ملخص
توسع رقعة الحرب في المنطقة سيقود لارتفاع أسعار النفط ونمو معدلات التضخم وتباطؤ النمو في العالم
قالت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين، إن أخطار الحرب بين إسرائيل و"حماس" مستمرة، لكن التأثير الاقتصادي العالمي لا يزال محدوداً حتى الآن.
أضافت يلين أن المسؤولين المجتمعين لحضور الاجتماع السنوي الـ30 لوزراء مالية منظمة التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ (آبيك) في سان فرانسيسكو، لم يروا بعد "تأثيراً اقتصادياً كبيراً" للصراع حتى الآن، لكنها قالت إنهم ناقشوا الأخطار المحتملة من استمرار الحرب.
وقالت يلين خلال الاجتماع الذي تستضيفه بلادها هذا العام، بحسب ما أورده موقع الخزانة الأميركية، "كانت هناك وجهة نظر مشتركة بقوة مفادها أنه من المهم لنا جميعاً أن نعمل، وأن نفعل كل ما في وسعنا لاحتواء الصراع بين إسرائيل وحماس حتى لا يتحول إلى صراع إقليمي أوسع نطاقاً".
وأكدت أهمية منطقة آسيا والمحيط الهادئ كونها تقع في مركز الاقتصاد العالمي. وأشارت إلى أن أعضاء (آبيك) يمثلون بعضاً من أسرع الاقتصادات نمواً وأكثرها ديناميكية في العالم، مما يؤدي إلى دفع النمو والابتكار، قائلة إن الإجراءات التي سيتم اتخاذها خلال هذه الاجتماعات تعتبر مهمه للتصدي للتحديات العالمية التي يواجهها العالم.
3 سيناريوهات لتداعيات الحرب على النمو العالمي
يمكن للصراع في الشرق الأوسط أن يرسل هزات عبر العالم لأن المنطقة مورد حيوي للطاقة وممر شحن رئيس، واليوم يبدو الاقتصاد العالمي اليوم ضعيفاً، فلا يزال يتعافى من نوبة التضخم التي تفاقمت بسبب الحرب الروسية في أوكرانيا العام الماضي، ومن الممكن أن تؤدي حرب أخرى في منطقة منتجة للطاقة إلى إشعال التضخم من جديد، وقد تمتد العواقب الأوسع نطاقاً من تجدد الاضطرابات في العالم العربي، إلى الانتخابات الرئاسية في العام المقبل في الولايات المتحدة، إذ تشكل أسعار البنزين أهمية بالغة في تعزيز معنويات الناخبين.
وقامت "بلومبيرغ إيكونوميكس" بدراسة التأثير المحتمل على النمو العالمي والتضخم في ظل ثلاثة سيناريوهات، وفي الحالة الأولى، تظل الأعمال العدائية محصورة إلى حد كبير في غزة وإسرائيل، بينما في الحالة الثانية، يمتد الصراع إلى الدول المجاورة مثل لبنان وسوريا التي تستضيف ميليشيات تدعمها طهران مما يحوله بشكل أساس إلى حرب بالوكالة بين إسرائيل وإيران، أما الحالة الثالثة حين ينطوي الصراع إلى تبادل عسكري مباشر بين الأعداء الإقليميين.
وفي كل هذه الحالات، كان الاتجاه هو نفسه، ارتفاع أسعار النفط، ومعدلات التضخم، وتباطؤ النمو، ولكن بحجم متباين، وكلما اتسع نطاق الصراع، أصبح تأثيره عالمياً وليس إقليمياً.
وبطبيعة الحال، فإن النطاق الفعلي للأخطار والاحتمالات أوسع وأكثر تعقيداً مما تستطيع هذه السيناريوهات التقاطه، وحتى السلاسل الاقتصادية الضيقة القائمة على السبب والنتيجة ثبت أنه من الصعب التنبؤ بها وسط التقلبات التي شهدتها السنوات الأخيرة، وأصبح التنبؤ بالحروب أصعب بكثير، ومع ذلك، فإن السيناريوهات التي رسمتها "بلومبيرغ إيكونوميكس" ينبغي أن تساعد في الأقل في صياغة التفكير في شأن المسارات المحتملة المقبلة.
تداعيات على النمو والتضخم في منطقة اليورو
ووفقاً لتقرير بنك "غولدمان ساكس" من الممكن أن يكون للحرب بين إسرائيل و"حماس" تأثير كبير على النمو الاقتصادي والتضخم في منطقة اليورو ما لم يتم احتواء ضغوط أسعار الطاقة، فيما أبرزت محللة الاقتصاد الأوروبي كاتيا فاشكينسكايا في مذكرة بحثية صدرت في مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، أن الأعمال العدائية المستمرة يمكن أن تؤثر في الاقتصادات الأوروبية من خلال خفض التجارة الإقليمية، وتشديد الظروف المالية، وارتفاع أسعار الطاقة وخفض ثقة المستهلك.
وتتزايد المخاوف بين خبراء الاقتصاد من احتمالات امتداد الصراع ليشمل منطقة الشرق الأوسط، مع تبادل الصواريخ بين إسرائيل ولبنان مع استمرار الأولى في قصف غزة، وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى سقوط أعداد كبيرة من الضحايا بين المدنيين وتفاقم الأزمة الإنسانية.
وعلى رغم أن التوترات يمكن أن تؤثر في النشاط الاقتصادي الأوروبي من خلال خفض التجارة مع الشرق الأوسط، فإن فاشكينسكايا سلطت الضوء على أن تعرض القارة محدود، بالنظر إلى أن منطقة اليورو تصدر نحو 0.4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي إلى إسرائيل وجيرانها، في حين أن التعرض التجاري البريطاني أقل 0.2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
وأشارت إلى أن الظروف المالية الأكثر صرامة يمكن أن تؤثر في النمو وتؤدي إلى تفاقم السحب الحالي على النشاط الاقتصادي من ارتفاع أسعار الفائدة في كل من منطقة اليورو والمملكة المتحدة. ومع ذلك، لا يرى بنك "غولدمان ساكس" نمطاً واضحاً بين الظروف المالية ونوبات التوتر السابقة في الشرق الأوسط.
وقالت فاشكينسكايا، إن الطريقة الأكثر أهمية، التي قد يكون لها تأثير ويمكن أن تمتد بها التوترات إلى الاقتصاد الأوروبي هي من خلال أسواق النفط والغاز.
وأضافت "منذ اندلاع الصراع الحالي، شهدت أسواق السلع الأساس تقلبات متزايدة، مع ارتفاع أسعار خام برنت والغاز الطبيعي الأوروبي بنحو تسعة في المئة و34 في المئة عند الذروة على التوالي".
وقام فريق السلع في "غولدمان ساكس" بتقييم مجموعة من السيناريوهات السلبية التي يمكن أن ترتفع فيها أسعار النفط بنسبة تراوح بين خمسة و20 في المئة فوق خط الأساس، اعتماداً على شدة صدمة إمدادات النفط.
وقالت فاشكينسكايا، "عادة ما تؤدي الزيادة المستمرة في أسعار النفط بنسبة 10 في المئة إلى خفض الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لمنطقة اليورو بنحو 0.2 في المئة بعد عام واحد وتعزز أسعار المستهلكين بنحو 0.3 نقطة مئوية خلال هذا الوقت، مع ملاحظة تأثيرات مماثلة في المملكة المتحدة".
وترى أن تطورات أسعار الغاز تمثل تحدياً أكثر حدة، إذ إن زيادة الأسعار مدفوعة بخفض الصادرات العالمية للغاز الطبيعي المسال من حقول الغاز الإسرائيلية وسوق الغاز الحالية أقل قدرة على الاستجابة لصدمات العرض السلبية.
500 مليار دولار من الإنتاج المفقود في أميركا
ويتفق المحللون اليوم على أن الاقتصاد العالمي يواجه قدراً هائلاً من عدم اليقين بسبب الحرب بين "حماس" وإسرائيل في الشرق الأوسط، فضلاً عن الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، إذ إن هذه الصراعات لا تهدد المناطق التي تتكشف فيها فحسب، بل وربما تؤدي أيضاً إلى تآكل الترابط الضعيف الذي لا يزال قائماً بين أكبر الاقتصادات في العالم.
وأخيراً، اتخذ الاقتصاديون في شركة الخدمات المالية الأميركية العملاقة "ويلز فارغو" موقفاً هبوطياً، فوفقاً لهم، انتهى عصر العولمة، وإضافة إلى ارتفاع القيود التجارية "الضارة"، أشارت الشركة إلى خفض حاد في تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر في جميع أنحاء العالم.
وحذر رئيس "الاحتياط الفيدرالي" جيروم باول، الشهر الماضي، مستشهداً بالحرب في إسرائيل وغزة، من أن "التوترات الجيوسياسية مرتفعة للغاية وتشكل أخطار كبيرة على النشاط الاقتصادي العالمي".
وقال كبير الاقتصاديين في شركة الاستشارات "إيرنست ويونغ"، داكو، لشبكة "إي بي سي نيوز الأميركية"، إنه إذا توسعت الحرب إلى حد التدخل المباشر من إيران والولايات المتحدة، فإنها ستؤدي إلى عواقب اقتصادية عالمية "وخيمة"، مما يؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط إلى أكثر من 150 دولاراً للبرميل وتباطؤ النشاط الاقتصادي إذ يواجه المستهلكون والشركات ارتفاع الأسعار.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال داكو، إن مثل هذه النتيجة يمكن أن تقلل من نمو الناتج المحلي الإجمالي المعدل بحسب التضخم في الولايات المتحدة على مدى عام بنسبة 1.2 في المئة، وهو ما يصل إلى 500 مليار دولار من الإنتاج المفقود.
وأضاف أنه في وقت تواجه فيه الولايات المتحدة ارتفاعاً مستمراً في التضخم وارتفاعاً شبه تاريخي في أسعار الفائدة، فإن الضعف الاقتصادي يعرض البلاد لخطر الركود الناجم عن الحرب بين إسرائيل و"حماس".
واستطرد داكو أنه في وقت يواجه فيه الاقتصاد الأميركي الصعوبات الحالية، فإن "أي شكل من أشكال الصدمة يمكن أن يكون له تأثير أكبر على الاقتصاد والمستهلكين".
سيناريوهات التعطيل النفطي للبنك الدولي
وحذر البنك الدولي في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أنه في حال اتسع نطاق الصراع، فإن أسعار النفط قد ترتفع بنسبة 56 في المئة إلى 75 في المئة في البداية إلى ما بين 140 و157 دولاراً للبرميل.
وقدم البنك تقييماً أولياً للآثار المحتملة للصراع على أسواق السلع الأساس على المدى القريب، إذ يرى أن التأثيرات يجب أن تكون محدودة إذا لم يتسع الصراع. وبموجب توقعات البنك، من المرجح أن يبلغ متوسط أسعار النفط 90 دولاراً للبرميل في الربع الأخير من العام الحالي قبل أن ينخفض إلى متوسط 81 دولاراً للبرميل العام المقبل مع تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي.
ومن المتوقع أن تنخفض أسعار السلع بشكل عام بنسبة 4.1 في المئة العام المقبل، ومن المتوقع أيضاً أن تنخفض أسعار السلع الزراعية العام المقبل مع ارتفاع الإمدادات، وأن تتراجع أسعار المعادن الأساس بنسبة خمسة في المئة في عام 2024، وأن تستقر أسعار السلع الأساس في عام 2025.
وكانت تأثيرات الصراع على أسواق السلع العالمية محدودة حتى الآن، وارتفعت أسعار النفط بشكل عام بنحو ستة في المئة منذ بداية الصراع، فيما لم تتحرك أسعار السلع الزراعية ومعظم المعادن والسلع الأساسية الأخرى إلا بالكاد.
ويقول البنك الدولي، إنه في سيناريو "التعطيل المتوسط" -أي ما يعادل تقريباً حرب العراق في عام 2003- سيتم تقليص إمدادات النفط العالمية بمقدار ثلاثة إلى خمسة ملايين برميل يومياً، وهذا من شأنه أن يدفع أسعار النفط إلى الارتفاع بنسبة 21 إلى 35 في المئة في البداية، إلى ما بين 109 دولارات و121 دولاراً للبرميل. أما في سيناريو "الاضطراب الكبير" -المشابه للحظر النفطي العربي في عام 1973- ستنكمش إمدادات النفط العالمية بمقدار ستة إلى ثمانية ملايين برميل يومياً، وهذا من شأنه أن يدفع الأسعار للارتفاع بنسبة 56 في المئة إلى 75 في المئة في البداية، إلى ما يتراوح بين 140 و157 دولاراً للبرميل.