Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الانتخابات البرلمانية في بولندا وتعقيدات النتائج

الحزب الحاكم في المقدمة لكن المعارضة لديها فرصة لتشكيل الحكومة

فاز الحزب الوطني المحافظ "القانون والعدالة" بنسبة 35.38 في المئة في الانتخابات النيابية البولندية (أ ف ب)

ملخص

قال زعيم الائتلاف المدني رئيس الوزراء السابق ورئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك، إن حقبة جديدة بدأت لبلاده، وإنه ينوي استعادة العلاقات مع الاتحاد الأوروبي التي أصبحت متوترة

أسفرت نتائج الانتخابات البرلمانية التي أجريت في بولندا يوم الأحد الماضي، عن غير ما توقع أنصار الحزب الحاكم. فقد كشفت صناديق الانتخاب عن عودة "بولندا الليبرالية"، وأن القوى المؤيدة لأوروبا لديها فرصة حقيقية للاستيلاء على السلطة. وهذه أخبار جيدة للاتحاد الأوروبي وألمانيا وأوكرانيا بكل ما لهذه الأطراف من مصالح. لكن ذلك ليس القول الفصل. فقد فاز الحزب الوطني المحافظ "القانون والعدالة" بنسبة 35.38 في المئة، بعد أن حكم لدورتين متتاليتين منذ عام 2015، لكنه لم يحقق الغالبية البرلمانية. وذلك يشير إلى احتمالات تشكيل حكومة لكتلة المعارضة "التحالف المدني" الذي حصل على نسبة 30.38 في المئة، بزعامة دونالد توسك، رئيس وزراء بولندا السابق والرئيس السابق للمجلس الأوروبي (رئيس الاتحاد الأوروبي).

وذلك واقع مغاير لما جاءت به الانتخابات المماثلة التي أجريت في سلوفاكيا في 30 سبتمبر (أيلول) الماضي، وفاز فيها روبرت فيتسو، الذي نجح أخيراً في تشكيل الائتلاف الحاكم في سلوفاكيا من الأحزاب الثلاثة (الاتجاه- الديمقراطي الاجتماعي، وسلوفاكيا التقدمية، الصوت – الديمقراطي الاجتماعي). فالمؤشرات تقول إن الجوهر والمعنى يقفان على طرفي نقيض مما يمكن أن يعنيه تشكيل الائتلاف الحكومي البولندي، الذي يهدف وعلى عكس ما يسعي إليه التحالف بين الأحزاب السلوفاكية الثلاثة، لإعادة بولندا إلى أحضان الاتحاد الأوروبي وسياساته التي سبق ووقف منها الحزب البولندي الحاكم موقفاً معارضاً، يقترب في جوهره من تلك المواقف التي اتخذتها المجر، وهو ما كتبت عنه "اندبندنت عربية" في تقرير سابق لها من موسكو.

احتمالات حكومة جديدة

وعلى رغم حصول حزب الغالبية الحاكم "القانون والعدالة" على غالبية أصوات الناخبين (35.38 في المئة)، فإن هذه الأصوات لم تحسم المعركة الانتخابية في بولندا. ذلك لأن النتيجة ليست كافية للحصول على غالبية مقاعد مجلس "السيم" البولندي (البرلمان)، كما أن النتيجة المشتركة لأحزاب المعارضة الثلاثة التي تدخل البرلمان "التحالف المدني" (30.38 في المئة)، والطريق الثالث (14.4 في المئة)، واليسار (8.61 في المئة)، تسمح لهذه الأحزاب بالمطالبة بتشكيل ائتلاف حاكم، حيث فاز الائتلاف بأكثر من نصف مقاعد عدد النواب بما يسمح له بتشكيل الحكومة برئاسة دونالد توسك المعروف بميوله الأوروبية.

ومن المنتظر أنه ووفقاً للدستور البولندي، في الاجتماع الأول لمجلس السيم الجديد، الذي سيعقد في موعد لا يتجاوز 14 نوفمبر (تشرين الثاني)، ستستقيل الحكومة الحالية برئاسة ماتيوس مورافيتسكي. وثمة من يتوقع في غضون الأيام الـ14 المقبلة، أن يعين رئيس الدولة أندريه دودا، وبعد مشاورات مع السياسيين، رئيس حكومة جديداً وتشكيلاً مغايراً لهذه الحكومة. ثم يلقي رئيس الحكومة المحتمل خطاباً في البرلمان، ويطلب من النواب التعبير عن الثقة فيه، ويصبح في حاجة إلى الحصول على غالبية أصوات البرلمان، للموافقة على هذه الحكومة. أما عن الحكومة الجديدة فمن المنتظر تشكيلها من الأحزاب الثلاثة المعارضة التي حصلت على أصوات تسمح لها بتشكيل الائتلاف الحاكم، وبما "يحدد سياسات بولندا خلال السنوات الأربع المقبلة، وبما قد يعتبر انتصاراً للديمقراطية ودليلاً على الملل الذي أصاب الجماهير من "الخطاب القومي الشعبوي"، و"الصراعات الداخلية المستمرة"، على حد قول أنصار الائتلاف. وكان الحزب الحاكم "القانون والعدالة" فاز خلال الفترة الماضية بدورتين متتاليتين. ولذا فمن الأرجح، أن تشكل هذه الأحزاب الثلاثة بقيادة دونالد توسك، زعيم التحالف المدني والرئيس السابق للمجلس الأوروبي، الحكومة الجديدة، وتحدد سياسة بولندا للسنوات الأربع المقبلة.

دونالد توسك وحلفاؤه

وكانت العلاقات بين بولندا مع الاتحاد الأوروبي خلال الفترة الماضية قد تدهورت لأسباب، منها ما يعود إلى ما اتخذته القيادة البولندية الحالية من قرارات تتعلق بحظر استيراد الحبوب الأوكرانية، إلى جانب تجميد المساعدات العسكرية الى أوكرانيا، وهو ما بررته في حينه بإعلاء المصالح الوطنية الذاتية.

وقال زعيم الائتلاف المدني رئيس الوزراء السابق ورئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك، إن حقبة جديدة بدأت لبلاده، وإنه ينوي استعادة العلاقات مع الاتحاد الأوروبي التي أصبحت متوترة. وأضاف أن "هذه نهاية الأوقات السيئة، نهاية حكم حزب القانون والعدالة. لقد أبعدناهم عن السلطة. وسنقوم، بالتعاون مع شركائنا، بتشكيل حكومة ديمقراطية جديدة، وجيدة في المستقبل القريب. لقد فازت بولندا!". ويتفق معه أيضاً زعماء أحزاب المعارضة الأخرى. يقول فلاديسلاف كوسينياك كاميش، أحد رؤساء كتلة الطريق الثالث: "هذا يوم تغيير عظيم في بولندا". وقالت أغاتا ديدوسكو زيجليوسكا من حزب "اليسار الجديد": إن ائتلاف المعارضة هو الذي سيقود الحكومة. وأوضح السياسي أن "هذه أخبار رائعة لأنها تعني أنه يمكننا البدء في إعادة بناء كل ما تم تدميره خلال السنوات الثماني الماضية: الصحة والتعليم وقضايا حقوق الإنسان ومشكلات الإسكان".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

فيدور لوكيانوف وروسيا

وننقل عن فيدور لوكيانوف رئيس تحرير مجلة "روسيا في السياسة العالمية"، ورئيس هيئة رئاسة مجلس السياسة الخارجية والدفاع، والمدير التنفيذي لمنتدى فالداي، ما قاله حول التغير الذي طرأ على توجهات الناخبين البولنديين واحتمالات تشكيل حكومة جديدة. قال لوكيانوف: "حزب القانون والعدالة بزعامة ياروسلاف كاتشينسكى، على رغم حصوله على أكبر عدد من الأصوات، فإنه غير قادر على تشكيل حكومة تعتمد على غالبية الأصوات في البرلمان. غالبية الأصوات في البرلمان ستكون لثلاثة أحزاب: التحالف المدني، والطريق الثالث، واليسار، ولديهم أكثر بكثير من نصف النواب". وقال فيدوروف أيضاً: "من وجهة نظر روسيا، ليس من المنطقي أن نجادل بما هو مفيد لنا، وما هو غير مربح. في بولندا، هناك إجماع واضح ولا شك فيه ضد روسيا، ودعم أوكرانيا كدولة تتعرض للهجوم من قبل روسيا. وعن الموقف من أوكرانيا، وقد أفسدت حكومة القانون والعدالة في المرحلة الأخيرة هذه العلاقات إلى حد كبير، أو على العكس من ذلك، أفسدتها أوكرانيا. كما أن هذه النتائج لا تسبب الارتياح فحسب، بل والابتهاج في بروكسل، وفي برلين، لأن توسك هو شخص أوروبي التوجهات قدر الإمكان، ومندمج في النخبة الأوروبية. أما بالنسبة لأوكرانيا، مرة أخرى، فمن المرجح أن يتحسن الجو العام، وستظل الخطوات العملية تمليها الفرص والمصالح الموضوعية. وعلى سبيل المثال، لن تذهب مشكلة الحبوب، التي كانت السبب الرئيسي للصراع بين كييف ووارسو في الشهر الماضي، إلى أي مكان، لأن المزارعين البولنديين طالبوا بحمايتهم من الإغراق وسيواصلون المطالبة بها، ومن غير المرجح أن تتمكن الحكومة من تجاهلها. من المؤثر جداً أن عدداً من المعلقين ابتهجوا بأن أوربان تُرك وحده مرة أخرى، وكان هناك خطر من التوحيد المحافظ للغاية، أو شيء من هذا القبيل، في أوروبا الشرقية، ولكن كيف ستتصرف هذه الحكومة؟ سيكون الأمر صعباً أيضاً، وسيظل ائتلافاً من الأشخاص ذوي التفكير المماثل. هذا هو السؤال التالي، لأن لا معنى للتنبؤ بأي شيء لفترة طويلة الآن".

خلص المتخصصون إلى "احتواء روسيا"

وتمت دعوة البولنديين للتعبير عن آرائهم حول عدد من القضايا. وبحسب النتائج الأولية، فإن 97 في المئة يعارضون بيع أصول الدولة لشركات أجنبية والآلية التي تفرضها أوروبا لاستقبال اللاجئين من دول الشرق الأوسط وأفريقيا، و95 في المئة يعارضون رفع سن التقاعد إلى 67 سنة، و96 في المئة يعارضون فتح الحدود مع بيلاروس. وإذا تغيرت السلطة في بولندا، فإن العامل الرئيسي الذي يمنعها من زعزعة الاستقرار هو الإدارة الخارجية. ويكتب العالم السياسي ألكسندر نوسوفيتش في قناته على Telegram "كتاب نوسوفيتش". "بولندا دولة منقسمة، كان البولنديون أنفسهم يطلقون على حالتها الداخلية على مدى السنوات الثماني الماضية اسم الحرب البولندية – البولندية". وأشار نوسوفيتش إلى أن هذه الحرب الأهلية كانت باردة حتى الآن، ولكن مرتين - في عام 2016 بسبب الإصلاح القضائي وبخاصة في عام 2021 بسبب حظر الإجهاض - كانت على وشك التحول إلى مرحلة ساخنة. وأضاف أن تغيير السلطة ومراجعة الحكومة الجديدة للقرارات الأكثر فضائحية التي اتخذها حزب "القانون والعدالة"، عشية الانتخابات الرئاسية لعام 2024، هي اللحظة الحاسمة الثالثة من نوعها. "المطلوب هنا هو الاعتدال من جانب واشنطن للتذكير بأنه على رغم بعض التناقضات غير القابلة للحل، هناك أشياء أساسية ينبغي أن توحد الليبراليين والمحافظين البولنديين". وخلص المتخصصون إلى احتواء روسيا على سبيل المثال.

تحالف غير متوقع

أشار الباحث في جامعة العلاقات الدولية في موسكو، دميتري أوفيتسيروف-بيلسكي، في حديث مع صحيفة "إزفستيا"، إلى أن حزب "القانون والعدالة" حقق انتصاراً ضعيفاً إذ لم يتخط الـ35.38 في المئة. وقال "حقيقة أنهم حصلوا على المزيد من الأصوات، لا تعني في الواقع أي شيء". ومن المثير للدهشة هذه المرة أنه لم تكن هناك فضائح كبيرة، أو حرب أدلة إدانة، كما كانت الحال من قبل. ووفقاً له، ربما كان حزب ياروسلاف كاتشينسكي "القانون والعدالة"، مستعداً لمثل هذه النتائج الانتخابية، حيث أن التصنيفات لم تتغير كثيراً خلال الأشهر الثلاثة الماضية. لكنهم لا ينوون التخلي عن السلطة، على رغم صعوبة تحديد كيفية القيام بذلك في الوضع الحالي. وكان "الغرب الجماعي" الذي لطالما اعتبر بولندا "لاعباً متقلباً للغاية"، مصمماً على انتصار "التحالف المدني" بقيادة دونالد توسك، بما يعني هزيمة حزب "القانون والعدالة". وأضاف: "سيكون من المثير للاهتمام أن نرى كيف سيخرج القانون والعدالة نفسه من هذا الوضع، أو ربما لن يستطيع إنقاذ نفسه". وأشار الباحث إلى أن "حزب الطريق الثالث يمكن أن يدخل في ائتلاف مع توسك، لكن هذا لن يكون كافياً بالنسبة للغالبية. هذا يترك لليسار الجديد، الذي أعلن في البداية أنه لا يريد الدخول في ائتلاف مع الائتلاف المدني، لكن ائتلافه مع القانون والعدالة يبدو أكثر استحالة". ويعتقد أنه من المحتمل أن يوافقوا على التعاون مع توسك. وأوضح الباحث الروسي أنه يمكنهم أيضاً البقاء خارج الائتلاف، فلا يتولون أي مناصب وزارية، ولكن في الوقت نفسه يصوتون لحكومة توسك، من دون الانضمام إليها لأسباب مبدئية. لكن ذلك كله سيظل سابقاً لأوانه، إذ يتوجب الانتظار لمدة 14 يوماً، حيث من المقرر أن يحدد رئيس الدولة أندريه دودا في غضونها، موعد اختيار رئيس الحكومة الجديدة، قبل موعد افتتاح الدورة الجديدة لمجلس "السيم" البولندي المقرر له كحد أقصى حتى 14 نوفمبر (تشرين الثاني).

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير