Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

صندوق النقد يصدم "ترمب": الحروب التجارية لن تقلص العجز الأميركي المتفاقم

تحذيرات من انطلاق الركود من الولايات المتحدة إلى العالم... والرئيس الأميركي يرفض الاعتراف بالأزمة

الرئيس الأميركي دونالد ترمب مع جيروم باول رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي (رويترز)

"تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن"... بالفعل هذا هو حال الرئيس الأميركي دونالد ترمب مع تقرير حديث، وربما "صادم"، للإدارة الأميركية من قبل صندوق النقد الدولي بشأن المحاولات المستمرة لـ"ترمب" عبر الحروب التجارية التي يشعلها عالمياً، في إطار تصحيح أوضاع اقتصاد الولايات المتحدة الذي تشير التوقعات إلى أنه يزحف بقوة نحو موجة ركود صعبة، بينما يصرّ الرئيس الأميركي أن هذا الكلام لم ولن يحدث.

خبراء صندوق النقد الدولي أكدوا، في تقرير حديث، أن فرض الولايات المتحدة رسوما جمركية على الصين وإضعاف سعر صرف الدولار من خلال خفض معدلات الفائدة لن يؤدي إلى تصحيح العجز التجاري الضخم.

وفي لغة صريحة غير معتادة، بدا رأي الخبراء مستهدفا الرئيس دونالد ترمب الذي طالب باستمرار الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) بخفض أسعار الفائدة لإضعاف سعر الدولار وتحفيز الاقتصاد، وفي الوقت ذاته فرض مجموعة من الرسوم الجمركية على الصين لخفض العجز الذي يصفه بأنه سرقة.

وأكدت كبيرة الاقتصاديين في الصندوق، غيتا غوبيناث، أن إجراءات السياسات الأميركية تأتي بنتائج عكسية، ولن تحقق النتائج المرجوة، وستؤدي إلى تباطؤ الاقتصاد العالمي.

867 مليار دولار عجزاً تجارياً في 10 أشهر

البيانات الرسمية تشير إلى أن العجز التجاري الأميركي تفاقم بشكل مرعب خلال السنوات القليلة الماضية، حيث سجل إجمالي العجز في أول 10 أشهر من السنة المالية الحالية نحو 867 مليار دولار مقارنة بنحو 684 مليار دولار خلال نفس الفترة من العام المالي الماضي بزيادة تتجاوز نحو 183 مليار دولار، بنسبة ارتفاع تبلغ نحو 26.75 بالمئة.

فيما بلغ العجز التجاري الأميركي مع الصين نحو 419.2 مليار دولار. وترجع الإدارة الأميركية ارتفاع هذا العجز إلى خفض الدول المصدرة للسوق الأميركية من قيمة عملتها المحلية وفي مقدمتها الصين، وهو ما يضيف ميزة تجارية لسلعها، وبالتالي يتدهور العجز التجاري الأميركي.

وعلى صعيد عجز الموازنة الأميركية، فقد قدّر مكتب الكونغرس عجز الميزانية السنوية لهذا العام بنحو 897 مليار دولار، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 15.1 في المئة مقارنة بعجز ميزانية العام الماضي، والبالغ نحو 779 مليار دولار.

ومن المتوقع أن يتفاقم العجز السنوي في الميزانية الأميركية عاما بعد آخر، بحيث يتجاوز عتبة تريليون دولار بحلول عام 2022، ولن يهبط إلى أقل من تريليون دولار حتى عام 2029، وفق البيانات والأرقام الرسمية.

رسوم "ترمب" لن تحل مشكلة العجز

لكن خبيرة صندوق النقد الدولي "غوبيناث"، وفي مدونة بعنوان "ترويض فورة العملات"، والتي أعدتها بالتعاون مع الباحثين في الصندوق غوستافو ادلر، ولويس كوبيدو، حذرت من أنه "من غير المرجح أن يقلل رفع التعريفات الجمركية المتبادل اختلالات الموازين التجارية، لأنها تؤدي بشكل رئيس إلى تحويل التجارة إلى بلدان أخرى".

وقالت إنه بدلا من ذلك "فإنه من المرجح أن تضر هذه الخطوات بالنمو المحلي والعالمي لأنها ستضعف ثقة قطاع الأعمال والاستثمارات وتسبب في اضطراب سلاسل الإمدادات العالمية، وترفع تكاليف المنتجات والمستهلكين".

وأشارت إلى أن أي خطط لإضعاف قيمة العملة الأميركية "من الصعب تنفيذها وستكون غير فعالة على الأرجح"، مضيفة أن ممارسة الضغوط على البنك المركزي لن تحقق ذلك الهدف.

وحذر معدو المدونة من أنه "يجب عدم إبداء أهمية كبيرة للرأي القائل إن تسهيل السياسة النقدية سيضعف عملة البلاد بشكل يؤدي إلى تحسن دائم في الميزان التجاري".

وأضافوا أن "السياسة النقدية وحدها لن تؤدي إلى خفض دائم في سعر صرف العملة، وهو الأمر الضروري لتحقق تلك النتيجة، خصوصا خلال فترة 12 شهرا".

ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام المقبل، يركز ترمب بشكل خاص على الأشهر الـ12 المقبلة في ملف الاقتصاد والعجز حتى يتمكن من الفوز بولاية ثانية في رئاسة الولايات المتحدة.

الركود ينطلق من السوق الأميركية إلى العالم

ومن صندوق النقد الدولي إلى بنك "مورغان ستانلي" الذي حذر في تقرير أمس، من أن خطر حدوث ركود اقتصادي عالمي مرتفع ويتزايد أيضاً، مشيراً إلى أن انتشار الاتجاه الهبوطي في بعض الاقتصاديات العالمية يتمادى مع انكماش النشاط الصناعي.

وتزايدت مخاطر الركود الاقتصادي في الفترة الأخيرة مع انعكاس منحنى عائد السندات، والذي يعد إشارة على أن هناك ركودا يلوح في الأفق.

وقال تشيتان أهيا، وهو كبير الاقتصاديين بالبنك "حتى في الوقت الذي نراجع فيه توقعاتنا للنمو، فإننا نواصل تسليط الضوء على أن المخاطر لا تزال تميل إلى الجانب السلبي. نتوقع أنه إذا تصاعدت التوترات التجارية بشكل أكبر فسوف ندخل في ركود عالمي، أي أن النمو العالمي سيقل عن 2.5 بالمئة على أساس سنوي) في ثلاثة أرباع".

وأوضح أن مخاطر تشديد الظروف المالية والتي من شأنها أن تؤدي إلى ركود عالمي "مرتفعة ومتزايدة".

وعلى الرغم من مزاعم الإدارة الأميركية بأن الولايات المتحدة مستثناة من التدهور الاقتصادي، أبرز "مورغان ستانلي" فقدان الزخم في بيانات الوظائف في الأشهر السبعة الماضية، حيث انخفض متوسط الوظائف إلى 141 ألف لمدة 6 أشهر حتى الشهر الماضي، مقارنة مع 234 ألف في يناير (كانون الثاني) الماضي.

وأكد أن استثمارات الشركات ومؤشرات سوق العمل قد تشهد تباطؤاً كبيراً في حال تزايد النزاعات التجارية.

الرئيس الأميركي ومطالب مستمرة بخفض الفائدة

في سياق متصل، واصل الرئيس الأميركي هجومه الذي لا يتوقف على البنك المركزي الأميركي، ولام رئيسه جيروم باول لما وصفه بإخفاقه في السماح للاقتصاد بالنمو ولارتفاع سعر الدولار.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي موجة من التغريدات، قال "ترمب" مشيرا إلى رئيس الاحتياطي الفيدرالي "سيتحقق نمو أميركي كبير إذا قام بالخطوات الصحيحة، خفض كبير، لكن لا يُعتمد عليه... حتى الآن ارتكب الأخطاء وخذلنا".

وأضاف "بالأمس، أعلى سعر للدولار في تاريخ الولايات المتحدة... لا تضخم... استيقظ يا احتياطي فيدرالي... أمامك فرص كبيرة للنمو لم يسبق لها مثيل".

والشهر الماضي، خفض صندوق النقد الدولي مرة أخرى توقعاته للنمو العالمي، وقال إن التوتر التجاري سيجعل العام 2020 "محفوفا بالمخاطر"، حيث يمكن أن تؤدي التعريفات إلى زيادة تباطؤ الاقتصاد الصيني.

وتؤكد مدونة صندوق النقد الدولي معلومات وردت في تقارير سابقة، إلا أنها تركز على نقاط رئيسة وتحللها.

ورغم أن النظرية الاقتصادية تقول إن العملة الأضعف تجعل من صادرات أي بلد أقل سعراً وأكثر تنافسية، إلا أن الصندوق قال إن العديد من السلع مسعّرة بالدولار الأميركي في الأسواق العالمية.

لذا، في الحقيقة فإن "المستوردين والمستهلكين الأميركيين يتحملون عبء التعريفات الجمركية. والسبب هو أن الدولار الأقوى لم يكن له سوى تأثير طفيف حتى الآن على الأسعار بالدولار التي يتلقاها المصدرون الصينيون لأن الفواتير بالدولار الأميركي".

جولات جديدة من الحرب التجارية مع الصين

تحركات ترمب نحو الاستمرار في البيت الأبيض لم تبدأ اليوم، لكنها بدأت فعلياً حينما أعلن فرض رسوم جمركية قاسية على سلع صينية بقيمة 250 مليار دولار، كما يعتزم فرض تعريفات جديدة على واردات بقيمة 300 مليار دولار في جولتين أخريين في أول ومنتصف سبتمبر (أيلول) المقبل.

ورغم تحذير صندوق النقد الدولي وغيره من الجهات وشركات الأبحاث والاستشارات من أن الحرب التجارية التي أشعلها الرئيس الأميركي تؤدي إلى تباطؤ النمو العالمي، ومع ظهور مؤشرات على احتمال حدوث انكماش في الاقتصاد الأميركي، لكن ضاعف "ترمب" من هجومه العنيف على الاحتياطي الفيدرالي وعلى الصين.

وبدأ هو ومستشاروه في الحديث عن جوانب إيجابية في الاقتصاد لمواجهة المخاوف المتزايدة في الأسواق المالية الأميركية.

الرئيس الأميركي يتراجع عن خطة خفض الضرائب

في نفس السياق، وفي إطار تحركاته لتحسين الناتج المحلي للولايات المتحدة، تراجع الرئيس الأميركي عن خطة أعلنها في وقت سابق بشأن خفض الضرائب، وقال إن إدارته لن تخفض الضرائب لتفادي التباطؤ الاقتصادي، وذلك بعد يوم واحد من تصريحه بأنه سيدرس تخفيضات ضريبية.

وقال في تصريحات سابقة "خفض ضرائب الدخل شيء أفكر فيه، كثير من الأميركيين يرغبون في رؤية ذلك". لكنه عاد وتراجع أمس، وقال في تصريحات للصحافيين  "أنا لا أبحث عن تخفيض الضرائب الآن، نحن لسنا في حاجة إليها فالاقتصاد الأميركي قوي".

وقبل أيام، أفاد تقرير لصحيفة "واشنطن بوست"، بأن الإدارة الأميركية تدرس تخفيضاً مؤقتاً في ضرائب الرواتب لدعم الاقتصاد.

وأشار الرئيس الأميركي إلى أنه لا يفكر في ربط ضرائب المكاسب الرأسمالية بمعدل التضخم. وتابع "ربما يكون ذلك أفضل للأشخاص ذوي الدخل المرتفع، وأنا لا أتطلع للقيام بذلك، أريد أن أفعل شيئاً من أجل العمال".

بماذا ردّ الاحتياطي الفيدرالي على مطالب "ترمب"؟

وفي الوقت الذي يواصل فيه "ترمب" هجومه على البنك المركزي الأميركي، يرى أعضاء الاحتياطي الفيدرالي أن عملية خفض الفائدة الأخيرة ليست بداية لدورة من التيسير النقدي، وإنما تعديل في نفس الدورة النقدية الحالية.

وكان المركزي الأميركي قد قرر خفض معدل الفائدة بنحو 25 نقطة أساس للمرة الأولى منذ الأزمة المالية العالمية لتتراوح بين 2 بالمئة و2.25 بالمئة.

وأضاف الفيدرالي في محضر اجتماعه الأخير "معظم الأعضاء رأوا أن خفض الفائدة هو جزء من إعادة ضبط موقف السياسة، أو تعديل منتصف الدورة استجابة للظروف المتغيرة". وذكر أنه "يفضل صناع السياسة عموماً اتباع نهج يتم من خلاله تحديد السياسة النقدية من خلال المعلومات الواردة وآثارها على التوقعات الاقتصادية وتجنب أي ظهور لاتباع مسار محدد مسبقاً".

وذكر التقرير أن عضوين بالفيدرالي أرادا تخفيض الفائدة بنحو 50 نقطة أساس في الاجتماع الأخير بناءً على قراءات التضخم الضعيفة، ولكن في الوقت نفسه رأى آخرون تثبيت معدل الفائدة مع الأخذ في الاعتبار أن المخاطر تقلصت منذ اجتماع يونيو (حزيران) الماضي.

ورأى صناع السياسة النقدية في الولايات المتحدة، أن خفض الفائدة سيؤدي إلى تحسين وضع الموقف العام للسياسة بشكل أفضل للمساعدة في مواجهة الآثار المترتبة على ضعف النمو العالمي وعدم اليقين بشأن التجارة، والتأمين ضد أي مخاطر سلبية أخرى، بالإضافة إلى تحفيز عودة أسرع للتضخم إلى هدف البنك المركزي الأميركي.

وأعرب الفيدرالي عن قلقه من استمرار الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة، وقال إن "المخاطر المرتبطة بعدم اليقين في التجارة والتعريفات ستظل بمثابة اتجاه معاكس دائم للتوقعات الاقتصادية، كما أنه من غير المرجح أن تتبدد في أي وقت قريب".

وأضاف "الأعضاء رأوا أن عدم اليقين المحيط بالسياسة التجارية واستمرار المخاوف بشأن النمو العالمي لهما تأثير كبير على ثقة الشركات وخطط الإنفاق الرأسمالي".

وعلى الرغم من ذلك، أشار الفيدرالي إلى أن البيانات الواردة خلال الفترة الأخيرة كانت إيجابية، إلى حد كبير، وأن الاقتصاد كان مرناً في مواجهة التطورات العالمية المستمرة، حيث استمر في التوسع بوتيرة معتدلة.

اقرأ المزيد

المزيد من اقتصاد