يملي التقدم الميداني الأخير لقوات النظام في شمال غربي سوريا، على روسيا وتركيا إعادة هندسة تفاهماتهما بشأن إدلب، وفق محللين، من دون أن يغيّر ذلك من حرصهما على الحفاظ على علاقات استراتيجية، على خلفية مصالح تتخطى الشأن السوري.
ويحضر ملف إدلب في صلب محادثات تستضيفها موسكو اليوم الثلاثاء بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين حليف دمشق، والتركي رجب طيب إردوغان الداعم لفصائل معارضة.
ويعد الطرفان عرابي اتفاق سوتشي الذي توصلا إليه في سبتمبر (أيلول) الماضي ونصّ على إقامة منطقة منزوعة السلاح في إدلب ومحيطها، ولم يُستكمل تنفيذه.
وبعد أشهر من القصف الكثيف بدعم روسي على مناطق عدة في إدلب ومحيطها، تسيطر عليها هيئة تحرير الشام (النصرة سابقاً) وتنتشر فيها فصائل أخرى، بدأت قوات النظام في الثامن من الشهر الحالي (أغسطس) هجوماً ميدانياً. وتمكنت من التقدم في جنوب إدلب وريف حماة الشمالي المجاور، حيث طوقت الجمعة نقطة مراقبة تركية موجودة في المنطقة بموجب الاتفاقات التركية الروسية.
ويقول المحلل في مؤسسة أبحاث السياسات الاقتصادية التركية نهاد علي أوزجان لوكالة الصحافة الفرنسية إن "موقف تركيا في الوقت الراهن ضعيف للغاية".
وتعرض رتل تعزيزات عسكرية أرسلته أنقرة مطلع الأسبوع الماضي، إلى جنوب إدلب لقصف جوي سوري طال سيارة كانت ترافقه وتتبع لفصيل سوري موال لأنقرة. ولم يتمكن الرتل من إكمال طريقه إلى نقطة المراقبة في مورك ولا يزال متوقفاً منذ أكثر من أسبوع شمال مدينة خان شيخون.
وتنشر تركيا 12 نقطة مراقبة في إدلب ومحيطها تطبيقاً لاتفاقي خفض التصعيد الذي رعته أيضا تركيا وروسيا وسوتشي حول إدلب.
إلا أن التطورات الميدانية الأخيرة قد تفرض وفق محللين، إعادة صياغة الاتفاقات بشأن إدلب.
وتستضيف أنقرة في 16 سبتمبر (أيلول) المقبل، قمة تضم إلى إردوغان وبوتين الرئيس الإيراني حسن روحاني لبحث الوضع في سوريا، في قمة هي الخامسة من نوعها بين الرؤساء الثلاثة.
ويلعب الطرفان مع إيران، حليفة دمشق، دوراً بارزاً في النزاع السوري المستمر منذ أكثر من ثماني سنوات.
ويوضح أوزكان أنّ "بوتين والأسد في موقع قوة بمواجهة تركيا، ويريدان الذهاب إلى الاجتماع لمناقشة خريطة جديدة".
ويقول الباحث في مركز تحليل النزاعات في الشرق الأوسط ألكسندر شوميلين لوكالة الصحافة الفرنسية في موسكو "من دون شك، تعقّد إدلب العلاقات بين موسكو وتركيا، ذلك أن مصالحهما تختلف".
ويوضح "هذا ما كان عليه الحال سابقاً، لكنهم نجحوا في إيجاد تفاهمات، أما اليوم فقد تقلّص هامش المناورة أكثر".
ويبدو أن الجهود الدبلوماسية تجد طريقها مجدداً للحدّ من التصعيد مع إدراك كل من تركيا وروسيا بأن لا بديل عن خيار التفاوض.
في المقابل، يقول الباحث في مركز "سنتشوري فاونديشن" الأميركي أرون لوند إن المفاوضات بين روسيا وتركيا ضرورية اليوم للتوصل إلى "حل في إدلب".
ويرى أن بإمكانهما التفاوض حول "اتفاق يوقف المعارك ويرسم حدودا جغرافية جديدة مع شروط جديدة لوقف إطلاق النار".
في الميدان، بدأت القوات الحكومية السورية عملياً رسم هذه الحدود، مع سيطرتها على مدينة خان شيخون الواقعة على طريق حلب دمشق. وتحاول حالياً التقدم باتجاه معرة النعمان شمالاً الواقعة على الطريق ذاته.
إلأ أن موسكو، وفق لوند، "تريد التأثير على تركيا في مواضيع أخرى كثيرة"، مشيراً على وجه الخصوص إلى "علاقات تركيا مع حلف شمال الأطلسي، أو قضايا تجارية".
ويوضح أوزجان أن "العلاقات بين أردوغان وبوتين تتخطى إدلب. هناك علاقات اقتصادية، بينها اس-400"، لافتاً أن "الطرفين لا يثقان ببعضهما البعض، ولكنهما يحافظان على علاقة سياسية" ويشكلان جبهة واحدة حين يلزم الأمر ضد "طرف ثالث هو الولايات المتحدة والغرب".
وتنعكس هذه المواجهة في شمال شرق سوريا، إذ تعتبر أنقرة المقاتلين الأكراد الذين قاتلوا تنظيم الدولة الإسلامية بدعم أميركي، "إرهابيين"، وامتداداً لحزب العمال الكردستاني الذي يخوض تمرداً ضدها منذ عقود.
وهددت أنقرة مراراً خلال الأشهر الماضية بشن هجوم جديد ضد الأكراد في سوريا، قبل أن تبرم اتفاقاً مع واشنطن نصّ على إنشاء "منطقة آمنة" بين مناطق سيطرة المقاتلين الأكراد والحدود التركية. وبدأ تنفيذه عملياً قبل أيام.
وأعلنت الإدارة الذاتية الكردية الثلاثاء أنها بدأت سحب مقاتلين أكراد تنفيذاً للاتفاق، من مناطق حدودية مع تركيا، بعد تعهدها السبت الماضي ببذل كافة الجهود لإنجاح مساعي واشنطن في هذا السياق.
ويقول لوند إن تركيا قد تحتاج إلى "دعم روسي للتعامل مع التواجد الأميركي والمقاتلين الأكراد في شمال شرقي سوريا.