ملخص
ما حدود فرص الإسلاميين في تشكيل الحكومة الأردنية المقبلة؟
تتكرر مفردة الحكومة البرلمانية منذ نحو عامين في الأردن بعد إنجاز منظومة التحديث والإصلاح السياسي التي أفضت إلى إصدار قانونين جديدين للأحزاب والانتخابات.
وعاد استحضار هذه المفردة بقوة إثر إعلان العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني عن انتخابات برلمانية جديدة العام المقبل، الأمر الذي طرح إمكانية تشكيل أول حكومة برلمانية في العهد الحديث للبلاد، وقد يكون للإسلاميين فرصة في ذلك. والسؤال هنا: هل المزاج الرسمي مهيأ لقبول الإسلاميين في الحكومة أو مساعدتهم على دخولها؟
لم يشهد التاريخ الأردني تشكيل حكومة برلمانية إلا عام 1956 حين شكلت حكومة برئاسة رئيس الحزب الاشتراكي آنذاك سليمان النابلسي ولم تدم طويلاً، فهل تكرر التجربة وتتحقق فكرة تداول السلطة، أم إن الشكل التقليدي للحكومات سيبقى سائداً؟
لا مؤشرات
لا يبدي النائب ينال فريحات أي تفاؤل بإمكانية تشكيل حزبه "جبهة العمل الإسلامي" الحكومة البرلمانية القادمة، يقول لـ"اندبندنت عربية"، إنه لا توجد مؤشرات على ذلك بتاتاً في ظل مضايقات رسمية ضد الناشطين في حزبه وفي جماعة الإخوان المسلمين التي يمثلها الحزب في البرلمان.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يعتقد فريحات أن الأردن ليس متأهباً بعد لمرحلة سياسية يجري فيها تداول سياسي للسلطة بهذا الشكل الديمقراطي، فالأمر قد يحتاج سنوات إضافية على رغم جاهزية حزبه والاستعدادات التي يقوم بها للانتخابات المقبلة. ويضيف فريحات أن الانتخابات البرلمانية الأخيرة لا تعكس الحجم الحقيقي لحضور الإسلاميين، متوقعاً أن تكون نتائج الانتخابات المقبلة أفضل من حيث عدد المقاعد، حيث يخدم قانون الانتخابات الجديد الأحزاب، لكن المناخ العام في البلاد لا يؤشر إلى ذلك.
ويشير فريحات إلى تحد كبير سيخوضه الإسلاميون في الانتخابات مع وجود توجهات لإقصاء حزبه عن المقدمة باعتباره أكبر الأحزاب وأكثرها تنظيماً وقدرة على حشد الجماهير، لكنه في الوقت ذاته قلق من تشريعات عدة سبقت الدعوة للانتخابات الجديدة كقانون الجرائم الإلكترونية الذي أشاع مناخاً سلبياً للحريات.
ويؤكد فريحات أن الإسلاميين منفتحين على كل الكتل والأحزاب السياسية وبإمكانهم إن كانت الظروف مواتية تشكيل حكومة ائتلافية مع أحزاب أخرى على مبدأ المشاركة لا المغالبة.
الفرصة لم تنضج
بدوره يقول النائب عمر عياصرة، إن مشروع التحديث السياسي في الأردن لم ينضج بعد إلى حد تشكيل حكومة برلمانية العام المقبل، مؤكداً أن الأمر يحتاج إلى "توقيت سيادي" مناسب. ويضيف النائب "البرلمان الـ19 أو الحالي هو توطئة، بينما سيكون البرلمان الـ20 في العام المقبل مختلفاً من حيث المقاعد الحزبية، وعليه لن يكون لأي تيار سياسي أو حزبي غالبية طاغية إلى درجة تشكيل الحكومة".
ويتابع عياصرة "البرلمان المقبل ذو هوية فردية ولكن ضمن نسبية حزبية أعلى من أي وقت مضى"، وعلى رغم ذلك يعتقد أن الإسلاميين لديهم فرصة في السنوات المقبلة لتشكيل حكومات برلمانية في حال سمح السياق السياسي وضمن ائتلاف حكومي، لكنه يستبعد أيضاً دخول الإسلاميين في تحالفات ائتلافية.
يشير العياصرة إلى أن فرصة الأحزاب الوسطية أكبر في البرلمان المقبل لتشكيل الحكومة، لأن المزاج الرسمي غير مهيأ بعد لقبول الإسلاميين في الحكومة أو مساعدتهم على دخولها.
وفق النائب فإن الإسلاميين سيحظون بوزن أثقل ومقاعد أكثر في الانتخابات المقبلة بسبب قدراتهم التنظيمية وثقلهم الجماهيري بخاصة في أوساط المكوّن الفلسطيني، إضافة إلى أن القانون الجديد للأحزاب سيخدمهم، لكنهم سيواجهون هذه المرة منافسة شرسة من الأحزاب الأخرى التي ظلت بمنأى عن التمثيل البرلماني لسنوات طويلة احتكر فيها الإسلاميون الغالبية تحت قبة البرلمان.
تاريخياً لم يكن الإسلاميون بعيدين من الحكومات الأردنية تماماً، فقد تولى كثير من أعضاء جماعة الإخوان حقائب وزارية بشكل منفرد، لكن الناشط والمحلل السياسي خالد الجهني يؤكد أن عام 1970 شهد أول وآخر مشاركة رسمية للإخوان المسلمين في الحكومات الأردنية، وتحديداً في حكومة مضر بدران، أما باقي المشاركات فكانت فردية وخارج الإطار التنظيمي.
وكانت جماعة الإخوان المسلمين شاركت في الحكومات الأردنية بشكل غير مباشر من خلال ذراعها السياسية "حزب جبهة العمل الإسلامي" الذي تأسس عام 1992. وتولى أعضاء في الجماعة لسنوات مضت حقائب وزارية عدة لم يكن من بينها وزارة سيادية، واقتصر الأمر على وزارات كالأوقاف والتنمية الاجتماعية والتربية والتعليم.
اعتذار وابتعاد
رداً على اتهام الإسلاميين بافتقادهم مشروعاً سياسياً أو اقتصادياً لإدارة المملكة، يؤكد الجهني أن التيار الإسلامي يمتلك كفاءات قادرة على إدارة البلاد عبر حكومة برلمانية، مضيفاً أن لديهم كذلك تجربة مهمة في إدارة أهم النقابات المهنية فضلاً عن بناء مؤسسات أهلية كبيرة وفاعلة.
يقول الجهني، إن الفرصة كانت مواتية للإسلاميين خلال فترة الربيع العربي حيث عرض عليهم الدخول في الحكومة الأردنية لوقف الاحتجاجات آنذاك، موضحاً أن الإخوان المسلمين لم يطالبوا بتشكيل أي حكومة في أي مرحلة من مراحل الدولة الأردنية، بدليل اعتذارهم عن تشكيل حكومة فيفترة الخمسينيات من القرن الماضي لحرصهم على المشاركة ضمن حال وطنية جماعية وبرنامج تشاركي.
ويعتقد الجهني أن القانون الذي ستجري بموجبه الانتخابات البرلمانية القادمة قوبل بمعارضة وانتقاد من قبل أطياف وتيارات سياسية كبيرة بسبب وجود فجوة ثقة بين الشارع والحكومة، معتبراً أن قانون الانتخاب على رغم إتاحته حيزاً جيداً للتمثيل الحزبي فإنه لا يمكن أي تيار سياسي وحزبي من الحصول على حضور قوي وفعال تحت قبة البرلمان بالتالي تشكيل حكومة برلمانية ائتلافية.
ويضيف "البيئة السياسية تشكل معضلة وتحدياً لهذا القانون"، معرباً عن اعتقاده بوجود معوقات داخلية وخارجية من شأنها تأجيل أي تجربة للحكومة البرلمانية في الأردن.
مناخ ملائم للحزبية
بدوره يعتقد وزير الشؤون السياسية والبرلمانية وجيه عزايزة، أن الأردن سيشهد مرحلة جديدة من العمل الحزبي بعد إنجاز منظومة التحديث السياسي التي أفضت إلى تعديلات دستورية وإصدار قانوني الانتخاب والأحزاب لتوسيع قاعدة المشاركة والانتقال إلى العمل المؤسسي البرامجي من خلال الأحزاب.
يؤمن عزايزة بأن تحقيق الهدف المنشود أردنياً وهو الوصول إلى الحكومات البرلمانية يقوم على دور فاعل للأحزاب عبر تقديم برامج واضحة للمواطن، بعد أن أتاحت الحكومة بيئة ومناخاً ملائماً لممارسة العمل السياسي والحزبي، ووسعت المشاركة السياسية للمرأة والشباب في العمل الحزبي، وأزالت كل العوائق والمخاوف من خلال تحصين القوانين الناظمة للعمل السياسي.
لكن النائب السابق وأمين عام حزب "تقدم" خالد البكار يرى أن الحياة الحزبية في حاجة إلى وقت أطول لتكون فاعلة ومثمرة وصولاً إلى الحكومات البرلمانية.
يرصد البكار تحديات عدة في هذا السياق، متوقعاً أن يحتاج الأمر إلى ثلاثة مجالس نيابية للوصول إلى مرحلة النضج السياسي وتشكيل الحكومات، بخاصة مع وجود مخاوف لدى المواطنين من الانتساب للأحزاب أو الانخراط بالحياة الحزبية، فضلاً عن تحديات مالية تعوق العمل الحزبي وتضعف مشاركتها في الانتخابات.
تاريخ الأحزاب والحكومات
تتوزع الأحزاب الأردنية إلى تيارات وائتلافات عدة، منها التيار المحافظ والوسط (القريب من السلطة)، والتيار الإسلامي أو ما يصنف باليمين، والتيار القومي واليساري.
مع تعديلات قانون الأحزاب الجديد خرج 19 حزباً من الحياة الحزبية الأردنية بعد انتهاء المدة التي حددها القانون لغايات تصويب الأوضاع، فيما تبقى 26 حزباً ستخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة.
ويعود تاريخ الحياة الحزبية في الأردن إلى عام 1919 حين انضم بعض الأردنيين إلى حزب "الاستقلال" السوري، وعندما أنشئت إمارة شرقي الأردن تم تأسيس فرع لهذا الحزب في الأردن، وشارك بعض أعضائه في أول حكومة أردنية برئاسة رشيد طليع عام 1921.
لكن أول حزب أردني خالص كان في عام 1927 وهو حزب "الشعب" الأردني، ومن ثم حزب "اللجنة التنفيذية للمؤتمر الوطني" عام 1929، ومنذ عام 1921 حتى يومنا هذا شكلت في الأردن 78 حكومة.