Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قمة بياريتس: إدارة الأزمات في عالم متغير إلى الوراء

هي الـ45 في سلسلة القمم التي بدأت عام 1975 بمبادرة من الرئيس الفرنسي فاليري جيسكار ديستان

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال مؤتمر صحافي مشترك في 26 أغسطس 2019 في بياريتس جنوب غربي فرنسا (أ.ف.ب)

ملف "أوتوقراطية الآن" في مجلة "فورين أفيرز" تزامن مع قمة "النادي الديمقراطي"، الذي يضمّ الدول الصناعية المتقدمة السبع.

المجلة الأميركية النافذة قدّمت للملف بمختصر تاريخ التحولات في القرن الـ20 وبداية القرن الـ21، "الديمقراطيون في العشرينيات، الديكتاتوريون في الثلاثينيات والأربعينيات، الوطنيون ضد الكولونيالية في الخمسينيات والستينيات، حكم الشيوخ في السبعينيات، الديمقراطيون من جديد في الثمانينيات، والآن عودة إلى الديكتاتوريين". والقمة التي ظهرت في بعض دولها نزعات أوتوقراطية، انشغلت بالصراعات والتحديات مع دول أوتوقراطية، وبأزمات النظام الرأسمالي والخلافات بين دوله، كما بالملف النووي مع نظام ثيوقراطي في إيران.

"فتّش عن فرنسا"

قمة بياريتس التي استضافها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هي الـ45 في سلسلة القمم التي بدأت عام 1975 بمبادرة من الرئيس الفرنسي فاليري جيسكار ديستان. وكما قال نابليون "فتّش عن المرأة"، يمكن القول "فتّش عن فرنسا". ففي أوروبا والعالم دور يبحث عن بطل. والظروف التي سهّلت حيناً وعاكست أحياناً المرشح الفرنسي الدائم للدور، حتى أيام شخصية تاريخية مثل الجنرال ديغول، وشخصية خبيرة مثل الرئيس فرانسوا ميتران، تبدو هذه الأيام مشجعة لماكرون، "الرئيس الأميركي دونالد ترمب في حرب مع الحلفاء والخصوم. ألمانيا تقترب من نهاية حقبة المستشارة القوية أنغيلا ميركل. بريطانيا على باب الخروج من الاتحاد الأوروبي ومبتلاة بشعبوي ديماغوجي يجلس على مقعد تشرشل وتاتشر اسمه بوريس جونسون. إيطاليا في أزمات سياسية واقتصاديّة، أحدثها أزمة إسقاط الحكومة بسبب طموح وزير الداخلية ماتيو سالڤيني. كندا متواضعة. واليابان محكومة بهمومها الكورية والصينية والروسية وخوف العالم من استعادة قوتها".

ماكرون الذي تمكن خلال مدة قصيرة من تجاوز أحزاب اليمين والوسط واليسار للوصول إلى الرئاسة، غني بالأفكار ومغرم بأدوار الوساطة، لكن ما ينقصه هو القدرة والوزن. فهو يرى "أن النظام الدولي بحاجة إلى إعادة بناء"، ويطرح مشاريع لـ"إعادة هندسة أوروبا".

اللعبة مفتوحة

عرض الوساطة في الحرب التجارية بين أميركا والصين، فأغضب ترمب. استضاف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في "حصن بريغونسون"، منتجعه الصيفي، عشية القمة التي أخرجت روسيا من عضويتها بعد ضمّ القرم، وعجز عن إقناعه بوقف العنف في إدلب. وكان ولا يزال يسعى إلى التوسط بين أميركا وإيران بعد خروج واشنطن من الاتفاق النووي وحرص أوروبا على التمسك به، إذ استقبل وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في باريس وحاول التوصل إلى موقف موحد من إيران في القمة، بحيث دعا ظريف للقدوم إلى بياريتس. واللعبة مفتوحة، بين أميركا وإيران على اجتماع ترمب- روحاني. فالجنرال ديغول كان يقول إن "فرنسا ليست دولة عظمى لا عسكرياً ولا سياسياً، ولذلك يجب أن تكون لها سياسة عظمى". لكن الوساطات، مهما تكون مفيدة في تبريد الأزمات، ليست سياسة عظمى.

ومن الصعب على القمة تحقيق العنوان الذي وضعته لدورتها الحالية "مكافحة انعدام المساواة". فالفوارق في الدخل وتوزيع الثروة تزداد، بدلا من أن تنقص في أميركا وأوروبا. ودعوة ممثلي المجتمع المدني وبعض الأعضاء في "نادي الحكام الأغنياء" في الدول الفقيرة إلى بياريتس، هي مجرد مجاملة من "نادي الدول الغنية"، فضلاً عن أن التحدي الكبير لهذا النادي يأتي من دولة غنية أوتوقراطية يحكمها حزب شيوعي، وأخذت المرتبة العالمية الثانية في الدخل القومي بعد أميركا، دافعة اليابان إلى المرتبة الثالثة، وهي الصين.

الحرب الباردة

ففي العقود التي سبقت انهيار الاتحاد السوفييتي، كانت القمم تدير الصراع بين الرأسمالية والاشتراكية ضمن الحرب الباردة بين الجبارين. وفي المرحلة الحالية، فإن الهم الكبير في القمم هو إدارة أزمات الرأسمالية والخلافات بين أعضاء النادي حول البيئة والانحباس الحراري والإنفاق العسكري وموازين التجارة.

وما أكثر ما تغير في العالم منذ 1975، من معاهدات الحدّ من الصواريخ النووية متوسطة وقصيرة المدى، والحد من الأسلحة الهجومية "ستارت- 3"، إلى إنهاء المعاهدات وبدء سباق التسلح مجددا. من المفاخرة في بلدان العالم الثالث بسحب القواعد العسكرية الأجنبية من أراضيها إلى الزحام على أبواب الدول الكبرى للمطالبة بإقامة قواعد عسكرية جديدة. من تزايد أعداد الدول التي اختارت المسار الديمقراطي إلى تكريس الأوتوقراطية في تركيا والمجر والبرازيل والفلبين وروسيا وبلدان أخرى كانت في بداية الطريق إلى الديمقراطية والتعددية. من تنامي العولمة ونظريات "نهاية التاريخ" و"نهاية الجغرافيا" إلى صعود العصبيات والإثنيات ومطالب الانفصال داخل الدول. ومن منظمة التجارة العالمية إلى الحروب التجارية.

صراع المصالح

ولا نهاية للمفارقات. فالقرن الـ20، الذي كان قرن الأيديولوجيات، سواء منها الكونية كالماركسية- الليننية أو القومية- التوسعية كالنازية والفاشية، ورثة القرن الـ21، الذي عاد بالبشرية إلى القرن الـ19، حيث صراع المصالح. والأزمات الاقتصادية التي صارت تأخذ الطابع العالمي، ولو بدأت في بلد واحد، تزيد في تهميش الطبقة الوسطى وإفقار الطبقة الفقيرة، وتدفع صوب التشدد الديني والتطرف اليميني والشعبوية من دون أي حظ لليسار الذي يتقلص في أوروبا، ويكاد يختفي في فرنسا التي كانت أكبر معقل له.

ولا بد من "اختراع الأمل" كما قال ألبير كامي. إذ هو حسب إميلي ديكنسون "الاستمتاع سلفاً بالمستقبل".

المزيد من آراء