Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ملكة بريطانيا تمارس "العرف السياسي" وتوافق غالبا على قرارات الحكومة

الجدل سببه تعليق عمل البرلمان بناء على قرار بوريس جونسون

متظاهر يرتدي قناعاً لبوريس جونسون ينعي الديمقراطية في بريطانيا (أ.ف.ب)

أثار قرار حكومة بوريس جونسون، طلب موافقة الملكة إليزابيث الثانية، تعليق عمل البرلمان البريطاني، جدلاً بين القانونيين والدستوريين في بريطانيا، لا يختلف عن ذلك الجدل الحاصل على الساحة السياسية، واتهام أحزاب المعارضة رئيس الحكومة بأنه "يخرب العملية الديموقراطية".

وصرح جونسون سابقاً، أنه سينفذ الخروج من الاتحاد الأوروبي (بريكست) في موعده الجديد في 31 أكتوبر (تشرين الأول) سواء باتفاق مع أوروبا أو من دونه.

ويعارض كثير من النواب البريطانيين في مجلس العموم (البرلمان) بريكست من دون اتفاق، ويرون أنه سيكلف البلاد كثيراً على المدى القصير والبعيد.

كذلك لا يقبل البرلمان بالاتفاق الذي توصلت إليه رئيسة الوزراء المستقيلة تيريزا ماي مع أوروبا، وكان رفضهم ذلك الاتفاق سبباً في استقالتها ليخلفها جونسون.

 ولا يقتصر ذلك على نواب حزبي المعارضة الرئيسين، العمال والليبراليين الديموقراطيين الذين يؤيدون البقاء في أوروبا. بل إن نواباً من حزب المحافظين الحاكم، إما يعترضون على اتفاق ماي مع أوروبا أو يعارضون بريكست من دون اتفاق.

وهكذا، بدا الحل الوحيد أمام رئيس الوزراء الجديد، تعليق عمل البرلمان لتعطيل أي جهد برلماني لعرقلة خطته للخروج من أوروبا نهاية أكتوبر (تشرين الأول)، باتفاق أو من دون اتفاق.

وزاد من تصميمه على اتخاذ هذا الإجراء، ما بدا من تكتل نواب المعارضة خلف موقف موحد لمنع بريكست من دون اتفاق، ربما عبر تصويت لسحب الثقة من حكومته وإجراء انتخابات مبكرة، أو حتى تشكيل حكومة تصريف أعمال انتقالية غير حكومته.

ويعود البرلمان من عطلته الصيفية مطلع الشهر المقبل، وإذا حُرم النواب من الوقت الكافي لإنفاذ ما ينوونه من عرقلة البريكست سيتمكن بوريس جونسون من الوفاء بوعده بالخروج من أوروبا في موعده وبالشكل الذي يراه ويترك البرلمان أمام الأمر الواقع حين يعود للانعقاد بعد فترة التعليق.

دور الملكة

بعيداً من الجدل السياسي الذي لم يتوقف منذ استفتاء البريكست في صيف 2016، ثمة جدل الآن حول قرار الملكة تعليق عمل البرلمان، وتساؤلات ونقاشات بين القانونيين والأكاديميين من أساتذة العلوم السياسية والقانون الدستوري.

السؤال الرئيس: هل من حقّ ملكة بريطانيا تعليق عمل البرلمان؟ والإجابة البسيطة والحاسمة هي: نعم.

فالملكة في نظام الحكم البريطاني هي رأس الدولة وبيدها قرار حل البرلمان، وليس فقط تعليقه وكذلك قرار شنّ الحرب وغيره من القرارات السيادية التي تكون بيد رأس الدولة في أي نظام حكم.

لكن، بما أن بريطانيا ليس لديها دستور مكتوب بصرامة ومحدد البنود والقواعد في وثيقة واحدة، فإن ممارسة رأس الدولة سلطاته تخضع إلى قوانين يسنّها البرلمان المنتخب من الشعب ومجموعة هائلة من القوانين والتشريعات التي تعتمد على السوابق التاريخية.

ذلك ما يمكن تسميته "العرف السياسي"، ما يعني أن الملكة يقتصر دورها على المهام التشريفية فقط، ولا تتدخل في مجريات السياسة التي ترسخت على أساس برلماني حزبي وتترك كل تلك المهام السيادية للحكومة التي ينتخبها الشعب ووزرائها من الحزب الذي يفوز بأغلبية نواب البرلمان.

حتى ما تمارسه الملكة من دور سنوي، مثل افتتاح الدورة البرلمانية وخطاب العرش، يتم بتوصية من الحكومة، وتعتمد الملكة في ذلك على ما يسمى "المجلس الاستشاري السري" Privy Council والذي يضم عملياً أعضاء الحكومة.

حتى تعليق عمل البرلمان هو إجراء تقوم به الملكة سنوياً بشكل تقليدي في إبريل (نيسان) مدة أسبوعين حتى يتسنى للحكومة إعداد خططها التنفيذية وخطط قوانينها للعام المقبل.

لكن لم يسبق أن عطلت رأس الدولة عمل البرلمان (وإن كان من حقها دستورياً) مدة تزيد عن أربعة أسابيع. إذ إن بوريس جونسون استصدر موافقة ملكية لتعليق عمل البرلمان ما بين 9 و12 سبتمبر (أيلول) المقبل وحتى موعد أقصاه 17 أكتوبر 2019.

هذا ما يثير مسألة أن الملكة بقرارها هذا تعطل نشاطاً برلمانياً ضرورياً لبحث وإقرار تطور حاسم مثل البريكست من قبل نواب يمثلون الشعب. وهكذا بدت الملكة وكأنها تقف إلى جانب حكومة جونسون ضد إرادة الشعب.

لا توجد سابقة

بحسب ما هو راسخ من العرف القانوني والسوابق التاريخية، تأخذ الملكة دوماً بنصيحة الحكومة وغالباً ما تصادق على طلب رئيس الوزراء.

كما أنها تعطي موافقتها باستمرار على مشروعات القوانين التي يوافق عليها البرلمان لتصبح نافذة– كما هو مطلوب دستورياً. ولم يسبق أن رفضت الملكة قانوناً أو توصية من الحكومة.

مع ذلك، لا توجد سابقة لموقف من الملكة تجاه البرلمان ونواب الشعب كهذا الذي حصل. لذا، يتهم السياسيون بوريس جونسون بأنه يورط الملكية البريطانية في سابقة خطيرة لم يسبق لها مثيل.

بل إن البعض ذهب للمقارنة بين تعليق البرلمان لهذه المدة لغرض تمكين الحكومة من تنفيذ سياسة لا يقبل بها نواب يمثلون الشعب بما حدث من الملك تشارلز الأول في القرن السابع عشر، حين كان قرار حله للبرلمان سبباً في حرب أهلية استمرت سنوات وانتهت بمحاكمة الملك وإعدامه.

ويرى قانونيون ودستوريون أن تلك المقارنة غير عادلة، لأن الملك تشارلز كان يريد إلغاء الحياة البرلمانية تماماً لذا كانت نتيجة الحرب الأهلية في ذلك الوقت بداية النظام الديمقراطي البريكاني القائم على الملكية الدستورية وتفويض السلطة للشعب عبر البرلمان والحكومة.

أما ما يحدث الآن، فهو في النهاية موافقة ملكية على توصية حكومية. بل إن هناك من يرى حكمة في تصرف الملكة لإبقاء جلالتها بعيدة من السياسة – بشقيها التشريعي والتنفيذي – إذ إنها اتبعت ما هو راسخ بالممارسة والسوابق وأقرت توصية حكومية.

وليس هناك، في رأي كثير من أساتذة القانون الدستوري، ما يدعو البرلمان إلى اعتبار تصرف الملكة هو المشكلة وعليهم حلّ مشكلتهم مع الحكومة وفي ما بينهم كأحزاب.

المزيد من تحلیل