ملخص
• حرب أوكرانيا تعرقل مساعي الهند للتوصل إلى بيان ختامي توافقي للمجموعة
نجح رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي في تحويل الرئاسة الدورية الهادئة عادة لمجموعة الـ 20 إلى أداة للترويج لأهمية بلاده الجيوسياسية، وهو ما يسلط الضوء على بروز الهند كصوت رئيس على المسرح العالمي.
ويواجه دبلوماسيو البلاد الآن سباقاً مع الزمن للتوسط في التوصل إلى نتائج ملموسة متعددة الأطراف في قمة زعماء مجموعة الـ 20 التي ستعقد نهاية هذا الأسبوع في نيودلهي، والتي ستمثل نهاية رئاسة الهند التي استمرت لمدة عام لكتلة الاقتصادات الصناعية والنامية الرائدة.
ولم تتمكن الهند حتى الآن من تعزيز الإجماع على بيان مشترك من اجتماعات مجموعة الـ 20 السابقة في المسارات الرئيسة الأخرى التي دعت إليها، كما لم تتمكن الدول الأعضاء من الاتفاق على إجراء ملزم، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى اعتراضات روسيا والصين على اللغة التي تشير إلى الأزمة الأوكرانية.
وفي عام رائع للدبلوماسية الهندية شهد أيضاً تولي أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان الرئاسة الدورية لمنظمة "شنغهاي" للتعاون، فإن الهند تخاطر بعدم وجود كثير مما تقدمه لجهودها التي قد تؤدي بدورها إلى تقويض صدقية البلاد ورسائل مودي المحلية.
وقال الزميل البارز في شؤون الهند وباكستان وجنوب آسيا في مجلس العلاقات الخارجية في واشنطن العاصمة مانجاري تشاترجي ميلر لشبكة "سي أن بي سي" إن "الأمر المختلف في رئاسة الهند لمجموعة الـ 20 وما أذهلني هو كيف حولت حكومة مودي مجموعة الـ 20 إلى إعلان متواصل للهند وقيادته".
وأضاف في رسالة بالبريد الإلكتروني، "أحد الأخطار هو أنه من خلال رفع رئاسة الهند لمجموعة الـ 20 إلى هذا الحد فهناك الآن توقعات بأن تحقق الهند بعض الاختراقات الملموسة"، مضيفاً "تحاول الهند استخدام مجموعة الـ 20 للجمع بين الجنوب العالمي وتقديم نفسها كجسر بين الجنوب العالمي والغرب، لكن تبقى روسيا والصين مشكلة".
ومع غياب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الصيني شي جينبينغ عن الاجتماع الذي سيعقد في الفترة من التاسع وحتى الـ 10 من سبتمبر (أيلول) الجاري في نيودلهي، فإن احتمال تحقيق أي اختراق حقيقي يبدو قاتماً، ولم يعرف أن بوتين سافر خارج روسيا منذ أن أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال في مارس (آذار) الماضي ضده وحلفاءه بتهمة ارتكاب جرائم حرب في أوكرانيا.
والواقع أن شبح الحرب الروسية في أوكرانيا خيم على اجتماعات مجموعة الـ 20 على مختلف المسارات التي عقدتها الهند، وكانت تأمل في التوصل إلى توافق في الآراء في شأن مجموعة من القضايا بدءاً من الإطار التنظيمي للعملات المشفرة وحتى حل قضايا الديون المعيقة للبلدان النامية.
إصلاحات البنوك المتعددة الأطراف
وتشمل المجالات الأخرى التي ستناقشها قمة مجموعة الـ 20 في نيودلهي إصلاحات في البنوك المتعددة الأطراف كجزء من جدول أعمال القمة لتعزيز التقدم في التنمية المستدامة، فضلاً عن قبول الاتحاد الأفريقي كعضو في مجموعة الـ 20.
وعلى رغم موقفها المحايد في شأن الأزمة الأوكرانية لم تتمكن نيودلهي من التوسط في إصدار بيان مشترك واحد في أي من مسارات المناقشة الرئيسة منذ تولت رئاسة مجموعة الـ 20 في ديسمبر (كانون الأول) 2022، ولم تتمكن سوى من إدارة ملخص غير ملزم للرئيس والوثائق الختامية.
والواقع أن روسيا نأت بنفسها عن وضع الوثيقة الختامية خلال اجتماع يونيو (حزيران) الماضي في شأن قضايا التنمية في فاراناسي بسبب إشارات إلى الحرب في أوكرانيا، في حين قالت الصين إن نتائج الاجتماع يجب ألا تتضمن أية إشارة إلى الأزمة الأوكرانية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال رئيس مجموعة "أوراسيا" في جنوب آسيا خلال مقابلة عبر الهاتف من نيودلهي مع "سي أن بي سي" براميت بال تشودوري "لقد قبلت روسيا اللغة الأصلية في مجموعة الـ 20 في بالي، وفي الواقع لعب الدبلوماسيون الهنود دوراً رئيساً في الحصول على القبول الروسي لذلك".
وأضاف، "لكن منذ ذلك الحين شددت روسيا موقفها وانضمت إليها الصين لتقول إننا لا نقبل لغة الجسد الأصلية المأخوذة من قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة".
وقال تشودوري، "آخر ما سمعته هو أن الهند لا تزال تكافح من أجل التوصل إلى اتفاق في شأن نوع اللغة التي ستكون مقبولة لجميع الدول الـ 20، وإذا فشلوا في سد هذه الفجوة فقد نرى الفشل في إصدار بيان مشترك، وربما لن تكون هناك خطة عمل بعد ذلك".
وبحسب ما ورد فقد حذر وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، والذي من المقرر أن يمثل روسيا في قمة قادة مجموعة الـ 20، من أنه لن يكون هناك إعلان عام في الاجتماع في نيودلهي إذا لم يتم التعبير عن موقف روسيا.
ويصر الكرملين على أن حرب أوكرانيا هي "عملية عسكرية خاصة" في حرب وجودية ضد الغرب المصمم على إسقاط روسيا.
انتكاسة داخلية
وقد يشكل هذا انتكاسة لحكومة مودي التي عقدت أكثر من 200 اجتماع لمجموعة الـ 20 في أكثر من 20 مدينة في مختلف أنحاء الهند، وقال ميلر من مجلس العلاقات الخارجية "إنه في الواقع أمر رائع للغاية ويجب على المرء أن يمنح مودي وحزب ’بهاراتيا جاناتا‘ الفضل في تنظيم حدث عادة ما يكون نخبوياً ومقصوراً على فئة معينة، ورئاسة دورية كانت روتينية إلى شيء يمكن للبلاد بأكملها أن تفهمه وتفخر به"، في إشارة إلى حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم الذي يتزعمه مودي.
وستكون قمة مجموعة الـ 20 في نيودلهي أكثر من مجرد تزيين الشوارع باللافتات التي سلطت الضوء على اجتماعات مجموعة الـ 20 المختلفة، فيما استخدم مودي أيضاً هذه الاجتماعات لتنظيف المدن المضيفة والترويج للمنتجات المحلية وغير ذلك، وقال تشودوري من "مجموعة أوراسيا" إنه "على المستوى الوطني يحاول مودي تصوير ذلك على أنه اعتراف كبير بإنجازات الهند تحت قيادته في ظل رئاسته للوزراء، وأعتقد أن الرسائل كانت قوية ولكن من الصعب تحديد مدى الاستقبال، ومن الصعب قياسه كمياً."
السير على حبل دبلوماسي مشدود
يكمن الخطر الأكبر الذي يواجه مودي في عدم تحقيق إنجاز ملموس متعدد الأطراف خلال رئاسة مجموعة الـ 20 بعد كل ما تم إنجازه واستثماره، وسط مساع لتعزيز إرث ومكانة حزب بهاراتيا جاناتا القومي الهندوسي بعد عقد من السلطة وقبل الانتخابات الوطنية المقررة العام المقبل.
وأضاف تشودوري، "قد يكون هناك نوع من رد الفعل العنيف، أو قد تكون هناك درجة من السخرية بين الناخبين الذين يقولون لقد سمعنا كثيراً، ويبدو أننا أنفقنا كثيراً من المال، ولكن يبدو أنه لم يحدث شيء هنا حقاً".
ومع ذلك يمكن أن يشير مودي إلى أدلة أخرى على مكانة الهند كلاعب عالمي رئيس في عام شهد بروز نيودلهي كحليف استراتيجي للولايات المتحدة في استراتيجيتها في منطقة المحيطين الهندي والهادئ التي تهدف إلى كبح قوة الصين.
وسارت الهند على حبل دبلوماسي مشدود حتى عندما دفعت الصين إلى توسيع تحالف "بريكس" للدول النامية لبناء الدعم لتحالف واسع يهدف إلى تحدي الهيمنة الأميركية على النظام السياسي والاقتصادي العالمي.
وقالت كبيرة المحللين في وحدة الاستخبارات الاقتصادية سوميدها داسجوبتا، "ستواصل الهند الحفاظ على علاقات دبلوماسية صحية مع روسيا وسط اعتماد متزايد على واردات الطاقة في ذلك البلد"، إذ تعد موسكو المصدر الرئيس للنفط الخام في الهند.
دعم النفوذ الاقتصادي المزدهر للهند
وتأكيداً على الأهمية الاستراتيجية للهند استضاف الرئيس الأميركي جو بايدن مودي في يونيو الماضي في أول زيارة دولة لرئيس الوزراء الهندي إلى الولايات المتحدة، لكن درجة حرارة العلاقات الهندية - الأميركية لا تزال في ارتفاع وهي متناقضة في ظل المواجهة المستمرة بين الهند والصين، إذ كانت الهند قد وجهت إلى جانب ماليزيا والفيليبين وفيتنام وتايوان، انتقادات حادة للصين الأسبوع الماضي بسبب خريطة وطنية جديدة تدعي بكين أن الأراضي المتنازع عليها تابعة لها.
ومع تكثيف الولايات المتحدة جهودها للحد من عمليات نقل التكنولوجيا الاستراتيجية إلى الصين لأسباب تتعلق بالأمن القومي، فإن الهند ستستفيد من الشركات الأميركية التي تتطلع إلى تنويع سلاسل التوريد الخاصة بها على حساب الصين.
وأصبحت جهود شركة "أبل" لنقل تجميع منتجاتها من الصين أكثر إلحاحاً خلال القنوات القليلة الماضية مع اشتداد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، وانهيار اضطرابات سلسلة التوريد الناجمة عن سياسة بكين الخالية من فيروس كورونا.
ويعمل هذا التطور على دعم النفوذ الاقتصادي المزدهر للهند والذي يشكل الأساس لثقتها وحزمها على المستوى الجيوسياسي، ويتوقع صندوق النقد الدولي أن تصبح الهند أسرع الاقتصادات الكبرى نمواً في العالم هذا العام.