ملخص
لو تعرضت دولة لكارثة مروعة ورفضت تماماً أية مساعدات من المجتمع الدولي، فهل يمكن إجبارها على تلقي المساعدة؟
تقع الكارثة والقتلى والجرحى وآلاف غيرهم تحت الأنقاض بين الحياة والموت، ومع مرور كل دقيقة يكونون أقرب إلى الموت، وربما تسود فوضى القلق أو تنتشر عشوائية الهلع، وتعرض دول من الشرق والغرب المساعدة. يتصور بعضهم أن رد الفعل الآني سيكون ترحيباً بلا تفكير وفتحاً للحدود من دون تأخير، لكن كثيراً ما تتباطأ الردود وتسوف الترتيبات، وليس هذا فقط بل قد تعلن الدول المنكوبة أنها ليست في حاجة إلى مساعدة مع كثير من الشكر للدول العارضة، وفي بعض الأحوال تعلن الدولة بشيء من الحدة وقدر من الصرامة أنها لا تحتاج إلى مساعدات من دون إبداء أسباب.
أسباب الرفض كثيرة، ومنها ما يعكس اكتفاء ذاتياً من القدرات والموارد، ومنها ما يعكس مواقف مسبقة من الدول التي تقدم عرض المساعدة، أو إصراراً على أن تحتفظ الدولة مهما كانت منكوبة بصورتها القوية أو المكتفية ذاتياً أو غير القابلة للانهيار.
مساعدات بعد دقائق
انهارت مئات المباني والعمارات السكنية والمواقع الأثرية في المغرب خلال زلزال هو الأقوى والأقسى منذ قرن، ولم تمض دقائق على الكارثة وبدء تدفق الصور الصادمة لحجم المأساة إلا وعشرات الدول تقدم عروض المساعدات.
دول قريبة عاطفياً وأخرى بعيدة جغرافياً وثالثة بين بينين سياسياً، وقائمة طويلة من العروض المتدفقة على مدى الساعة منذ وقوع الكارثة، لكن المغرب قبل بمساعدة أربع دول وهي بريطانيا والإمارات وقطر وإسبانيا.
وخلت القائمة التي تظل مفتوحة من اسم فرنسا، على رغم أنها الدولة التي قفزت إلى أذهان كثيرين عقب وقوع الزلزال باعتبارها الأقرب منطقياً لتقديم المساعدة، والعاهل المغربي الملك محمد السادس أعرب عن شكر بلاده للدول الصديقة والشقيقة التي عبرت عن تضمانها مع شعبه وأعلنت استعدادها تقديم المساعدة في هذه الظروف الاستثنائية بالغة الصعوبة.
ولأن همهمات التشكك والقيل والقال والتوقع والاستشراف تدور بصورة مكثفة في الأجواء الافتراضية والإعلامية والاجتماعية والشعبية حول "رفض"، وفي أقوال أخرى "تسويف"، وفي ثالثة "تمنّع" وفي رابعة "تمهل" المغرب في شأن المساعدات الفرنسية، فقد سارعت وسائل إعلام مغربية إلى القول إن المغرب لم يرفض مساعدات من دول بعينها، بل ينتهج مبدأ "المقاربة الانتقائية" في شأن المساعدات.
وذكر بعضهم ما جرى في تدفق المساعدات بصورة غير منتظمة وغير مدروسة وقت تعرض إندونيسيا للتسونامي المدمر، وهو ما نجمت عنه مشكلات إضافية.
المساعدات المعلقة
التعامل والتصريحات الرسمية الحذرة والمتحسسة من قبل فرنسا والمغرب في شأن المساعدات المعلقة مستمرة، ومسؤولون مغاربة يتحدثون عن المقاربة الانتقائية الإيجابية في قبول أو رفض المساعدات منعاً لإهدارها، ومسؤولون فرنسيون أكدوا أن العلاقات بين البلدين قائمة ولا مجال للحديث عن رفض لأسباب سياسية، كما أصدرت وزيرة أوروبا والشؤون الخارجية كاترين كولونا قراراً يقضي بتخصيص مساعدات بقيمة خمسة ملايين يورو في صيغة اعتمادات للإمدادات الإنسانية بغية تلبية الحاجات الطارئة، مشيرة إلى أن المبلغ سيتم توجيهه للجهات الفاعلة في المجال الإنساني الموجودة في المناطق المنكوبة والناشطة فيها لمصلحة السكان المتضررين من الزلزال، ودعماً لعمل السلطات المغربية.
وبينما يغرق كثيرون في ضرب أخماس حساسية السيادة في أسداس الجغرافية السياسية، مع حل طلاسم العلاقات الفرنسية المشدودة والجزائرية المقطوعة، تمضي السلطات المغربية قدماً في التأكيد أن أولوية الدولة حالياً هي أن يكون الوضع تحت السيطرة، ولذلك تصر على عدم المجازفة أو المخاطرة بوضع فوضوي قد ينجم عن فتح الأبواب أمام مئات أو آلاف الأشخاص وعشرات الدول والمنظمات بغية المساعدة، وقالت السلطات إن "الافتقار إلى التنسيق في مثل هذه الحالات سيؤدي إلى نتائج عكسية".
قوانين المساعدات
وعكس ما يتوقعه بعضهم فإن المساعدات الإنسانية حتى في حالات الكوارث المباغتة تخضع لقوانين دولية، فالقانون الدولي للاستجابة للكوارث يضع توصيات للحكومات لمساعدتها في تجهيز قوانينها المحلية للتعامل مع المشكلات التنظيمية التي تنشأ عادة في حالات الاستجابة الدولية للكوارث والأزمات.
وكان المدير الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا للاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر حسام الشرقاوي متردداً في انتقاد السلطات المغربية في مثل هذا الوقت العصيب، لكنه قال إن مزيداً من المساعدات الخارجية ستكون مطلوبة حتماً.
ويقول الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر إن التجربة أثبتت أنه حتى الحكومات الأفضل استعداداً قد تحتاج إلى المساعدة الدولية حين تقع الكوارث الكبرى، وأن حكومات قليلة فقط هي المستعدة فعلياً بالقوانين لاستقبال التدفقات المفاجئة للمساعدات الدولية وقت الكوارث، وهذا قد يؤدي إلى تأخير أو فوضى وصول المساعدات.
فوضى التدفق
وبعيداً من القوانين وفوضى تدفق المساعدات أو تنظيمها يبدو أن الوضع في المناطق المنكوبة في المغرب يقف على طرف نقيض من وضعية السيطرة والتنظيم من قبل السلطات، وقد رجح الشرقاوي في تصريحات صحافية أن يحتاج المغرب إلى "مزيد من المساعدات الخارجية".
وعلى رغم أن الاتحاد يقدم أموالاً لفرع الهلال الأحمر المحلي في المغرب، لكن لديه أيضاً فرقاً متخصصة مستعدة للذهاب إلى المغرب حال أعلنت السلطات الحاجة إليها، وقال الشرقاوي إن لدى الاتحاد خبرة ثلاثة عقود في هذه الأنواع من الكوارث، إضافة إلى معرفته "بقواعد اللعبة في مثل هذه الظروف"، مشيراً إلى أن "المغرب بحاجة إلى مساعدة دولية".
وعلى رغم إشادته بالاستجابة المحلية الرائعة إلا أنه قال "إنهم استنفدوا في اليوم الثالث وسيحتاجون إلى مساعدة إضافية".
دهشة الكارثة
ملايين المتابعين لكارثة المغرب التي لحقت بها كارثة إعصار "دانيال" في ليبيا، ومن قبلهما عشرات الكوارث والأزمات التي خلفت قدراً مهولاً من القتل والخراب والدمار، وعلى رغم ذلك بدا وكأن الدول المنكوبة تتعفف أو تتريث أو تتحجج أو تنتقي تلقي المساعدات العاجلة، وهو ما يتسبب في حال من الدهشة، لكن لا مجال للدهشة في السياسة والسيادة، ففي فبراير (شباط) الماضي قيل إن سوريا طلبت المساعدة من إسرائيل عقب الزلزال المدمر الذي ضربها وتركيا، لكن دمشق نفت رسمياً وتل أبيب أكدت.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي الزلزال نفسه، وعلى الجانب التركي، خرج وزير الخارجية مولود أوغلو ليقول إن إسرائيل كانت من أوائل الدول التي أرسلت مساعدات إلى تركيا إثر الزلزال العنيف الذي ضرب البلاد، معرباً عن شكره لها خلال مؤتمر صحافي جمعه ونظيره الإسرائيلي إيلي كوهين أثناء زيارة الأخير لأنقرة.
وأشاد أوغلو بإسرائيل التي "قدمت دعماً كبيراً لأعمال البحث والإنقاذ في ولاية قهرمان مرعش مركز الزلزال، وأقامت مستشفى ميدانياً فيها وخصصت طائرة شحن عسكرية لتركيا".
كوارث الكوكب
وتشير "قاعدة بيانات الكوارث الدولية" إلى أن ثلثي الكوارث التي وقعت في العالم منذ عام 1988 طبيعية، والثلث نصفه بـ "التكنولوجيا"، وتتراوح بين حوادث طرق وصناعية وغيرها، حيث 5750 فيضاناً و4580 عاصفة مدمرة و270 نشاطاً بركانياً و450 حريق غابات و1570 زلزالاً و790 جفافاً مميتاً، والقائمة طويلة.
والقاعدة المميتة التي تحوي نحو 26 ألف كارثة طبيعية تستوجب أو تستحق المساعدات الدولية، سواء الإنسانية أو التقنية، لمساعدة الأحياء أو دفن الأموات أو مواجهة الكوارث البيئية المحتملة جراء تعفن الجثامين، ولم يحصل جميعها على المساعدات وبعضهم لم يحتج إليها، وبعضهم الآخر لم يطلبها، لتظل هناك حالات ترفض تلقيها على رغم حاجتها.
متلازمة الاستعمار والتبعية
"المساعدات الأجنبية في أوقات الكوارث والأزمات الطارئة تقول كثيراً عن العلاقات بين الدول، فهي كاشفة العلاقات الحقيقية"، بحسب ما يؤكد الباحث في مجلة السياسية الدولية المصرية والمتخصص في الشؤون الأميركية عمرو عبدالعاطي لـ "اندبندنت عربية"، ويضيف "إن مدى تقارب أو تباعد أو جفاء أو رغبة التلاقي أو النكاية أو العند أو غيرها بين الدول وبعضها تظهر بصورة واضحة في أوقات الكوارث وعروض المساعدات، وقبول أو رفض المساعدات مرتبط بطبيعة العلاقات بين البلدين".
ويشير إلى أنه في حال كارثة زلزال المغرب والوضع الغريب لعرض المساعدة من فرنسا، فإنه ينبغي تذكر تراجع الدور الفرنسي بصورة واضحة وكبيرة في دول عدة مثل المغرب ومالي مثلاً، وأنه ليس تراجعاً على مستوى السياسة فقط لكنه على المستوى الشعبي كذلك، إضافة إلى الخلفية الاستعمارية لفرنسا ورغبة عدد من الدول في التخلص من متلازمة الاستعمار والتبعية".
ولا تخلو هذه المتلازمة من مكون الضعف الذي يتبادر إلى الذهن كلما ذكرت كلمة استعمار، حيث الدولة المستعمِرة القوية والدولة المستعمَرة الضعيفة، وفي بعض الحالات، بما في ذلك الكوارث والأزمات الكبرى، يكون قبول الدولة التي كانت مستعمَرة للمساعدة من المستعمِر بمثابة استرجاع أو ترسيخ أو إحياء مذموم لفكرة التبعية والضعف، ويقول عبد العاطي إنه "إذا أضيف إلى ذلك وجود جفاء وتوتر في العلاقات منذ أعوام، كما هو الحال بين فرنسا والمغرب، على رغم خصوصية العلاقة الشديدة، فإن التعامل مع عرض المساعدات يكون حساساً وفي الوقت نفسه لا يتم التعامل معه باستهانة أو تسرع مهما بلغت درجة المأساة".
وعقب المآسي تتغير كثيراً توازنات العلاقات بين الدولة المنكوبة من جهة وغيرها من الدول، وقبول المساعدات من دولة تربطها علاقات جافة أو متوترة أو حتى مقطوعة بالدولة المنكوبة كثيراً ما يعني رغبة في التقارب أو اضطراراً إليه.
اضطرار القبول
رغبة، اضطرار، قبول، رفض وغيرها من المؤثرات في قرار المساعدات، لكن الكرامة الوطنية والصورة الذهنية لدولة ما تفرض نفسها كذلك ضمن عوامل اتخاذ القرار، ويضيف عبدالعاطي أن "الدولة، أي دولة، لا تحب أن تظهر ضعفها حتى لو كانت كذلك، وأحياناً يكون ارتفاع درجة التلاحم الداخلي بين المواطنين في أوقات الكوارث دافعاً لعدم قبول المساعدات الدولية وذلك حتى تبدو بمظهر القادر على التعامل".
ويشير عبدالعاطي إلى تركيا مثلاً في كارثة زلزال فبراير 2023 حين بدا الموقف الرسمي تجاه المساعدات وكأنها موجهة للاجئين لديها وليس للمواطنين الأتراك المتكفلة هي بهم"، مضيفاً أن "المغرب يريد أن يحافظ على صورته كدولة قوية، لا سيما أن شبكة علاقاته بالدول الأوروبية تتسم بالمتانة مما يمنحه رفاهية اختيار مصادر المساعدات، أما ليبيا وما تعرضت له من إعصار مدمر فالوضع مختلف لأن ليبيا ببساطة أصبحت دولة ضعيفة".
جزء من ضعف الدولة أو قوتها يرتبط بأوضاعها الداخلية وسمة النظام السياسي، ويؤكد عبدالعاطي أن الدول التي تعتبر المكون الأمني رئيساً في إدارة البلاد تحجم عن الطلب أو الموافقة على المساعدات في أوقات الأزمات، "خوفاً من عدم قدرة أجهزة الدولة في هذا الوقت الصعب على مراقبة أو معرفة أبعاد وأهداف المنظمات والجهات التي ستدخل البلاد لتقديم المساعدات".
سردية الأزمة
ومن جهة أخرى فإن فتح الأبواب أمام المنظمات والهيئات والمساعدات الأجنبية في أوقات الكوارث يعني تعدد سرديات الأزمة، فبدلاً من سردية واحدة تقدمها الدولة المنكوبة حول حجم الدمار وأعداد القتلى والمصابين، تكون هناك سردية أخرى على القدر نفسه من الأهمية وهي سردية المنظمات من واقع ما يراه ويتعامل معه أفرادها أثناء تقديم المساعدة.
ولا يعتبر عبدالعاطي أن الـ "سوشيال ميديا" التي تقدم سردياتها الخاصة بها منافساً لهذه أو تلك، إذ إن الإعلام التقليدي والتصريحات الرسمية أو المهنية المدربة لا تزال الأكثر قدرة على تشكيل الرأي العام العالمي، "في حال لم تسمح الدولة المنكوبة بدخول منظمات الإغاثة الدولية، تكون التفاصيل الوحيدة المتاحة هي تلك التي تقدمها الدولة، لكن في حال وجود منظمات فإن الرأي العام العالمي، وكذلك التقارير الدولية التي يتم تحديد حجم المساعدات بعدها يعتمد على سردية المنظمات وربما مطابقتها بالسردية الرسمية".
ما فعله "نرجس"
سردية ميانمار عن إعصار نرجس الذي ضربها عام 2008 خير مثال، ففي هذا العام فجع العالم بما وصل إليه من مشاهد شحيحة من مآسي الإعصار، وعلى رغم تقديرات تشير إلى مقتل نحو 138 ألف شخص غالبيتهم من الأطفال، وعلى رغم مسارعة عدد من الدول إلى تقديم عروض بمساعدات إنسانية سريعة، إلا أن حكام ميانمار العسكريين رفضوها ولم يتيحوا معلومات حول خسائر الإعصار إلا ما رأوه مناسباً، ويرجح أن حجم المأساة الإنسانية وقتها تضاعف بسبب رفض المساعدات.
ويظل لرفض المساعدات أو قبولها وجه عاقل منطقي منزوع التسييس يعتمد على ما تحتاج إليه الدولة المنكوبة وما لا تحتاج إليه، وقد يسبب لها أزمة إضافية. ويطرح عمرو عبدالعاطي نقاطاً عدة عقلانية ترتكن إليها بعض الدول المنكوبة قبل اتخاذ قرارها.
"المسألة تتعلق بماهية المساعدة، هل نحن في حاجة إليها؟ هل الوضع يحتاج مساعدات مالية أم إيوائية أم بحثاً عن الأحياء أم تدخلات طبية وصحية؟ وهل الدول التي تعرض المساعدات قادرة على إيصالها في الوقت المناسب؟ وما طريقة التوصيل والتوزيع والإدارة؟ وغيرها كثير من النقاط بالغة الأهمية التي يتم إغفالها أحياناً، مما يفجر مشكلات إضافية".
ومن بين العوامل المؤثرة لقرار القبول أو الرفض ما لا يمكن ذكره بصورة رسمية، وأحياناً يميل الحس الشعبي إلى قبول مساعدات من دولة ما ورفضها من دولة أخرى، على رغم أن هذه الدولة الأخرى ربما تعرض مساعدات أكثر جدوى، وهنا يعود عامل السياسة المزمن ليفرض نفسه مجدداً.
ويضيف عبدالعاطي، "حتى في الكوارث مهما بلغت من فداحة، يتحتم على الأنظمة السياسية أخذ التوجه الشعبي في الحسبان، فرأي الشارع ينعكس ولو بصورة غير مباشرة في قرارات القبول والرفض، وإلا تعرضت السلطات السياسية للمساءلة أو المحاسبة أو حتى الانتقاد الشعبي بعد هدوء حدة الكارثة".
إجبار على المساعدة
ويبقى احتمال واحد في شأن المساعدات في أوقات الأزمات وقبول بعضها ورفض بعضها الآخر، فلو تعرضت دولة ما لكارثة مروعة ورفضت تماماً أية مساعدات من المجتمع الدولي، فهل يمكن إجبارها على تلقي المساعدة؟
والإجابة السريعة هي لا، لكن الإجابة المتأنية هي نعم، فبعد الحصول على موافقة مجلس الأمن، على رغم ضعف احتمال وصول الأمر لهذه الدرجة وعدم استحالته، إلا أن الدول لها سيادة ولا يجوز التعدي عليها إلا في حال تعرض الشعب للإبادة مثلاً، ويقول عبدالعاطي إن "التدخل الشرعي الوحيد في حال وقعت كارثة وتعرض الشعب إلى الإبادة بسبب رفض السلطات مثلاً التدخل الإنساني الدولي تماماً، فإن اللجوء إلى مجلس الأمن ربما يمثل المحاولة الأخيرة".
ويشار إلى أن رفض المساعدات الأجنبية أو تباطؤ قبولها ليس حكراً على الدول التي تحاول أن تظهر بمظهر القوة لا الضعف، أو حتى تلك الساعية إلى الحفاظ على سردية واحدة حول الكارثة، وعلى سبيل المثال لا الحصر فقد تباطأت اليابان في قبول المساعدات الأجنبية أعقاب زلزال عام 1995 المدمر، وقبلت بعضها ورفضت بعضها الآخر عام 2011 حين تعرضت لزلزال بلغت قوته 9.1 درجة على مقياس ريختر، وحتى الولايات المتحدة الأميركية رفضت تلقي مساعدات أجنبية في أعقاب إعصار كاترينا عام 2007.
النظام العالمي
الدول وقدراتها ورغباتها واختياراتها الخاصة بطلب وتلقي المساعدات في أوقات الكوارث والأزمات جزء من النظام العالمي والترتيب الهرمي للدول، إذ إن بعضها في قمة الهرم دلالة على القوة والمكانة العالية والقدرة على تقديم المساعدات الضخمة لدول العالم المنكوبة، وبعضها الآخر في منتصف الهرم أو قاعدته حيث التأرجح بين القدرة على عرض قدر من المساعدات للآخرين في وقت الكوارث والأزمات، وبين قبول أو رفض أو انتقاء المساعدات وقت تحولها إلى دولة منكوبة.
وتشير دراسة للباحثتين الأميركيتين أليسون كارنيغي وليندسا يدولان عنوانها "آثار رفض المساعدات على سمعة المستفيدين: أدلة من الاستجابات للكوارث الطبيعية" نشرت في دورية "مراجعة المنظمات الدولية" المتخصصة في الاقتصادي السياسي عام 2021، إلى أن دول العالم في ترتيب هرمي بناء على قوتها وبأسها، وضمن مكونات القوة قدرتها على تقديم وعرض المساعدات للغير في أوقات النكبات، وكلما زادت قدرة الدولة على تقديم المساعدات في الأزمات اكتسبت مكانة وأهمية دولية وسمعة نفوذ وسيطرة، كما توسع هامش فرصها الاستثمارية والتجارية المستقبلية.
وتشير الدراسة إلى اهتمام بعض الدول التي تضربها كوارث بالتركيز على صورتها باعتبارها قادرة على الاكتفاء الذاتي ونبذ شبح الضعف، "فالمانح يخلق صورة التفوق والقوة، والممنوح يحصل على مكانة الدونية والعجز، وهو ما يفسر أحياناً رفض بعض زعماء الدول المنكوبة تلقي المساعدات، وكذلك إلى عرض بعض الدول المساعدات حتى لو لم تكن الأقوى أو الأغنى أو الأكثر كفاءة في العالم".