Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

علي عبد الله صالح (24)

"رئيس من أجل اليمن... لا يمن من أجل الرئيس"

الرئيس اليمني الراحل علي عبد الله صالح (سبأ اون لاين)

كانت حادثة القنصلية في ديسمبر (كانون الأول) عام 2004 مصدراً لتزايد قلق الإدارة الأميركية من عدم ضبط مشتريات السلاح، وعدم وجود رقابة على كيفية تخزينه وتوزيعه، إذ عُثر على بندقية كلاشينكوف ثبت من رقمها أنها مملوكة لوزارة الدفاع اليمنية.

بعدها زارني نائب السفير الأميركي السيد نبيل خوري في المكتب، وسلمني صورة تبين الرقم المسجل على البندقية، وطلب مني نقل الانزعاج الشديد، وأن البحرية الأميركية ستمنع وصول باخرة متوجهة إلى الحديدة، وعليها حمولة أسلحة مشتراة من دولة في شرق أوروبا (لا أتذكر إن كانت بلغاريا أو أوكرانيا) باسم وزارة الدفاع.

وبعد مغادرة نائب السفير اتصلت فوراً بدار الرئاسة وطلبت موعداً مع الرئيس لعرض أمر عاجل... ذهبت بعدها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بمجرد دخولي إلى (الدار) توجهت إلى حيث كان الرئيس واقفاً مع عدد من معاونيه، طلبت منه الانفراد وانتحينا جانباً، أبلغته بأن نائب السفير أبلغني عن الكلاشينكوف ورقمه، وقال "لا تصدقهم"، فـأخرجت الصورة التي أعطاني إياها نبيل خوري، ثم قلت له عن الشحنة القادمة وقرار اعتراضها قبل وصولها إلى الحديدة.

نادى صالح أحد معاونيه وطلب الاتصال بأحد تجار السلاح المعروفين (فارس مناع) والتأكد من أمر الشحنة، كان رد مناع بالإيجاب، طلب صالح أن أحضر صباح اليوم التالي مع السفير الأميركي لبحث الموضوع، وبعد خروجي من (الدار) اتصلت بالسفير وأبلغته عن الموعد.

جرى اللقاء مع السفير بحضور اثنين من معاوني الرئيس ونائب السفير السيد نبيل خوري، وكعادته، بدأ صالح الحديث بانتقاد الإدارة الأميركية وتخلفها عن الوفاء بوعودها والتزاماتها.

استمع السفير كرايجيسكي لحديث الرئيس ثم رد بتكرار المطالبة بمنع أي جهة غير وزارة الدفاع من شراء الأسلحة ومنع الوسطاء، وأكد أن الحكومة الأميركية تطالب بضبط مخازن القوات المسلحة ووضعها تحت رقابة صارمة يمكن التحقق منها.

أعاد الرئيس التأكيد أنه سيصدر أوامره بمنع عقد أي صفقات خارج التعاقدات بين الدولة والشركات المصنعة، وأمر أحد الحاضرين بطباعة أمر تنفيذي إلى وزير الدفاع بوقف أي عقود شراء جارية ومستقبلية عبر وسطاء، ووقعه وعرضه على السفير الأميركي الذي طلب الحصول على نسخة منه إلا أن صالح ضحك واحتفظ بالورقة معه.

انتهى اللقاء وغادر السفير وبقيت مع صالح لدقائق أظهر فيها ارتياحه من تجاور أزمة متجددة مع واشنطن، لكنها كانت إضافة جديدة إلى اعتقاده بأنني أعطي الأميركيين الرسائل التي توجه إليه.

فوجئت عند مراجعتي لما نشرته ويكيليكس عن فترة عملي وكيلاً لوزارة الخارجية، فوجدت الكثير من القضايا التي كنت أبحثها بحكم موقعي مع الدبلوماسيين الأميركيين، وهي معلومات لم تكن سرية في كل الأحوال لأنني لم أكن في موقع يتيح لي الاقتراب من القضايا الأمنية، بل كنت أقرب إلى الحديث عن مكامن الخلل الذي ما زلت أعتقد أن الرسائل الأميركية سيكون لها أثر أكبر في تصحيحها، وكنت أنا أتحدث عنها علانية، لكن أجهزة الأمن بطبيعة تفكير القائمين عليها كانت تفسر الأمر بسوء نية على أنه تحريض ضد النظام لأن نظرتها لمهمة الدبلوماسي أنه مكلف بتزيين الواقع والتغطية على أخطائه، وتعتبر أن مهمتها الحرص على إخفاء الواقع.

كان تعاملي المنفتح مع الدبلوماسيين الغربيين والتزامي الأخلاقي بصداقاتي مع العديد من الإعلاميين والساسة المعارضين، مبررين كافيين لقرار الرئيس الراحل بتعييني سفيراً في الهند، وواقع الحال أنني لم أكن سعيداً بالقرار، ليس استهانة بدولة عظيمة كالهند، ولكن لأنه لم يكن رغبة في تحسين العلاقات معها وإنما اختيار لمكان يصعب معه العودة إلى اليمن بسهولة.

وصحيح أن كندا كانت أبعد جغرافياً، لكن إقامتي في صنعاء أتاحت لي بناء علاقات إنسانية وتعامل لصيق مع الشأن السياسي الداخلي والتعرف إلى الكثير من التفاصيل عن كيفية إدارة المؤسسات والتعامل مع القضايا العامة.

مرت الأشهر الأولى في الهند في عمل رسمي روتيني، إذ لم يكن في العلاقات السياسية ما يكدرها، وكانت الروابط التجارية المكثفة تجري بالتواصل المباشر بين الشركات ويقتصر عمل السفارة على متابعة قضايا المغتربين بالتعاون مع القنصلية في مومباي حيث الجزء الأكبر من الزوار اليمنيين، وكذلك التعاون مع الملحقية الثقافية المستقلة إدارياً ومالياً عن السفارة عدا الحالات التي يضطر معها رئيس البعثة لاستخدام كامل صلاحياته لتصويب الأمور.

بقيت في الهند أتابع مسار الانتخابات الرئاسية المقررة في سبتمبر (أيلول) عام 2006، وكان اللقاء المشترك قد حسم أمره بترشيح الراحل المهندس فيصل بن شملان، وهو من أعظم وأنزه الشخصيات السياسية والإدارية في تاريخ اليمن جنوباً وشمالاً.

وكان قد قدم استقالته من مجلس النواب احتجاجاً على التمديد الذي منحه المجلس لنفسه واستمر بموجبه حتى اليوم، منبهاً إلى أن المواطنين اختاروه لأربعة أعوام فقط ولم يقبل أخلاقياً الاستمرار في موقعه كما فعل بقية زملائه، رافضاً انتهاك الدستور والحنث بالقسم الذي أداه بعد انتخابه.

كانت أحزاب المعارضة تخشى تعرض فيصل بن شملان للاغتيال، فقامت بترشيح إحدى قيادات حزب الإصلاح الأستاذ فتحي العزب احتياطاً، وفي الوقت نفسه، كان الرئيس صالح قلقاً من انسحاب مفاجئ لبن شملان والعزب، فجرى دعم ترشيح الأستاذين أحمد عبدالله المجيدي وياسين عبده سعيد لأن القانون يستوجب وجود أكثر من مرشح لمنح الانتخابات الشرعية الدستورية، وهكذا صار في المشهد خمسة مرشحين، لم يتابع الناخبون إلا اسمين منهما فقط.

بعد الإعلان عن أسماء المرشحين، اتصلت بالراحل الدكتور فرج بن غانم (كان حينها مندوباً لليمن لدى المقر الأوروبي للأمم المتحدة بجنيف وسفيراً لدى الاتحاد السويسري)، وسألته عن موقفه من ترشيح فيصل بن شملان، وكان رده بأنه يخشى كثيراً على صحة رفيق عمره من الإرهاق الذي ستستدعيه الحملة الانتخابية، وذكر أن عدداً من قادة المعارضة اتصل به قبل بن شملان لكنه اعتذر لأسباب صحية.

ثم جاء لافتاً وإن لم يكن مفاجئاً، التصريح الذي أطلقه الشيخ الراحل عبدالله بن حسين الأحمر بأنه سيدعم الرئيس صالح، مبرراً ذلك بالقول "جني تعرفه ولا أنسي ما تعرفه"، مثيراً تساؤلات كثيرة عن موقفه تجاه ترشيح الحزب الذي يترأسه، وهو موقف يعبر عن طبيعة العلاقات بين الرئيس والشيخ، وظلت تلقي بظلالها على السياسة اليمنية طيلة فترة حكم صالح.

اتسمت الحملة الانتخابية من طرف المؤتمر الشعبي العام بالتجريح الشديد ضد الراحل بن شملان بلغت حد اتهامه بأنه مجرد مرشح مستـأجر من المعارضة، ويتذكر كل من تابع تلك المرحلة بأن الرجل كان عفّ اللسان ورفع شعاراً انتخابياً بارعاً "رئيس من أجل اليمن، لا يمن من أجل الرئيس"، وركز في حملته على الارتقاء بالبلد اقتصادياً وإدارياً ومكافحة الفساد.

(للحديث بقية).

اقرأ المزيد

المزيد من آراء