف الدولار، ولكن القضايا التي تحدث حول العالم ستعوض ذلك الضعف. لكن مشكلة قوة الدولار لن تُعالج".
الدولار يواصل الارتفاع أمام العملات الرئيسة
في سوق العملات، واصل الدولار الأميركي ارتفاعه أمام العملات الرئيسة، مع ترقب التطورات التجارية العالمية. يأتي ذلك في الوقت الذي أعادت فيه الصين حالة عدم اليقين إلى الوضع التجاري العالمي بعدما نفت إجراء أي محادثات هاتفية خلال عطلة الأسبوع الماضي مع الجانب الأميركي، على الرغم من تصريحات دونالد ترمب بحدوث ذلك.
واستقر الدولار أمام اليورو عند 1.1088 دولار، فيما ارتفع أمام الين بنسبة 0.07% مُسجلاً 105.82 ين. وصعدت العملة الأميركية أمام الجنيه الإسترليني بنحو 0.2% عند مستوى 1.2270 دولار، فيما زادت أمام الفرنك السويسري بنسبة 0.1% إلى 0.9828 فرنك.
وخلال تلك الفترة زاد مؤشر الدولار الرئيس الذي يقيس أداء العملة أمام 6 عملات رئيسة بنحو 0.07% إلى 98.067.
الأزمة ليست في قوة الدولار... ولكن!
المحلل أحمد الحارثي يرى أن الوضع الاقتصادي الأميركي يتجه بالفعل من سيئ إلى أسوأ في ظل التحركات الخارجية للرئيس دونالد ترمب، ومع استمرار الحروب التجارية التي يفرضها فلا يمكن أن يكون هناك أي توقعات إيجابية تتعلق بمستقبل الاقتصاد الأميركي أو الاقتصاد العالمي.
وأوضح، في اتصال مع "اندبندنت عربية"، أن الأزمة ليست في قوة الدولار الأميركي، ولكن المشكلة في قرارات الرئيس الأميركي والحروب التجارية التي يشعلها، وبخاصة مع الصين التي تمتلك أكثر من سلاح للرد على أي قرار أميركي، وأضاف "ليس من المعقول أن يفتعل الرئيس الأميركي حرباً تجارية مع دولة تعد الأعلى في امتلاك أرقام ضخمة في سندات الخزانة الأميركية".
وعلى الرغم من حاجة الاقتصاد الأميركي لخفض الدولار حتى يتسنى للمنتجات والصادرات الأميركية أن تنافس، سواء في السوق الأميركية أو الخارجية، لكن حاجة الاقتصاد العالمي إلى الهدوء والاستقرار والبعد عن الحروب التجارية أكبر بالفعل، بخاصة مع مؤشرات تؤكد بداية دخول الاقتصاد العالمي في دوامة ركود لا يتحملها أي اقتصاد في الوقت الحالي.
عائد السندات الأميركية يواصل التراجع
في سياق متصل، تراجع العائد على سندات الخزانة الأميركية لأجل 30 عاما إلى مستوى قياسي منخفض جديد خلال تعاملات أمس الأربعاء. وتشير البيانات الرسمية إلى تراجع العائد على سندات الخزانة الأميركية لأجل 30 عاما بمقدار نقطتين عند 1.929%، بعد أن سجل مستوى 1.906% في وقت سابق من التعاملات، وهو أدنى مستوى على الإطلاق.
أما العائد على سندات الخزانة الأميركية لأجل 10 أعوام فزاد في تلك الأثناء بمقدار نقطة واحدة إلى 1.479%. فيما تراجع العائد على سندات الخزانة الأميركية لأجل عامين بمقدار نقطة واحدة إلى 1.524%.
فيما انعكس منحنى العائد بين السندات الأميركية لأجل عامين و10 سنوات، حيث تراجع عند مستوى 6.2 نقطة للمرة الأولى منذ 2007. ويشير انعكاس منحنى العائد بين السندات الأميركية إلى مخاوف المستثمرين من حدوث ركود اقتصادي عالمي.
وتتزامن تلك المخاوف مع تنامي التوترات التجارية بين الصين والولايات المتحدة، مع تطبيق تعريفات جمركية جديدة فيما بينهما.
التصنيف الائتماني لبنوك الاستثمار العالمية يتراجع
وخفضت وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني النظرة المستقبلية لبنوك الاستثمار العالمية (جي.أي.بي) من إيجابية إلى مستقرة. ومن ضمن هذه البنوك الاستثمارية العالمية غولدمان ساكس، وجي.بي.مورغان، ودويتشه بنك، وإتش.إس.بي.سي.
وقالت موديز، في بيان، إن إيرادات هذه البنوك ستتعرض لضغوط أكبر على مدار فترة الـ12 إلى 18 شهراً المقبلة، بالإضافة إلى انخفاض نشاط العملاء بسبب حالة عدم اليقين العالمية.
وأرجعت الوكالة خفض النظرة المستقبلية لهذه البنوك إلى تباطؤ النمو نتيجة للتوترات التجارية والجيوسياسية ومعدلات الفائدة المنخفضة أو السالبة، بالإضافة إلى انعكاس أو تسطّح منحنى عائد السندات، وأضافت "تعكس النظرة المستقرة لبنوك الاستثمار العالمية توقعاتنا بأن ربحيتهم قد بلغت ذروتها في هذه الدورة الاقتصادية".
وأوضحت "موديز" أن تباطؤ النمو الاقتصادي وارتفاع مستويات ديون الشركات يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع تكاليف البنوك الاستثمارية. وعلى الرغم من أن السياسات التيسيرية من البنوك المركزية يمكن أن تدعم الظروف المالية، فإن خطر التباطؤ الحاد قد ارتفع، بخاصة مع تصاعد التوترات التجارية والجيوسياسية.
خسائر عنيفة في الأسهم تتحول إلى فرص
وبسبب الخسائر العنيفة التي تكبدتها أسواق الأسهم العالمية خلال الفترة الماضية، يرى بنك "جي.بي.مورغان" أن وقت شراء الأسهم العالمية يقترب مجدداً، بعد الموجة البيعية التي شهدتها الأسواق في أغسطس (آب) الحالي.
وفي مذكرة نشرتها وكالة "بلومبيرغ"، قال خبراء استراتيجيون في البنك الأميركي إن أسواق الأسهم العالمية ستبدأ تتحرك لأعلى بدايةً من الاتجاه الصعودي في شهر سبتمبر (أيلول) المقبل.
وتتجه المؤشرات الرئيسة، بما في ذلك "ستاندرد آند بورز 500" و"ستوكس 600" الأوروبي ومؤشر آسيا والمحيط الهادئ "إم.إس.سي.آي"، إلى تسجيل أكبر هبوط شهري منذ مايو (أيار) الماضي، وذلك خلال شهر أغسطس (آب) الحالي.
وقال خبراء في البنك إنه لا يزال من غير المتوقع أن تمتد خسائر الأسهم لفترة أطول مما حدث في شهر مايو (أيار) الماضي، كما لا يزال من المعتقد أن السوق سوف ترتفع حتى حلول نهاية العام.
وكان التصعيد في الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين هذا الشهر أثار مخاوف المستثمرين حيال النظرة المستقبلية لنمو الاقتصاد العالمي ما أضر بالأسهم حول العالم.
ويرى البنك الأميركي أن هناك مجموعة من المحفزات الإيجابية التي من شأنها تعزيز الأسهم، مثل بدء البنك المركزي الأوروبي برنامجا للتيسير الكمي واحتمالية الخفض الثاني والأكبر في معدل الفائدة من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي، جنباً إلى جنب مع إشارات بأن النشاط ربما وصل إلى القاع وستتحسن المؤشرات.
وكتب الخبراء أنه من السابق لأوانه توقع مرحلة الركود الاقتصادي المقبلة في الولايات المتحدة. فيما تتناقض آراء "جي.بي.مورغان" مع رؤية شركة إدارة الثروات التابعة لبنك "يو.بي.إس" التي خفضت المراكز الشرائية للأسهم مقارنة بالسندات ذات التصنيف الائتماني المرتفع.