Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أطفال لبنان بين التحرش الجنسي والتعنيف

يتعرضون إلى صعوبات تعليمية وسلوكية ومنح الثقة للمحيطين بهم

طلبة إحدى المدارس في بيروت يغادرون المدرسة إلى المنزل بعد انتهاء فترة الدوام اليومي (غيتي)

لم تكن قصة الطفلين الذين تعرضا للضرب والحرق من قبل والدهما في بيروت منذ أيام، الأولى من نوعها، فآلاف الأطفال يتعرضون للعنف بمختلف أنواعه في لبنان من أقرب المقربين منهم.

وتصل نسبة الأطفال الذي يعنّفون من أحد أفراد العائلة إلى 67 في المئة، بحسب جمعية "حماية" التي تعنى بحماية الأطفال من عام 2008.

تقدمت والدة الطفلين بشكوى حتى صدر الحكم بسجن زوجها ومعنّف أطفالها لحمايتهما، إلا أن كثيرات غيرها يفضلنَ السكوت على الرغم من الأهوال التي يشهدنها والتي يقع أطفالهنّ ضحيتها.

أما في حال التحرش الجنسي فقد يمر الوقت بقسوته على الطفل من دون أن يلحظ أحد وهو عاجز عن التعبير، فيما تظهر الأرقام أن طفلاً من 6 في لبنان يواجه هذا الخطر.

تغيرات سلوكية

لاحظت والدة الطفل سامي (9 سنوات) تغييرات في سلوكيات طفلها لجهة الوعي الجنسي الزائد لديه. وبعد أن شجعته على الإفصاح عما يحصل له، أخبرها بأن والده يتحرّش به من فترة ويجبره على لمس المناطق الحميمة لديه وعلى مشاهدة أفلام إباحية.

 لجأت الأم إثر الصدمة التي تلقتها إلى جمعية "حماية" طلباً للمساعدة. بعد التقويم الأولي، حوّل الملف إلى قاضي الأحداث ووضع ملف حماية وسجن الأب لفترة معينة.

 لكن الأمور لم تنتهِ هنا بالنسبة إلى سامي، فعلى أثر متابعته من قبل الاختصاصيين النفسيين والاجتماعيين في الجمعية، تبين أنه يواجه صعوبات تعليمية وسلوكية وفي إعطاء الثقة للمحيطين ويظهر عدوانية في علاقاته مع الأصدقاء.

لولا الدعم والمساندة وتأمين المساحة الآمنة له من قبل الجمعية وجلسات المتابعة، لما استطاع العودة إلى المسار الصحيح في حياته بعد سنة ونصف السنة من المتابعة.

أنواع العنف 

على عكس ما يمكن تصوّره، تؤثر كل أشكال العنف أياً كان نوعها في نمو الطفل الصحي بغض النظر عن النوع الذي يتعرض له.

 ويختلف معدل تأثره بحسب سنه، وما إذا كان سهل التأثر والتعنيف متكرراً، بحسب مديرة برنامج الحصانة والمرونة في جمعية "حماية" الاختصاصية في المعالجة النفسية روز حبش. واللافت أن الأذى يصيب الجنين في رحم أمه حتى، فيتأثر سلباً للمدى البعيد بما يحصل من حوله.

وتقول روز "قلائل هم الذين يعرفون أن أثر تعنيف الطفل ليس نفسياً فحسب، ففي السنوات الثلاث الأولى يؤثر في نمو الدماغ لديه ويؤخره. وفي كل مرحلة عمرية يعنّف فيها الطفل، تتأثر قدراته التي تنمو فيها. أما الأطفال الذين يتعرضون للتحرش الجنسي فيواجهون مشاكل كالأرق والتبول الليلي والتراجع في النتائج المدرسية. إضافة إلى تأثر طباعهم في المراهقة فيكونون أكثر ميلاً إلى الإدمان وسوء التصرف أو حتى إلى الإجرام. يضاف إلى ذلك ميلهم مستقبلاً إلى العلاقات الجنسية المتعددة".

يدخل تعنيف الأطفال في حلقة مفرغة لاعتبار أن الدراسات قد أظهرت أن الراشدين الذين كانوا قد تعرضوا للعنف الجسدي في طفولتهم تنمو قدراتهم الفكرية والجسدية بمعدل أقل وهم أكثر ميلاً إلى العدوانية، وهم أقل قدرة على التواصل الاجتماعي.

كما يتم توقيفهم بمعدلات زائدة لجرائم يرتكبونها. وبالتالي فإن الطفل المعنّف يميل لأن يصبح معنِّفاً مستقبلاً. فكما أن الطفل المعنَّف يحتاج إلى المتابعة والمساعدة كذلك بالنسبة إلى المعنِّف.

 ينتظر الطفل من أهله ومن المقرّبين بعامة العاطفة والحماية، لكن ماذا إذا لم يقابل إلا بالعنف؟ وكيف لطفل أن يتلقّى هذا التصرّف غير المتوّقع من أقرب الناس إليه؟

بحسب حبشي، يشعر الطفل أولاً بالارتباك لاعتباره لا يتعرّف إلى مبدأ الأذى بل يتصوّر أن العنف هو أسلوب في الحب ويفضل التفكير بهذه الطريقة. يبدأ بالإنكار ومن ثم ينتقل إلى الإحساس بالذنب متصوراً أنه أخطأ في مكان ما بعد أن يرى طبيعة العلاقات في عائلات أخرى يتعرّف إليها.

وتضيف "عندما لا يرى نوعاً آخر من العلاقات يبدو الوضع طبيعياً له خصوصاً في التحرش الجنسي، حيث يعتقد أن الشخص المقابل يتقرّب منه ويوطّد علاقته به بهذه الطريقة وهنا يكمن أساس المشكلة".

عندما يصعب التعبير

يصعب على الطفل التعبير في سن صغيرة. وحتى لاحقاً قد يصعب عليه وضع مشاعره في الإطار الصحيح.

وتوضح روز، "من هنا أهمية التركيز على الجانب النفسي الذي نحرص عليه في الجمعية، ببناء علاقة ثقة معه وإن كان الأمر صعباً لما يتعرّض له من أقرب المقرّبين. نعمل مع الطفل في أنشطة تساعده على التعبير بطرق مختلفة كالرسم. قد يطلب منه مثلاً أن يرسم نفسه. ففي إحدى المرات قلب الطفل الورقة ورسم دائرة حمراء فكان ذلك الدليل على تعرّضه للاعتداء الجنسي. كذلك قد يعبّر الطفل بالعدوانية. يتطلب ذلك جلسات عدة مع الاختصاصي حتى يعبّر بوضوح بعد بناء الثقة. ويبقى أن وجود الطفل في المحكمة قد يكون أصعب ما يمكن أن يتعرض له، فيمر بمشاعر متضاربة ويعتبر أنه يسهم بوضع أحد أفراد عائلته في السجن.

 ثمة خطوات عدة تتبعها "حماية"، بحسب حبشي. فإذا كان العنف داهماً تمضي هذه المراحل سريعاً خلال 24 إلى 48 ساعة. أما في الحالات الأخرى فتقدم المساعدة بمشاركة الأهل لأنهم يحتاجون أيضاً إلى المساعدة لأنهم لا يدركون أحياناً أنهم يخطئون بحق أطفالهم.

النظرة القانونية

من المؤسف، أن القانون لا يعتبر صارماً في كثير من الأحيان بما يتناسب مع قساوة الحالة التي يتم التعامل معها. وفي حالات العنف ضد الأطفال، حيث يفتقد القانون الوضوح.

توضح منسّقة القسم القانوني الخاص بالأطفال في "حماية" باسمة رماني أن "النص القانوني يعتبر مبهماً، ما يفسح المجال في كثير من الحالات إلى الاستنسابية لدى القضاة في إصدار القرارات المؤاتية".

وتنص المادة 25 من القانون 422 على أنواع العنف التي قد يتعرض لها الطفل ومتى يكون عرضة للخطر كوجوده في بيئة تعرّض سلامته للخطر أو تعرّضه للعنف الجسدي أو لتحرّش أو اعتداء جنسي أو إذا كان متشرّداً أو متسوّلاً، فعندها يتدخل قاضي الأحداث من أجل تدبير الحماية. وقد يترك الطفل في بيئته إذا لم يعتبر القاضي أن ثمة حاجة لغير ذلك.

 لكن يبقى الطفل تحت رقابة المحكمة لحمايته. مع الإشارة إلى أن قرار القاضي يرتكز على البحث الاجتماعي للمندوبة الاجتماعية التابعة للمحكمة أو على تقارير طبية واجتماعية ونفسية من مؤسسات خارج إطار القضاء.

 لكن ثمة مشكلة أن النص مبهم لجهة تحديد العنف وتصنيفه. ففي المادة 186 سمح بالضرب التأديبي للأهل والأساتذة وعدّلت ليسمح به للأهل فقط، على ألا يترك أثراً نفسياً في نمو الطفل وسلامته، فيما يصعب تحديد ذلك أمام حالة معينة. وتشير رمّاني إلى إطلاق الإجراءات التنفيذية والتشغيلية لإدارة الحالة من الجامعة اليسوعية بالتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة العدل وتمويل اليونيسف بهدف توضيح وشرح الخطر الذي يمكن أن يواجهه الطفل والحاجة إلى المساعدة.

استنسابية في القضاء

من جهة أخرى، لا يتعاطى الجسم القضائي مع الملفات التي تعنى بتعنيف الأطفال بالطريقة نفسها على مختلف الأراضي اللبنانية، خصوصاً، بحسب رمّاني أن القانون 422 أعطى سلطة استنسابية لقاضي الأحداث في تقدير الخطر والاقتناع بالملف أو لا. فقراره يستند إلى البحث الاجتماعي والتقرير النفسي والاستماع إلى الأطراف، وقد يعتبر أنه خطأ قد لا يتكرر أو يمكن تخطيه، وإن كان لا يبرر العنف.

 وقد يخاف الطفل ويشعر بالذنب والقلق على العائلة ويتراجع عن كلامه في المحكمة فلا يعود القاضي مقتنعاً بسبب تراجعه، حتى أنه قد يُمنع من الكلام.

وتقول رماني "لكن ثمة قضاة يكتفون بأن يكون الولد قد تحدث أمام المعالجة النفسية أو المساعدة الاجتماعية لتأمين الحماية فتكون العلاقة مع المعنّف تحت رقابة المحكمة وبحضور المساعدة الاجتماعية والمعالجة النفسية إلى أن يصبح الطفل قادراً على حماية نفسه وعلى رفض العنف".

وتؤكد أن أصعب الحالات هي التحرش الجنسي حيث يصعب الإثبات أحياناً، وقد لا يتكلم الطفل سريعاً. لكن تتخذ الإجراءات اللازمة سريعاً في حال وجود إثباتات.

قد يتحفظ القضاة على نزع الطفل من محيطه إذا كان في سن الحضانة وفي حال وجود خلافات بين الوالدين خوفاً من أن يستخدم أحد الطرفين الطفل لكسب الملف. كما قد يصدرون قرار التدخل لحماية الطفل أحياناً في حالات تبدو أقل خطورة ويعود ذلك إلى ما يراه القاضي مناسباً.

بالأرقام

وبحسب تقرير الجمعية لعام 2018، تعاملت مع 1939 حالة وبلغت نسبة النجاح فيها 70 في المئة، وهي على الشكل التالي:

-معدل الأطفال المعنّفين بين سن 0 و5 سنوات: 14 في المئة.

- بين سن 6 سنوات و11 سنة: 41 في المئة.

- بين12 سنة و14 :23 في المئة.

-بين سن 15 و18 سنة: 22 في المئة.

ونسبة الفتيات المعنفات 43 في المئة، في مقابل نسبة 57 في المئة من الفتيان.

المزيد من تحقيقات ومطولات