Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل ينقذ السد الأخضر الأراضي الزراعية في الجزائر؟

مشروع بيئي زراعي لمكافحة زحف الرمال نحو مناطق السهول والهضاب في شمال البلاد ويمتد على طول 1500 كيلومتر بعمق يصل إلى 40 كيلومتراً

يمتد السد الأخضر على مساحة 4.7 مليون هكتار موزعة على 13 ولاية جزائرية (مواقع التواصل)

ملخص

يرى مراقبون أن هذه العملية تحتاج إلى تخطيط ودراسة لتجنب الأخطاء المرتكبة في الماضي، بخاصة ما يتعلق بالتوجه نحو التشجير الاقتصادي باختيار أنواع الأشجار المثمرة التي تناسب تلك المناطق

تتآكل مساحات الغابات والغطاء النباتي في الجزائر بوتيرة متسارعة، وأصبح زحف الرمال من الصحراء في الجنوب نحو المناطق الشمالية بمثابة خطر حقيقي يهدد النظام البيئي في البلاد، بفعل التغيرات المناخية التي يعرفها العالم خلال السنوات الأخيرة.

وفقدت الجزائر آلاف الهكتارات من الغطاء الغابي والنباتي في السنوات الأخيرة، بسبب التغيرات المناخية والاحتباس الحراري وانجراف التربة والحرائق وموجات الجفاف القاسية التي ضربت البلاد، مما دفع الحكومة إلى الإعلان عن إعادة إحياء مشروع السد الأخضر لكبح ظاهرة التصحر التي أتت على مئات الآلاف من الأراضي الصالحة للزراعة.

تحرك حكومي

ودفع الوضع الرئيس عبدالمجيد تبون في أكتوبر (تشرين الأول) 2020 إلى إصدار أمر بإعادة تهيئة "السد الأخضر" وتوسيع مساحات تشجيره، وتنصيب الهيئة التنسيقية لمكافحة التصحر وإعادة بعث "السد الأخضر" في أكتوبر 2021.

و"السد الأخضر" مشروع لإنجاز حاجز طبيعي من ملايين الأشجار، تم البدء فيه مطلع سبعينيات القرن الماضي، وكان الهدف منه مواجهة التصحر وزحف الرمال من الصحراء نحو شمال البلاد، لكن المشروع توقف لسنوات قبل إعادة بعثه من جديد.

ويعد السد الأخضر بمثابة مشروع بيئي زراعي لمكافحة زحف الرمال نحو مناطق السهول والهضاب شمال البلاد، ويمتد على طول 1500 كيلومتر بعمق يصل إلى 40 كيلومتراً في بعض المناطق.

وفي سبتمبر (أيلول) 2022، قررت الحكومة الجزائرية خلال اجتماع لها إعادة مشروع تهيئة وتوسيع وتطوير هذا السد، بحسب ما أفاد به بيان حكومي، ذكر أن وزير الفلاحة والتنمية الريفية "قدم عرضاً حول مدى تقدم هذا المشروع، الذي يكتسي طابعاً وطنياً واستراتيجياً، حيث يمتد عبر 13 محافظة"، لمواجهة ظاهرة التصحر بتشجير أكثر من 200 ألف هكتار في إطار برنامج يمتد لعام 2030.

مقاربة جديدة

وكشفت مديرة مكافحة التصحر والسد الأخضر في المديرية العامة للغابات، صليحة فرطاس، عن غرس 26 مليون شجيرة في إطار البرنامج الأخضر لسنوات 2020-2023، مع شروع وزارة الداخلية في تحقيق يتم من خلاله جرد جميع الأراضي غير المستغلة الواقعة ضمن محيط السد الأخضر، وذلك في إطار تثمين جميع مساحات السد الأخضر ومنها الأراضي التابعة للخواص.

وأضافت في تصريحات صحافية أن السد الأخضر الذي يمتد على مساحة 4.7 مليون هكتار موزعة على 13 ولاية، يتكون من 63 من المئة من المساحات الرعوية بمساحة تفوق 2.33 مليون هكتار من العلف، موضحة أن المساحة الفلاحية قدرت بـ768 ألفاً و591 هكتاراً، أي ما يعادل 16 من المئة من المساحة الإجمالية لهذا الإنجاز الغابي.

وترتكز المقاربة الجديدة المتعددة الأبعاد للسد الأخضر – بحسب المتحدثة - على غرس أنواع خلاقة للثروة ومقاومة للتصحر وحرائق الغابات، من بينها الأشجار الريفية على غرار الزيتون وأشجار الفستق واللوز والخروب، وشجرة التين الشوكي التي تشكل حاجزاً طبيعياً أمام حرائق الغابات، فضلاً عن فائدة أوراقها المستعملة كعلف للماشية.

تمويل دولي

ويرى مراقبون أن هذه العملية تحتاج إلى تخطيط ودراسة لتجنب الأخطاء المرتكبة في الماضي، بخاصة ما يتعلق بالتوجه نحو التشجير الاقتصادي باختيار أنواع الأشجار المثمرة التي تناسب تلك المناطق.

وتقدمت الجزائر عام 2018، بطلب لدى الصندوق الأخضر للمناخ من خلال برنامج الأمم المتحدة الإنمائي من أجل مرافقتها في إعداد المخطط الوطني للتكيف مع المتغيرات المناخية الذي يعد من الأولويات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي أبريل (نيسان) 2022، تمكنت الجزائر من الحصول على تمويل يقدر بثلاثة ملايين دولار لإنجاز هذا المخطط، حيث تم بتاريخ 15 أغسطس (آب) 2023 الإمضاء رسمياً على وثيقة إطلاق هذا المشروع، الذي يهدف إلى معالجة تأثيرات الاحتباس الحراري والتقلبات المناخية التي أثرت على قطاعات كثيرة في البلاد.

أبعاد خطرة

ويقول المتخصص الجزائري في شأن الفلاحة محمد باديس إن موضوع التصحر في الجزائر قديم متجدد، حيث تعود مشكلة زحف الرمال من المناطق الصحراوية نحو الأراضي الزراعية في الشمال إلى فترة بعد الاستقلال (1962)، وأخذت أبعاداً أكثر خطورة خلال العشرية الأخيرة.

وأوضح باديس أنه إضافة إلى العامل البشري هناك عوامل طبيعية عرقلت مساعي الحكومة لتحسين الإنتاج الفلاحي وتحقيق الاكتفاء الذاتي على غرار الجفاف، وأصبح آثار الاحتباس الحراري واقعاً يومياً في حياة المواطن.

وأشار إلى جهود الحكومة الجزائرية في محاربة تصحر الأراضي الصالحة للزراعة عبر إطلاق مشروع السد الأخضر عام 1971، إلا أن نتائجه كانت محدودة بسبب وجود أخطاء تقنية تتمثل في غياب دراسة علمية للمشروع، حيث اقتصر هذا الأخير على غرس صنف واحد فقط من الأشجار هو الصنوبر الحلبي، لكن هذا النوع تعرض إلى آفة تسببت بها حشرة قضت على مساحات كبيرة من الغابات.

وأضاف أن الأشجار المغروسة لم تكن تتلاءم ومناخ كل منطقة خصوصاً أن مساحة السد الأخضر تاخطى الحدود التونسية شرق البلاد إلى الحدود المغربية، مشيراً إلى أن الجيش الجزائري هو من أشرف على المشروع منذ انطلاقه إلى غاية الثمانينيات حين انتقل إلى وزارة الفلاحة.

ويرى محمد باديس أن المشروع أصبح ضرورة حتمية في الوقت الحالي، حيث عملت الحكومة على ضخ مبلغ 79 مليار دينار (578 ألف دولار) لإعادة تأهيل السد بمعطيات تقنية وعلمية جديدة، تأخذ بعين الاعتبار مقاربة اقتصادية واجتماعية.

حلول مستعجلة

من جهتها، قالت المتخصصة الجزائرية في مجال البيئة بسمة بلبجاوي إن مشروع السد الأخضر يشكل ثروة نباتية هامة أسهم في الاقتصاد الرعوي والغابي في المناطق التي يغطيها، إلا أن التغيرات المناخية والرعي الجائر والعشوائي وصعوبة مراقبة المساحات الشاسعة حالت دون تحقيق النتائج المحددة منه.

وأشارت بلبجاوي إلى أن الأشجار المغروسة في السد تقتصر على الصنوبر الحلبي، وهي شجرة شديدة الاشتعال تسببت الحرائق في تآكل مناطق غابية كبيرة في وقت وجيز.

وذكرت المتحدثة أن مساحة الغابات في الجزائر تتراجع بشكل رهيب ولا تتجاوز حالياً نسبة اثنين في المئة من المساحة الكلية، حيث فقدت البلاد أكثر من 200 ألف هكتار من الغطاء النباتي خلال السنوات الثلاث الأخيرة.

وأضافت أنه من المعروف أن الغابات تحد من التغيرات المناخية لأنها تعد بمثابة رئة الكرة الأرضية، وتمتص غاز ثاني أكسيد الكربون وتفرز الأوكسجين، بالتالي تقلل من نسبة انبعاث الغازات المتسببة في الاحتباس الحراري، وتحمي تكون أنظمة أيكولوجية متكاملة ومتنوعة، وإذا حدث خلل في واحد من هذه الأنظمة أو انقرض نوع معين، سيؤثر ذلك على الإنسان لا محالة.

وأفادت بأن مفهوم التصحر لا يقصد به زحف الرمال فقط، إنما يعني بصفة أدق عدم قابلية التربة للزراعة، إذ نجد مساحات في الشمال أصبحت بوراً بسبب التلوث الصناعي والمبيدات الحشرية والأسمدة الكيماوية.

وتقترح بلبجاوي وضع دراسة معمقة لإعادة تأهيل السد الأخضر، تراعي المقاربات اقتصادية واجتماعية لسكان المناطق المحاذية للسد، ومنحهم امتياز استغلال مساحات من السد لغرس أشجار مثمرة والأعشاب العطرية والطبية، ومنع الرعي العشوائي، وتنويع الأشجار المغروسة لتفادي الحرائق الكبرى، وإقحام منظمات المجتمع المدني في الغرس، ورفع مستوى الوعي لدى السكان بأهمية التشجير والحفاظ على البيئة.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير