ملخص
منصة "بلومبيرغ" بديلة عن "صيرفة" ومحاولة جديدة لتوحيد سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية
دخل لبنان رسمياً مرحلة تحرير سعر صرف العملة بعد ثلاثة عقود من اعتماد نظام تثبيتها مقابل الدولار الأميركي، وتشكل المنصة المنوي إطلاقها بالتعاون مع "بلومبيرغ" الأداة التنفيذية لهذه السياسة، وسيصبح قانون السوق والعرض والطلب هما محددا السعر الحقيقي للعملة الوطنية اللبنانية.
القرار اتخذ
يوم الخميس في السابع من سبتمبر (أيلول)، قرر مجلس الوزراء اللبناني إنشاء "منصة جديدة" لتحديد سعر الصرف، عوضاً عن منصة "صيرفة" التي توقف العمل بها، نهاية يوليو (تموز) الماضي، تاريخ انتهاء ولاية الحاكم السابق للمصرف المركزي رياض سلامة.
يأتي هذا القرار استجابة لمطلب حاكم المصرف المركزي بالإنابة وسيم منصوري الذي طالب بإنشاء منصة بديلة لـ"صيرفة" التي "تفتقر لمبادئ الشفافية والحوكمة"، كما يشكل انعكاساً للقرار المتخذ بوقف تمويل عجز الدولة من قبل السلطة النقدية، والتمسك بقانون النقد والتسليف لناحية التدخل استثنائياً في السوق عند الحاجة.
سيستغرق إطلاق المنصة بالتعاون مع "بلومبيرغ" قرابة الشهرين قبل دخوله حيّز التطبيق على أرض الواقع، حيث ستشهد الفترة الفاصلة عمليات تدريب وتنظيم وتنسيق بين المصرف المركزي والمصارف التجارية والصيارفة، ويقدّر حجم الكتلة النقدية التي ستكون موضوع العرض والطلب حوالى 60 تريليون ليرة لبنانية (الدولار يساوي حالياً في السوق السوداء حوالى 89900 ليرة)، أما السعر الحر للدولار فستعكسه "بلومبيرغ" وفق آليات السوق وعمليات البيع والشراء التي تتم من خلال المصارف.
نهاية عصر "صيرفة"
وطوى لبنان "حقبة صيرفة" التي استمرت نحو عامين، وقال الباحث الإحصائي عباس طفيلي "بلغ حجم التداول بواسطة منصة صيرفة 24.4 مليار دولار في نهاية يوليو 2024". وتشير الجداول التي أعدها طوال الفترة السابقة إلى حركة تصاعدية للمنصة، في حين بلغ حجم التداول 46.5 مليون دولار في يوليو 2021 وفق سعر التداول الوسطي 15200 ليرة لبنانية، تضاعف الرقم، في نوفمبر (تشرين الثاني) 2021، إلى 87 مليون دولار تقريباً مع سعر تداول وسطي 18700 ليرة لبنانية لقاء الدولار الواحد، أما في الشهر الأخير ديسمبر (كانون الأول) من عام 2021، فبات حجم التداول من المنصة 208.2 مليون دولار، ليبلغ مجموع التداول في نهاية 2021 مبلغ 446.8 مليون دولار أميركي.
وقاد الفرق الواضح مع سعر السوق الحرة إلى تحقيق أرباح كبيرة لجيوب المتداولين الذين كانوا يستفيدون من هذا الفرق الشاسع بين سعر منصة "صيرفة" والسوق الحرة في مرحلة القفزات الكبيرة والسريعة للدولار، وأدى هذا الأمر إلى ظهور شريحة "العاملين في صيرفة" الذين يتجمهرون أمام المصارف، حاملين حقائب الليرة اللبنانية من أجل إتمام عمليات التبديل عبر منصة "صيرفة."
واستمر نزف الاحتياطي بالعملات الأجنبية، خلال 2022، عبر المنصة التي يتحكم بها مصرف لبنان، وبلغ التداول عبر "صيرفة" رقماً ضخماً 11.72 مليار دولار، أما خلال العام الجاري 2023، فبلغ حجم التداول من خلال "صيرفة" 12.26 مليار دولار إلى حين توقف عملها.
منصة السوق الحرة
وحظي الإعلان عن منصة "بلومبيرغ" بترحيب الأوساط المصرفية والمالية انطلاقاً من مجموعة من المبادئ التي تأتي الشفافية في مقدمها، واعتماد السعر الحقيقي للعملة الوطنية مقابل الأجنبية، في مقابل بروز مواقف متحفظة لأن ظهور منصات كهذه قد يترافق مع قفزات كبيرة في سعر الصرف في السوق الحرة وخطر إلحاق الضرر بالفئات الهشة اجتماعياً واقتصادياً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وحدد الخبير المصرفي نسيب غبريل الهدف من منصة "بلومبيرغ" وهو "تحويل الطلب على الدولار من السوق الموازية إلى السوق الرسمية، ومحاولة توحيد أسعار الصرف، وانتهاء ظاهرة سعر الصرف المدعوم الذي كان يُعتمد عبر منصة صيرفة، والشفافية في العرض والطلب".
السوق سقف الدولار
ويقود ما تقدم إلى الحديث عن تعويم سعر الليرة اللبنانية، ما قد يجعلها عرضة لخضات كبيرة في ظل الاقتصاد المنهار والنمو السلبي، وتابع غبريل "لن تؤدي المنصة إلى حل المشكلة المالية في ظل غياب الإصلاح، لكنها قد تضفي شفافية لسوق الصرف"، لافتاً إلى "لعب مصرف لبنان دوراً مركزياً في عمل تلك المنصة، وكذلك المصارف التجارية والصيارفة والمؤسسة المالية التي ستستقبل الزبائن الراغبين بشراء الدولارات من أجل تسجيل طلباتهم وفق سعر الصرف المتحرر من الدعم مع إعطاء الأولوية للتجار والمستوردين وأصحاب المؤسسات"، لذلك "هناك حاجة للتعاون بين مصرف لبنان ووزارة المالية والجمارك لتأمين الشفافية وعدم التلاعب بعمليات الشراء والتحقق من أن طلب الشراء تقابله مواد مستوردة على الوجه الصحيح وليس أكبر من الحاجات". ولفت غبريل إلى "وجوب انتظار المنصة من أجل تقييم آليات عملها وأثرها"، لأن "تحرير سعر الصرف يحتاج إلى عوامل مساعدة لتحقيق الاستقرار، في الفترة الأخيرة تمكّن المصرف المركزي من امتصاص كميات ضخمة من الليرات اللبنانية، في مقابل ضخ كميات كبيرة من الدولار، ناهيك عن قرار واضح من مصرف لبنان لناحية وقف تمويل الدولة اللبنانية، الأمر الذي سيحرره من طلبات التدخل الطارئة لشراء الدولار ما ينعكس سلباً على سعر الصرف".
لا قيمة للمنصة من دون إصلاحات
وأكد غبريل ضرورة "بدء العملية الإصلاحية التي طالب بها حاكم المصرف المركزي بالإنابة، والتي تترجم من خلال إقرار حزمة القوانين التي تشكل نقطة بدء للعملية الإصلاحية من خلال مجلس النواب، على غرار العمل على إقرار مشاريع قوانين الموازنة، والكابيتال كونترول، وإعادة التوازن إلى القطاع المالي، وإعادة هيكلة القطاع المصرفي". وأضاف "لم تأت مشاريع القوانين المطروحة من بنات أفكار الحاكم بالإنابة ونوابه، وإنما هي جزء من الاتفاق المبدئي الذي وقعه لبنان مع صندوق النقد الدولي"، وأسف غبريل إلى نمط الاستدانة من المصرف المركزي، الذي اعتادت عليه السلطات في لبنان حيث "كانت الحكومات تستدين من أجل شراء الفيول للكهرباء، ودفع أجور موظفي القطاع العام، وتشغيل قطاع الاتصالات، وغيرها من الأمور"، معبّراً عن تأييده لمطلب حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري لناحية "وقف هذه السياسة"، مشيراً إلى أن "قيام الحكومة بفرض ضرائب كثيرة بالدولار ضمن موازنة 2024، ما هو إلا نتيجة لموقف المركزي بالتوقف عن تمويل الدولة وتغطية العجز"، و"دعوتها إلى تأمين الموارد من خلال مكافحة التهرب الضريبي والجمركي، وتفعيل الجباية، ووقف التهريب عبر الحدود بالاتجاهين، وفرض ضريبة استثنائية على كل من خزّن وهرّب البضائع المستوردة المدعومة".
بورصة بيروت هي البديل؟
في المقابل، برز طرح اعتماد "بورصة بيروت" لتكون بديلة لمنصة "صيرفة". وفي افتتاحية التقرير الشهري لجمعية مصارف لبنان، أكد الأمين العام للجمعية فادي خلف أن "من المنصات المطروحة حالياً منصات عالمية أثبتت فعاليتها عبر السنين"، لافتاً إلى أن "الرأي العام كان يميل إلى الاعتقاد بأن التعامل مع سوق القطع مرتبط بشخص الحاكم السابق، وأن التعامل مع منصات عالمية يتطلب فترة طويلة من الزمن لوضعها موضع التنفيذ في لبنان، لكننا ننسى أو نتناسى أن لبنان مجهّز بمنصة تعمل بنظام تداول عالمي اسمها بورصة بيروت"، وشدد خلف على أن منصة بورصة بيروت "قادرة على تأمين التداول الطبيعي بالدولار عبر طرق شفافة وسهلة وفي فترة قصيرة جداً"، متحدثاً عن إيجابيات وملاحظات أبرزها "التداول حالياً في بورصة بيروت بعدد من الأسهم ومنها سوليدير، ولا شيء يمنع من أن يتم إدراج الدولار عليها ليتم تداوله مقابل الليرة كأي أداة مالية أخرى"، كما أن "خصوصيات سوق الدولار في لبنان تتطلب تعديلات كبيرة على المنصات العالمية قد تأخذ وقتاً لا يستهان به، كما تتطلب فترة تجربة وتدريب قد تطول، فيما بورصة بيروت مربوطة بعدد لا بأس به من المصارف التي تدرّب موظفوها على مدى عقود من الزمن". وأكد خلف على "شفافية الأسعار والتداولات الفعلية المعلنة عبر شاشات بورصة بيروت وموقعها الإلكتروني، كما على المنصات العالمية المربوطة بها"، وصولاً إلى "نقل مركزية التسعير من أيدي وتلاعب كبار الصيارفة، المرخصين وغير المرخصين، إلى سوق رسمية مراقبة من مصرف لبنان".