Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لبنان يواجه عاصفة خفض التصنيف الائتماني

إجراءات استبقائية لاحتواء التداعيات و6 أشهر مفصلية في المرحلة المقبلة

إجراءات مصرف لبنان الاحترازية تؤمن استقرار المالية للمرحلة المقبة (أ.ف.ب)

لم يحظ تصنيف السندات السيادية في لبنان، باهتمام كما هو اليوم... فالداخل كما الخارج، يترقب تقرير وكالة "ستاندرد إند بورز" الذي يتوقع أن يخفض خلاله تصنيف لبنان إلى درجة c ، ما يعني مستوى مرتفع المخاطر وغير جاذب للاستثمار.

ويتسم التقرير بالأهمية، كونه يأتي بعد خفض وكالة موديز لتصنيف دين لبنان، ما يكرس تصنيف "غير استثماري" للسندات اللبنانية وتبعات ذلك على اقتصاد منهك بحجم دين يفوق بمرتين حجم الاقتصاد، وتآكل للإيرادت وتراجع للنمو.

وعلى الرغم من بعض الإيجابية الخجولة التي تمثلت بإقرار موازنة "أفضل الممكن"، والبدء بتطبيق خطة الكهرباء، إلا أن السجالات السياسية المستعرة، استطاعت مرة جديدة أن تعرقل الإشارات الإيجابية التي يحاول لبنان أن يرسلها إلى المجتمع الدولي، لاستعادة بعض الثقة واجتذاب مساعدات ملحة يحتاجها من المؤسسات الدولية والدول المانحة، عبر ما أصبح يعرف بمؤتمر سيدر بملياراته الإحدى عشرة.

لبنان لا يستوفي معايير التصنيف

تعتمد وكالات التصنيف قبل إصدار أي قرار على معايير علمية عدة أبرزها:

- الوضع السياسي: وهو المعيار الأكبر الذي يؤخد في الاعتبار، ويشكل نحو 30 في المئة من القرار النهائي، وفي لبنان السجالات السياسية التي تعطل العمل الحكومي وتشل البلد لا تنتهي.

- وضع المالية العامة والدين العام: وهنا يظهر الضعف في لبنان، ففي أول 5 أشهر من العام الحالي تراجعت الإيرادات بحدود 2 في المئة، فيما زادت النفقات ما ينذر بارتفاع العجز إلى مستويات تفوق المسجل في 2018، كما لدى المجتمع الدولي تساؤلات عدة حول المدفوعات المؤجلة لوزارة المال، والتي ستصبح ملزمة بدفعها في النصف الثاني من 2019.

- النمو الاقتصادي: وهو ضعيف في لبنان ومقدر بين صفر وواحد في المئة.

- ميزان المدفوعات والذي سجل عجزاً بـ5.4 مليار دولار في أول 6 أشهر من 2019.

- الحوكمة والشفافية ولبنان ما زال أمام طريق طويل في هذا الإطار.

- وضع المصارف والوضع النقدي وهو المعيار الوحيد الذي يستوفي الشروط الدولية كون المصارف اللبنانية متينة، وهي تطبّق معايير بازل كما أن احتياطات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية تؤكد قدرة المركزي على الحفاظ على استقرار النقد.

- عدم استيفاء لبنان لـ 5 شروط من أصل 6 دفع بالخبير الاقتصادي والمالي الدكتور غازي وزني إلى توقع خفض لتصنيف لبنان في 23 أغسطس (آب) الحالي، موضحاً أن السوق استوعب ومنذ 4 أسابيع، تداعيات خفض التصنيف، فمعدلات الفوائد بدأت بالارتفاع، كما استبقت الأسواق المالية الحدث فتراجعت أسعار سندات اليوبوندز وارتفعت تكلفة التأمين.

ويسلط وزني الضوء على إجراءات مصرف لبنان الاحترازية، والتي تؤمن استقرار المالية للمرحلة المقبلة. فالمركزي كان سدد استحقاقات دين في مايو (أيار) الماضي، بقيمة 1.25 مليار دولار وهو يكتتب بالسندات ليضمها إلى محفظته فبعود ويبيعها في الأسواق عند تحسن المعنويات والأسعار.

وحول تأثير ارتفاع الفوائد على أي إصدار مقبل للسندات، يوضح وزني أن الحكومة اللبنانية أجازت لوزارة المالية إصدار سندات بالعملات الأجنبية بقيمة 4.8 مليار دولار لم تتم حتى اليوم، لتفادي أي تسعير للفائدة على السندات السيادية.

ويشير وزني إلى أن مصرف لبنان استبق احتمال خفض التصنيف، فطلب من المصارف اللبنانية تحويل الأرباح التي كونتها من الهندسات المالية الأخيرة إلى مؤونات، لذلك وبغض النظر عمّا سيكون تصنيف "ستاندرد إند بورز"، فإنّ المصارف اللبنانية قادرة على التعامل مع التقييم الجديد، بما يحافظ على ملاءتها وسيولتها واستمرار عملياتها بشكل طبيعي.

‎وكان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة قد صرح بوضوح أنّ المصرف شرع، من باب الاحتياط، في ‏اتّخاذ إجراءات لحماية القطاع المالي من خفض المخاطر السيادية.

فعمد إلى رسملة العائدات التي حققتها البنوك ‏من الهندسة المالية في العام 2016 وعدم توزيعها، وفقاً لتوجيه أصدره مصرف لبنان في ذلك الوقت، ما ساعد في رفع ‏ملاءة المصارف إلى نحو 16 في المئة‎.‎

‎وقال سلامة إنّ التصنيف سيخفّض هذه النسبة إلى 12 في المئة، لكنها ستظل أعلى بكثير من متطلبات ‏بازل. وذكر أنّ تعميماً آخر صدر هذه السنة، سيمكّن المصارف من إعادة تكوين الملاءة المالية تدريجاً إلى المستويات ‏الحالية.

أمام لبنان المزيد من الوقت

‎في المقابل، لا يرى ‎الخبير الاقتصادي والمصرفي جان طويلة أي انعكاسات كبيرة آنية لخفض التصنيف.

ويوضح أن السوق استوعب الخفض المحتمل ولا مخاطر على المدى القصير، كما يثّمن الإجراءات الاحترازية التي بدأها المركزي منذ شهرين وتمثلت بهندسات مالية عززت من احتياطي المركزي وزادت من قدرة المصارف على زيادة رأسمالها لمواجهة المخاطر.

ويؤكد طويلة أن لا مخاوف على تعامل المصارف اللبنانية مع المصارف الأجنبية المراسلة كون أي قرار بوقف التعامل يأتي مع فترة سماح طويلة كما تبقى المصارف اللبنانية على الرغم من انخفاض ملائتها من 16 في المئة إلى حدود  11.5في المئة ضمن إطار متطلبات بازل الدولية.

ويرد جان طويلة الهلع في الأسواق، إلى الوضع السياسي المتشنج والإشاعات التي تضغط على معنويات المستثمرين ولكن هعلى الرغم من ذلك، ومن موقعه المصرفي يؤكد أن لا تحويلات غير اعتيادية هذا الأسبوع من الليرة اللبنانية إلى الدولار.

أما تداعيات خفض التصنيف فستترجم بانعدام وجود مستثمرين وارتفاع الفوائد ما يزيد من مخاطر الديون السيادية مع ارتفاع العجز.

ويعطي طويلة مهلة 6 أشهر إضافية للحكومة للعمل وتدارك المخاطر ووقف الصراعات السياسية، مشيراً إلى أننا "لسنا اليوم في أزمة وإنما بعد 6 أشهر قد يدخل لبنان في أزمة حقيقية".

مناعة لبنان ربحت الجولة الأولى من المخاطر المتعددة التي سيواجهها في المرحلة المقبلة، وعلى الرغم من احتواء تقرير "ستاندارد إند بورز"، إلا أن الإرباك وتراجع الثقة بلبنان وانعدام ثقة المستثمرين واقع لا محالة.

المزيد من اقتصاد