ازدحمت الطرق بآلاف من أسر الأرمن الجائعين والمنهكين بعد أن فروا من منازلهم في إقليم ناغورنو قره باغ في الوقت الذي دعت فيه الولايات المتحدة أذربيجان إلى حماية المدنيين والسماح بدخول المساعدات.
وأفادت يريفان اليوم الثلاثاء أن 19 ألف شخص في الأقل فروا من ناغورنو قره باغ إلى أرمينيا بعد أسبوع تقريباً من الهجوم الخاطف الذي نفذته أذربيجان داخل المنطقة الانفصالية في القوقاز، وغالبية سكانها من الأرمن.
واعتبرت باريس اليوم الثلاثاء على لسان المتحدثة باسم وزارة الخارجية آن كلير لوغاندر أن النزوح الضخم للأرمن من قره باغ يحدث "تحت أعين روسيا المتواطئة".
وكانت روسيا نشرت عام 2020 قوة لحفظ السلام في المنطقة الانفصالية، وذكرت لوغاندر أن باريس ستحمّل "أذربيجان كامل المسؤولية عن مصير السكان الأرمن".
موازين العفو و"جرائم حرب"
وقال مصدر حكومي أذربيجاني اليوم الثلاثاء إن حرس الحدود الأذربيجاني يبحثون عن أشخاص يشتبه في ارتكابهم "جرائم حرب" وسط اللاجئين الذين يغادرون قره باغ إلى أرمينيا، مؤكداً أن"أذربيجان تعتزم تطبيق عفو على المقاتلين الأرمن الذين ألقوا أسلحتهم، لكن أولئك الذين ارتكبوا جرائم حرب خلال حروب قره باغ يجب أن يسلّموا إلينا"، وذلك في معرض تفسيره أسباب الطلب من الرجال في سن القتال أن ينظروا إلى كاميرا عند آخر نقطة تفتيش حدودية.
نداء من واشنطن لباكو
وفي يريفان عاصمة أرمينيا دعت رئيسة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية سامانثا باور، أذربيجان إلى "الحفاظ على وقف إطلاق النار واتخاذ خطوات ملموسة لحماية حقوق المدنيين في قره باغ".
وقالت باور، التي سلمت في وقت سابق رئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان رسالة دعم من الرئيس الأميركي جو بايدن، إن استخدام أذربيجان للقوة غير مقبول وإن واشنطن تنظر في رد مناسب.
ودعت باور رئيس أذربيجان إلهام علييف إلى الوفاء بوعده بحماية حقوق الأرمن وإعادة فتح ممر لاتشين الذي يربط المنطقة بأرمينيا بشكل كامل والسماح بدخول المساعدات وبعثة مراقبة دولية.
وتعهد علييف بضمان سلامة الأرمن في قرة باغ لكنه قال إن قبضته الحديدية قضت على مساعي انفصال هذه المنطقة.
وقالت باور لاحقاً خلال زيارة إلى قرية كورنيدزور على الحدود مع أذربيجان "من المهم أن يتمكن المراقبون المستقلون والمنظمات الإنسانية من الوصول إلى من لا يزالون في أشد الحاجة للمساعدات في قره باغ".
كما كشفت عن مساعدات أميركية عاجلة بقيمة 11.5 مليون دولار لسكان الإقليم الانفصالي.
وردا على سؤال عما إذا كانت تعتقد أن قوات أذربيجان ارتكبت أعمالاً وحشية ضد المدنيين أو المقاتلين في قرة باغ، قالت "لقد سمعنا تقارير مثيرة للقلق الشديد عن أعمال عنف ضد المدنيين. وفي الوقت نفسه، نظرا للفوضى هنا والصدمة، فإن جمع الشهادات ممن تعرضوا (لانتهاكات) هو أمر في بدايته".
مستودع وقود
وأعلنت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في بيان اليوم أن انفجاراً في مستودع للوقود في قرة باغ الانفصالية أدى إلى إصابة مئات الأشخاص بحروق، وفق "رويترز".
ووقع الانفجار أثناء فرار آلاف الأرمن من المنطقة بعد أن ألحقت أذربيجان الهزيمة بمقاتلين أرمن خلال عملية عسكرية خاطفة، وقالت اللجنة الدولية إنها تقدم المساعدة الطبية للمصابين بحروق وتنقل بعض الأشخاص بسيارات الإسعاف، لكنها تواجه اكتظاظاً في المستشفيات وتعطلاً في حركة السير.
ومساء أمس الإثنين انفجر مستودع للوقود في الجيب وسط نزوح جماعي مما أدى إلى مقتل 20 شخصاً في الأقل وإصابة 280 آخرين بجروح، بحسب ما أعلنت السلطات الانفصالية اليوم الثلاثاء، مطالبة بمساعدة خارجية عاجلة للتعامل مع هذه الكارثة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقالت في بيان "لا يزال عشرات الجرحى في حال حرجة"، موضحة أن المصابين الذين يعانون حروقاً متفاوتة الخطورة تم نقلهم إلى المستشفى في قره باغ.
ولقي 20 شخصاً حتفهم 13 منهم مجهولو الهوية، وسيتم إخضاع جثث الضحايا المجهولين لتحاليل الطب الشرعي، وفق المصدر نفسه.
19 ألف نازح
وعند وصولهم بالسيارات أو الحافلات وجد الآلاف من سكان قره باغ ملجأً في أرمينيا، وأعلنت الحكومة الأرمينية الثلاثاء أنها استقبلت أكثر من 19 ألف شخص.
والبعض يفر مشياً. وقال رجل أثناء مروره أمام الجنود الأذربيجانيين "طردونا".
ويفر هؤلاء المدنيون من قره باغ، على رغم الوعد الذي كرره رئيس أذربيجان إلهام علييف الإثنين، بأن حقوق الأرمن في هذا الجيب الذي يحتله جيشه ستكون "مضمونة".
وكان يتحدث إلى جانب نظيره التركي رجب طيب أردوغان الذي يلعب دوراً رئيساً في هذا الجزء من القوقاز، بعد أيام قليلة من انتصار الجنود الأذربيجانيين على القوات الانفصالية في قره باغ التي تسكنها غالبية من الأرمن وألحقتها السلطات السوفياتية بأذربيجان عام 1921.
محادثات بروكسل
ومن المقرر أن يستقبل الاتحاد الأوروبي الثلاثاء في بروكسل ممثلين كباراً عن أرمينيا وأذربيجان، وهما جمهوريتان سوفياتيتان سابقتان تواجهتا عسكرياً في قره باغ خلال الفترة الممتدة من عام 1988 إلى عام 1994 (30 ألف قتيل) وفي خريف عام 2020 (6500 قتيل).
وسيترأس سيمون موردو المستشار الدبلوماسي الرئيسي لرئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال، هذا الاجتماع في بروكسل. وستتمثل أذربيجان وأرمينيا، وكذلك فرنسا وألمانيا، بمستشاريها للأمن القومي. كذلك يشارك الممثل الخاص للاتحاد الأوروبي لجنوب القوقاز الدبلوماسي الإستوني تويفو كلار.
من جهتهما سيجتمع رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان والرئيس الأذربيجاني إلهام علييف في الخامس من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل في غرناطة بإسبانيا، ويشارك في الاجتماع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني أولاف شولتس ورئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال، وهو اجتماع مخطط له منذ فترة طويلة ولم يتم إلغاؤه.
نزوح متواصل
في هذه الأثناء استمر تدفق اللاجئين من قره باغ إلى الأراضي الأرمينية، مع الإبلاغ عن اختناقات مرورية ضخمة على الطريق الوحيد الذي يربط "عاصمة" الإقليم ستيباناكيرت بأرمينيا.
وتعهدت أذربيجان بالسماح للانفصاليين الذين يسلمون أسلحتهم بالذهاب إلى أرمينيا.
ويخشى كثيرون من نزوح جماعي للأرمن من الإقليم الانفصالي في ظل تشديد القوات الأذربيجانية قبضتها، بينما يبقى الوضع الإنساني صعباً للغاية.
وبدأ مساء الأحد الماضي تدفق اللاجئين إلى مدينة غوريس التي يبلغ عدد سكانها نحو 20 ألف نسمة وتعد المحطة الأولى لنازحي قره باغ. وبعد المرور في نقطة كورنيدزور الواقعة مباشرة بعد الحدود، يحضر أولئك الذي "لا يملكون مكاناً يذهبون إليه"، مثل فالنتينا أسريان، إلى هنا.
والأسبوع الماضي أعلن باشينيان أن بلاده التي يبلغ عدد سكانها 2.9 مليون نسمة تستعد لاستقبال 40 ألف لاجئ.
وأمس الإثنين رفضت روسيا التي تعتبر القوقاز منطقة نفوذ لها وقد نشرت في قره باغ قوة لحفظ السلام قبل ثلاثة أعوام، الانتقادات التي وجهها باشينيان واتهمها فيها بالتخلي عن حليفتها.