لم يكد يمر يوم واحد على اتهام محافظ بنك إنجلترا السابق، مارك كارني، لليز تراس، بشل الشركات العامة البريطانية وتحويلها إلى كيانات لا حول لها ولا قوة، في تناقض واضح مع مساعي تراس إلى جعل لندن نسخة من "سنغافورة على ضفاف نهر التايمز"، حتى أقحمت "منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية" (OECD) نفسها في المعمعة، متوقعة أن ينمو الاقتصاد البريطاني ويتفوق على نظيريه الأرجنتيني والألماني هذا العام.
لكن ماذا عن العام المقبل؟ بحسب الخبراء في "منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية"، ستستمر بريطانيا في التفوق على الأرجنتين... ولكنها لن تقوى على ألمانيا أو أي اقتصاد متقدم آخر. والأرجح أن تنهي عام 2023 بتسجيل أعلى معدل تضخم بين دول "مجموعة السبع".
وقد حاولت تراس الرد على هجوم كارني بالتنديد به وبما وصفته بـ"الإجماع الاقتصادي الذي دام 25 عاماً وأسفر عن انخفاض النمو في مختلف أنحاء العالم الغربي"، متجاهلة حقيقة أن صمودها في رئاسة الحكومة لم يتعد صمود "خسة" على رفوف المتاجر.
ولكن كارني ذهب بعيداً بسخريته حين قال "لما حاول أنصار انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إنشاء سنغافورة على نهر التايمز، جل ما استطاعت حكومة تراس أن تحققه لهم هو نموذج عن الأرجنتين على القناة الإنجليزية". نعم، تقاسي بريطانيا اليوم من مشكلة في ارتفاع الأسعار، ولكن هذه المشكلة هي "نقطة في بحر" قياساً إلى معدل التضخم في الأرجنتين الذي بلغ 124 في المئة وأفضى إلى زيادة بنسبة 118 في المئة في سعر الفائدة.
وليس هناك أدنى شك في أن المملكة المتحدة تتخبط في مشكلة نمو، وقد حاولت تراس على طريقتها إنعاش العجلة الاقتصادية، لكن من دون جدوى. والحقيقة أن المشكلة تفاقمت وزادت سوءاً على خلفية الحل الذي اقترحته ــ التخفيضات الضريبية غير الممولة لصالح الأغنياء ــ والذي أدخل معدلات الرهن العقاري مرحلة التحليق إلى أعلى وأضاف علاوة "حمقاء" إلى كلف الديون البريطانية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لذا حتى لو تفوقت الشركات العامة البريطانية في الأداء على توقعات "منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية"، سيبقى خروج النمو الاقتصادي عن مساره البطيء مجرد تفاؤل.
وهذا من شأنه أن يترك أياً كان الذي سيشغل "11 شارع داونينغ" في مواجهة قائمة طويلة من الاختيارات غير المريحة. فبغض النظر عما إذا كنت تفضل التخفيضات الضريبية أو التمويل الإضافي للخدمات العامة المتعثرة في بريطانيا، ستظل الحاجة إلى النمو كبيرة لخلق هامش المناورة المالية اللازم.
يبدو أن السياسيين قد نسوا تماماً أن الأسواق ستفعل في النهاية ما اعتادت عليه دائماً، أي الاطلاع على الأرقام والتصرف بما يخدم مصلحتها على أفضل وجه. وبما أنه ليس هناك مؤامرة لإسقاط بريطانيا أو إحباط السياسيين أو إنكار "إرادة الشعب"، سيظل السياسيون يتجنبون الأسواق إلى حين عودة الأرقام إلى الارتفاع.
وعلى المدى الطويل، ستعاني بريطانيا مشكلة إنتاجية ناجمة عن مشكلة في الاستثمار. فمستوى الاستثمارات في قطاعيها العام والخاص منخفض إلى حد كارثي. وستكون مساعي التصدي له تصحيحية بكل ما للكلمة من معنى. فبعدما حاول ريشي سوناك تقديم إعفاءات ضريبية لتحفيز الاستثمار في الأعمال التجارية، وضع حزب العمال استراتيجيات حلول أكثر من طموحة، لكنه عاد وتراجع عنها بعض الشيء. وفي القريب العاجل، سيحظى الناخبون بفرصة لإصدار حكمهم في هذا الصدد.
أما على المدى القصير، فكثير يتوقف على بنك إنجلترا، بقيادة خليفة كارني، أندرو بايلي.
وثمة رأي يقول إنه سيكون على "لجنة السياسة النقدية" التابعة للبنك أن تضع حداً لدوامة ارتفاع معدلات الفائدة، وتنتظر الدواء القوي الذي أعدته لهذا الغرض ليأخذ مفعوله ويخفف الضغط على الاقتصاد (الرازح تحت ثقل الأسعار التي لا تقل عن 5.25 في المئة بالمقارنة مع الأرجنتين).
ولطالما أثارت سواتي دينغرا، أحد الأعضاء الخارجيين في اللجنة، هذه القضية مع زميلتها السابقة سيلفانا تينيرو، وفي الوقت الحاضر، بات مؤثرون كثر في مدينة لندن ومنطقة الأعمال كناري وارف، يدعمون هذه الفكرة ويؤيدونها.
ومع ذلك، تبقى النتيجة الأكثر احتمالاً: ارتفاعاً بمقدار ربع نقطة مئوية ومزيداً من الضغوط على الشركات العامة البريطانية. وقد يواسينا أن نعرف أن هذا الارتفاع سيكون الأخير من نوعه.
© The Independent