ملخص
تهديدات للخصوصية وانتهاكات الحقوق والحريات الشخصية وسرقة محتملة للبيانات... ما هي أخطار تقنية التعرف إلى الوجه في حال وقعت بالأيدي الخطأ؟
يشير التفكير الأورويلي إلى أن "الأخ الأكبر يراقبك"، وهي الفكرة التي تنبأ بها الكاتب الإنجليزي جورج أورويل في روايته "1984"، والتي يراقب فيها الأخ الأكبر كل شاردة وواردة، ويحد من الحريات الفردية والشخصية تحت غطاء الحفاظ على أمن وسلامة المجتمع، وحتى من دون تحديد كيفية مراقبة الأشخاص، سواء من خلال تتبع الهواتف المحمولة أو تحديد سلوك التصفح عبر الإنترنت، فمن المنطقي تخيل المراقبة المستمرة.
وعندما يصبح المفهوم مطبقاً حرفياً في العالم الواقعي، ويعتقد الناس أن الكاميرات تراقبهم في كل مكان يذهبون إليه حتى في منازلهم، فالنتيجة ستكون تأثيراً مخيفاً على الأفراد الذين سيشعرون باختراق خصوصيتهم وعدم وجود الحرية في عيش حياتهم بالطريقة التي يريدونها.
هذا ما يحدث اليوم مع تقنية التعرف إلى الوجه، إذ يمكن للأفراد استخدام هذه التقنية لفتح هواتفهم الذكية والوصول إلى حساباتهم المصرفية وتفويض الإذن بدفع المستحقات المالية وأنشطة أخرى عبر الإنترنت، وتلجأ الشركات والمنظمات للاستعانة بهذه الأنظمة الذكية في إدارة صلاحيات الدخول إلى المرافق ومراقبة الحشود وغيرها، كما تستخدمها الحكومات في تتبع الخارجين عن القانون والمجرمين وضبط أمن الحدود وكذلك في التحقيقات الجنائية.
لكن مع الوقت تتعدد استخدامات هذه الأنظمة ويجري تطويرها باستمرار، وهذا يجعل كثيرين يطرحون إشارات استفهام حول أخطارها وبخاصة عند وقوعها في الأيدي الخطأ ما يهدد الخصوصية وينتهك الحقوق والحريات الشخصية وسرقة البيانات المحتملة، فيما تعلو أصوات علمية وحقوقية كمنظمة العفو الدولية للتوقف عن استعمال هذه التقنية.
هيكل الوجه
يعتمد هذا النظام على فحص سمات الوجه للتعرف إلى مكونات هيكله، فالمسافات بين مكونات الوجه (العينين والأنف والفم) فريدة ودقيقة وفرصة تكرارها في شخص آخر نادرة جداً، ويرسم جهاز التعرف إلى سمات الوجه خريطة لوجه الشخص ويحفظها بكامل تفصيلاتها ضمن قاعدة بيانات النظام، وعند إجراء عملية المسح يجري البحث عن أقرب مضاهاة للوجه المراد التعرف إليه.
يوجد أكثر من 80 نقطة في بنية الوجه يمكن استخدامها في تحديد الوجه بشكل لا لبس فيه، ولا تستخدم التقنية كل هذه النقاط عادة، لكنها تحلل عدداً صغيراً منها، من خلال تحليل مسافات التباعد بين مجموعة محددة من تلك النقاط، ومن أشهر هذه العقد التي يمكن قياسها باستخدام البرامج (المسافة بين العينين وعرض الأنف وعمق العين وشكل عظام الخد وطول الفك)، وتترجم إلى شيفرات رقمية تسمى بصمة الوجه وتستخدم لتمثيل الوجه في قاعدة البيانات.
تقوم تقنية التعرف إلى الوجه باستخراج ملايين الصور من حسابات مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، ورخص قيادة السيارات من دون موافقة أصحابها، وبعد ذلك يقوم البرنامج الإلكتروني بتحليل صور الوجه التي التقطتها كاميرات الدوائر التلفزيونية المغلقة أو غيرها من أنظمة المراقبة بالفيديو بحثاً عن أي تطابق محتمل بين هذه الصور والصورة المستخرجة المحفوظة في قاعدة البيانات في عملية تستغرق عادة أقل من ثانية.
خطر التسهيل
ترى شرطة ميامي في الولايات المتحدة الأميركية أن عملية التعرف إلى الوجوه سهلت التعرف إلى المجرمين، بينما كانت عملية البحث لديها تحتاج إلى أسابيع وشهور، إلا أنه بفضل هذه التقنية يمكن التعرف إليه بدقائق أو أيام، لأنه ربما تكون للشخص صورة على مواقع التواصل الاجتماعي، ويدفع قسم شرطة ميامي للشركة الخاصة مقابل هذه الخدمة 47 ألف دولار سنوياً، في وقت تفتقد الولايات المتحدة لوجود قوانين فيدرالية تنظم عملية استخدام تقنية التعرف إلى الوجوه.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلى رغم ذلك إلا أن هناك أصواتاً علت تنبه من خطورة هذه التقنية التي أخطأت في حق عدد من الأشخاص الذين اعتقلوا وتمت معاملتهم بطريقة سيئة، وذلك بسبب أن هذه التقنية حددت أنهم هم المجرمون وصدقتها بعض الجهات الأمنية وبخاصة في أميركا.
كما تعمل الحكومة الهندية على إنشاء قاعدة بيانات مركزية على الصعيد الوطني من شأنها تمكين الجهات الحكومية من استخدام التعرف إلى الوجه لتتبع كل تحركاتك وذلك في غياب الحماية الأساسية للخصوصية والأمن والحقوق.
ولذلك أطلقت منظمة العفو الدولية في يناير (كانون الثاني) عام 2021 حملة عالمية لحظر استخدام أنظمة التعرف إلى ملامح الوجه، باعتبارها شكلاً من أشكال المراقبة الجماعية من شأنه أن يفضي إلى استفحال الممارسات العنصرية للشرطة ويهدد الحق في التظاهر.
معيقات التعرف
وعلى رغم نجاح هذه الأنظمة في بعض الأماكن إلا أنها لم تصل لدرجة الكمال بعد، وذلك لوجود بعض العوامل التي تعوق التعرف إلى الوجه، كإمكانية سرقة البيانات الحيوية، إذ قد تخترق الأجهزة الحكومية بهدف سرقة البيانات الحيوية لاستخدامها في أنشطة غير مشروعة كتلك التي تتصل بتزييف الجرائم وربطها بأشخاص أبرياء، كما تسمح هذه التقنية للسلطات الحكومية بإحكام المراقبة المباشرة على مختلف الأشخاص ما يسمح بتعقب جميع خطواتهم وتتزايد المخاوف من توظيف التقنية في عملية المراقبة الجماعية.
كل هذا يأتي في وقت تثير التقنية تساؤلات تتصل بمدى أخلاقياتها والضوابط الحاكمة لها، ومنها كيف يتم ضمان عدم إساءة استخدام تلك التقنية؟ وهل يعني استخدامها إطلاق يد الأجهزة الأمنية والوكالات الحكومية في عمليات المراقبة؟ وهل يتطلب ذلك إشرافاً مدنياً يحول دون ذلك؟
أقنعة وعنصرية
ومن سلبيات هذه التقنية، إمكانية الخداع وذلك من خلال الأقنعة المطبوعة ثلاثية الأبعاد ومستحضرات التجميل والأنسجة المصنعة للوجه بهدف خداع خوارزميات التعرف إلى الوجه وإجراء تعديلات بسيطة على الصور لخداع نظم المراقبة على نحو تعجز الخوارزميات عن اكتشافه.
كما أن التحيز العرقي يعتبر من أكثر سلبياتها بروزاً، إذ وفقاً لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، تستغرق خوارزميات أنظمة التعرف إلى الوجه الشائعة، من أمازون ومايكروسوفت وغيرهما، وقتاً في التعرف إلى ذوي البشرة الداكنة مقارنة بذوي البشرة الفاتحة، وتعمل بشكل أسوأ عند التعرف إلى وجوه الأميركيين الأفارقة مقارنة بالوجوه القوقازية.
وهذا ما أشارت إليه منظمة العفو الدولية إذ قالت إن "من شأن هذه التكنولوجيا أن تؤدي إلى تفاقم العنصرية النظامية لما لها من أثر مفرط على ذوي البشرة الملونة مقارنة بغيرهم، إلى جانب ما يتعرضون له أصلاً من التمييز وانتهاكات حقوقهم الإنسانية على أيدي الموظفين المكلفين بتنفيذ القانون، كما أن السود هم أكثر الفئات عرضة للخطأ في تحديد هوياتهم باستخدام أنظمة التعرف إلى الوجه".
ألبرت فوكس كان، المدير التنفيذي لـمشروع الإشراف على تقنية المراقبة في مركز العدالة الحضرية، قال إن "تكنولوجيا التعرف إلى الوجه هي تقنية منحازة ومعيبة ومناقضة للديمقراطية".
وذهب مات محمودي الباحث المعني بالذكاء الاصطناعي وحقوق الإنسان في منظمة العفو الدولية للقول "هناك خطر في أن تقدم أجهزة تنفيذ القانون على استخدام تكنولوجيا التعرف إلى الوجه كسلاح ضد الفئات المهمشة في مختلف بلدان العالم، فمن نيودلهي إلى نيويورك، يمكن استغلال هذه التكنولوجيا التي تقتحم خصوصية المرء فتنقلب هويته نقمة عليه، وتهدر حقوقه الإنسانية".