انهالت الانتقادات ضد هيئة الحوار الوطني في الجزائر بمجرد الكشف عن هوية الأعضاء الواحد والأربعين الذين سيشكلون "هيئة الحكماء" لمهام استشارية تنطلق من محاورة فعاليات سياسية ومدنية.
وتمحورت الانتقادات حول مسار بعض الوزراء السابقين في فترة حكم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، أو بانخراط البعض في حملة الدفاع عن ولاية بوتفليقة الخامسة قبل إلغائها تحت ضغط الشارع.
وأعلنت لجنة الحوار والوساطة عن تشكيلة ما سمته المجلس الاستشاري ويضم 41 شخصية من وزراء سابقين ونقابيين وأكاديميين وفاعلين في المجتمع المدني ورجال أعمال، كاشفة عن أنها تقترح آليات حقيقية للخروج من الأزمة، ستعمل على إنجازها.
والآليات التي تقترحها الهيئة: الذهاب مباشرة إلى رئاسيات من عهدة رئاسية انتقالية ودستور جديد وانتخابات تشريعية مسبقة، على أن تُعقد الندوة الوطنية للحوار قبل هذه المواعيد وخلال السنة الحالية، فيما قالت الهيئة إن ولاة الجمهورية (ولاة المحافظات) لن يكون لهم أي دور في الانتخابات المقبلة مع إقصاء قيادات أحزاب النظام السابق من دون استبعاد المناضلين.
حرق البلد
بعد اقتحام شباب قيل إنهم من طلبة الجامعات، يقودهم ناشط شاب من جمعية "راج" التي ترفض ما تسميه سلطة الأمر الواقع، لمقر هيئة الحوار أمس السبت 17 أغسطس (آب)، عاد رئيس الهيئة كريم يونس، ليشرح ما حدث في مؤتمر صحافي صباح اليوم، مخاطباً الأطراف الرافضة للحوار بلهجة شديدة، متهماً إياهم بممارسة أحادية الرأي "ومحاولة حرق البلاد وإدخالها في وضعية صعبة".
وقال يونس "من لا يريد المشاركة في الحوار هو حر، لن نجبر أحداً على الحوار معنا بالقوة. من يسعى إلى حرق البلاد هو مسؤول وحده، لكنه لن يأخذنا معه لأنّنا لا نريد ذلك، بل نودّ إخراجها من المأزق السياسي الذي سيؤدي إلى نتيجة صعبة جداً على شعبنا".
وأضاف "نملك حقيقة واحدة، ومن يريد التزعم وفرض نفسه ويدّعي أنه يملك الحقيقة، نقول له أنت ظالم لأن الحقيقة هي تلك التي نبنيها جميعاً".
وأكد يونس أن الهدف من تنصيب اللجنة الاستشارية، "تعزيز عمل هيئة الحوار، واللجنة تمثل قوة اقتراح معبرة عن طريق المشاورة وإبداء الرأي وهي مجلس مكوّن من مختلف شرائح المجتمع من نخب وأشخاص خدموا وطنهم بإخلاص وتفان".
وهنّأ يونس، أعضاء اللجنة الاستشارية، قائلاً "نحيّي فيهم روح الاستجابة لنداء الواجب، والانخراط في مسار البحث عن حل توافقي، يضمن مساراً حقيقياً ونزيهاً، ووفق آلية مستقلة تعمل على إيجاد حلول للأزمة الراهنة".
وزراء سابقون وأنصار للولاية الخامسة
لكن ترحيب يونس بأعضاء الهيئة الاستشارية "الحكماء" ووصفه لهم بـ"الذين تفانوا في خدمة بلدهم"، لم يكن مقبولاً لدى مراقبين، فقد ضمت قائمة الـ41 أسماء ثلاثة وزراء سابقين، هم كمال بوشامة ومحمد عزيز درواز ومولدي عيساوي، إضافة إلى الدكتور عيادي عبد الرحمن، والبروفيسور جنان رشيد والنقابي ميلاط عبد الحفيظ وسيدة الأعمال سعيدة نغزة ورجل القانون والدستور السعيد بوشعير والخبيرين الاقتصاديّين فريد بن يحي وفارس مسدور وغيرهما.
وعلق البرلماني السابق يوسف خبابة على خطوات الهيئة إثر الكشف عن لجنة "الحكماء" أن "السلطة الفعلية تخطئ كثيراً إذا اعتقدت أنه يمكنها ركوب الحراك أو احتواءه من خلال اختلاق ممثلين مزيفين للحراك بأحزابه ونقاباته وجمعياته وشخصياته... إن تثمين الشعب لعزل بعض رموز النظام وإحالة بعض ملفاتهم إلى القضاء، لا يعني البتة قبوله بترتيبات أحادية الجانب لتنظيم انتخابات تسمح للنظام بأن يجدّد نفسه، فما عادت هذه الحيل تنطلي على عموم الشعب، فما بالك بنخبه حتى إن كان بعضها سبباً في استمرار النظام وفك الخناق عنه، كما يحدث الآن مع المهرولين إلى شبه لجنة الوساطة والحوار".
وعجّت مواقع التواصل الاجتماعي، بفيديوهات سابقة لبعض أعضاء اللجنة الاستشارية، ونالت سيدة الأعمال سعيدة نغزة، حقها من النقد بسبب دعوة سابقة لها إلى "الأب المجاهد عبد العزيز بوتفليقة الترشح لولاية خامسة"، وذلك على الرغم من خلافات نغزة العميقة سابقاً مع رجل الأعمال علي حداد ومنظمته المالية، إلا أن هذا لم يشفع لها في أن تكون بمعزل عن حملات الاستهجان.
وأضاف خبابة "أن الدفع بأسماء وشخصيات تفتقد الخبرة والمصداقية الكافية لتولي مهام جسيمة في هذه الظروف، يُعتبر خطأ إجرائياً جسيماً يجب تصحيحه لينسجم مع خطاب رئيس الدولة الذي وعد بالحوار واقتراح أشخاص يتمتعون برصيد تاريخي وعلمي وثقافي يمكّنهم من نيل ثقة الحراك، شخصيات تكون مفتاحاً لاستعادة ثقة الشارع وجسراً للعبور إلى انتخابات رئاسية شفافة".
في المقابل، علّق المحامي والناشط الحقوقي طارق مراح على التشكيلة المعلن عنها، "لا ترى لجنة الحوار مانعاً من استدعاء أحزاب التحالف البوتفليقي ودعاة الاستمرارية، بل ترى أنه ضروري لاستكمال مسار الحوار للخروج من الأزمة، وبهذا يكون النظام قد استجمع قواه وباتت هذه اللجنة سبباً في تقوية أحزاب الخراب وإقحامها في نظام الحكم مجدداً".
توزيع فئوي وجهوي
من وجهة نظر مقابلة، ولأن هيئة الحوار مرت بميلاد "عسير"، فإن داخلها مَن يعتقد بتحقيق شوط كبير بعدما وافقت الشخصيات الواحدة والأربعين على تولّي دور "الاستشارة" الداخلية، وبعضهم شارك في مناصب وزارية في السنوات الأولى لحكم بوتفليقة، أي في فترة قريبة من تولي كريم يونس رئاسة البرلمان (بين 2002 و2004 لم يكمل ولايته واستقال بعد خلاف مع رئيس الجمهورية).
وترى النواة الأولى لهيئة الحوار أن لهؤلاء الوزراء باعاً في التسيير "النظيف" لقطاعات حكومية وهم على دراية بمواقع الخلل التي حدثت لاحقاً، كما يشكل استدعاء سعيدة نغزة، على الرغم من ماضيها السياسي، مبعث مقترحات للأزمة الاقتصادية، تحديداً المجمعات الاستثمارية الخاصة التي تمر بمرحلة عصيبة إثر حبس ملاّكها في قضايا فساد.
وتوزعت اللجنة أيضاً على مناطق جهوية وعلى أكاديميين ورجال اقتصاد يحظون بقبول لدى الجزائريين، نظراً إلى ظهورهم المتكرر قبل الحراك الشعبي وأثناءه وهم في الغالب ينتقدون السياسات الاقتصادية لبوتفليقة ويقترحون بدائل تبدو قابلة للتطبيق.