كلًما صدر تحذير عن نائب وزير الدفاع، رئيس الأركان في الجزائر الفريق قايد صالح، أعقبته متابعات قضائية غالبيتها أمام القضاء العسكري، لذلك يرجح كثيرون من المتابعين لإدارة المؤسسة العسكرية خلال الأزمة الراهنة في البلاد، تقديم ملفات جديدة أو إعلان قرارات على صلة بما سماه قائد الجيش "العصابة وأذنابها".
وفي خطابين متتالين من وهران (400 كيلومتر غرب العاصمة) حيث شارك في عرض عسكري لغواصات بحرية، وجّه صالح تحذيراً إلى "العصابة وأذنابها"، كأنّما يمهّد، كما درج عليه في إدارة الأزمة منذ بداية الحراك، لإجراءات قانونية ربّما ضد أطراف محددة، تكون مصالح الضابطة القضائية قد أكملت تحقيقاتها بخصوص سلوكياتهم.
"العصابة ومن يسير في فلكها"
وبتتبع مواقف المؤسسة العسكرية وناشطين وأحزاب من الخيارات التي تدعمها للخروج من الأزمة، يبدو أن الأخيرة تعتقد بوجود صلات وثيقة بين من تسميهم "العصابة" وهم السعيد بوتفليقة ومحيطه، وبين فاعلين سياسيين وناشطين لهم صوت مؤثر في الحراك. واستعمل قايد صالح هذه المرة، مصطلح "من يسير في فلك العصابة"، بمعنى توسيع التهم التي ارتبطت بالسعيد ومن معه، إلى نطاق أكبر يتجاوز حتى من تصفهم وزارة الدفاع دائما بـ "أذناب العصابة"، ما يقود إلى "الصف الثالث" من المتهمين في انتظار إن كان ذلك سيتبع بإجراءات أم لا.
وقال صالح خلال اليوم الثالث من زيارته إلى الناحية العسكرية الثانية في وهران، إن "المؤسسة العسكرية ثابتة على مواقفها وستواجه وستتصدى بكل قوة وصرامة، برفقة كل الوطنيين المخلصين والأوفياء، للعصابة وأذنابها ومن يسير في فلكها، ولن تسمح لأي كان المساس بسمعة الجزائر بين الأمم وتاريخها المجيد وعزة شعبها الأصيل".
أضاف "سنعمل معاً ومن دون هوادة على إفشال المخططات الخبيثة لهذه الجهات وهؤلاء الأشخاص المأجورين، الذين أصبحت مواقفهم متغيرة ومتناقضة باستمرار، لأنها وببساطة ليست نابعة من أفكارهم بل أملاها عليهم أسيادهم، الذين يتحكمون فيهم ويوجهونهم حسب أهوائهم، محاولة منهم لتقزيم دور الجزائر إقليمياً ودولياً".
أسياد "الأذناب"... كيانات أم دول؟
حين يستخدم الجزائري في تعاملاته اليومية، مصطلح "الأسياد" في توصيف منظومة الحكم، فهو في العادة يشير إلى النظام الفرنسي، وعلى الرغم من غموض كلمة رئيس الأركان عن "أسياد أذناب العصابة"، فالشائع بين العسكريين الجزائريين، أن المقصود هو أطراف فرنسية، تتهمها السلطة القائمة منذ رحيل عبد العزيز بوتفليقة، بمحاولة تعطيل الخيارات الدستورية لانتقال السلطة.
ويقول الضابط المتقاعد والخبير الأمني أحمد كروش في هذا الشأن، "تيارات ومجموعات كلها لديها مطالب، فبعضها تمسك بالحل الدستوري وأخرى طالبت بمجلس تأسيسي بما فيه من خطورة، فيما دعت أخرى إلى مرحلة انتقالية، وحسب رئيس الأركان، فإن لهذه التيارات والمجموعات حسابات وأجندة، بما أنها تدفع إلى فراغ دستوري لإحلال الفوضى، مع توريط الجزائر ككل، ما يسمح بتدخل أجنبي، إنّها تكبر في الفراغ".
أضاف "من منظور عسكري، المجموعات التي تنادي بمرحلة انتقالية ترغب في فتح بوابة الفوضى، وهي بوابة تكرس سياسياً في باب التفاوض وليس الحوار، وأصحابها يرغبون في التعيين بسبب غياب القواعد الشعبية، أي بمنطق الحصص، وقد رأينا تصريحات بعضهم ممن ينتقدون ديمقراطية الصندوق في حد ذاتها".
رغبة في التفاوض
ويتابع "بعد تنصيب هيئة الحوار وتسريع عملها، البعض يرغب في التفاوض، أي البحث عن مقابل وشروط مقابل المشاركة في الحوار السياسي، الآن يروجون لفكرة جديدة هي مدونة لسلوك للرئيس المقبل، أي على كل المترشحين المقبلين أن يرفعوا برنامجاً واحداً، ومن يحقق الفوز كرئيس ما عليه إلا أن يطبق هذه الإملاءات".
بدورها، تقول نبيلة بن فرحات أستاذة العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة الجزائر، إن "نقاطاً عدة يستوجب ذكرها وقد كانت واضحة بالنسبة إلى المؤسسة العسكرية، فالأخيرة سعت وراء تعهد حماية الحراك والحفاظ على الأمن القومي الجزائري، وذلك بمخرج واحد هو الانتخابات الرئاسية، لكن يتّضح أنّ هناك أطرافاً تريد تمديد فترة شغور منصب الرئيس، ما يضاعف من تراجع النشاط الدبلوماسي للجزائر ويجذّر الأزمة الاقتصادية والجمود سياسي".
صالح "يتصالح" مع هيئة الحوار
البحث عن الأطراف التي يقصدها رئيس الأركان في الداخل، ليس صعباً قياساً لمقاطع وردت في كلمته الأولى غداة وصوله إلى وهران، حينما هاجم من "يضع العراقيل" في وجه هيئة الحوار والوساطة، ومعلوم أنّ صالح انتقد شروط الأخيرة عندما وافقت على تأدية دور الوساطة بين الفعاليات السياسية، ثم عاد ليمتدح دورها. وقال صالح "أصوات ناعقة نواياها خبيثة باعت ضمائرها تسعى إلى عرقلة عمل هيئة الحوار. من يحاولون عرقلة الحوار، يروّجون لفكرة التفاوض بدل الحوار والتعيين بدل الانتخاب، فمحاولة فرض أجندات معدة مسبقاً على الرئيس المقبل، إجراء غير مقبول. أما المنطق، فيفرض الشروع في التحضير للانتخابات خلال الأسابيع القليلة المقبلة".
ويعتقد المحلل السياسي عبد الرحمن صاغور أن خطاب صالح "واضح ولا يحتاج إلى تفسيرات كثيرة، فهو أجاب كل الأطراف سواء المساندة أو الرافضة، وأشار إلى الآليات التي تشتغل حالياً ويعني مباشرة هيئة الحوار وأيضاً العدالة، كما أن الخطاب موجه إلى الخارج الذي يحاول جزء منه التدخل بطريقة أو بأخرى في الشأن الجزائري".