Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تونس إلى أين؟

ماذا لو نجح حزب النهضة في اجتياح الانتخابات؟

ينتظر التونسيون ديمقراطية ما بعد ثورة الياسمين (أ.ف.ب)

تونس في الجغرافيا، جيبٌ مدسوسٌ في الصحراء الكبرى، بين الجزائر وليبيا، وفي الأسطورة جلد ثور: حيث اشترى الفينيقيون، القادمون من لبنان، قطعة من الأرض بمساحة جلد، من السكان المحليين، لكن الأميرة الفينيقية عليسه، مؤسسة قرطاج، أخذت الجلد، فقصته كخيط، ما على امتداده، صارت مساحة الأرض، التي اشترى المهاجرون الفينيقيون، قرطاج، فالدولة القرطاجنية، بنيت على هذه الخدعة، ومن هذا فإن قرطاج/ تونس ابنة الجغرافيا، ما جعلت هذه القطعة الصغيرة من الأرض مستقراً، وغدت تونس الخضراء، وفي هكذا جغرافيا، وُلد التاريخ المُحاصر، بالرقعة الصغيرة: جلد الثور.

جلد الثور هذا حكم تونس، وفي العصر الحديث، كانت تونس كمستعمرة فرنسية، مستقرة وشبه معزولة عن محيطها، فقاد استقلالها محامي خريج السوربون، فجاء استقلالها كعملية مفاوضات، فتوافق، بين المحتل وقائد الاستقلال رجل القانون، مما وفر للحبيب بورقيبة أن يكون زعيماً منفرداً، مثله الأعلى أتاتورك من عزل تركيا عن تاريخها وقبل عن جغرافيتها، ما وفر لبورقيبة جلد الثور.

 بورقيبة المجاهد الأكبر، بورقيبة الرئيس مدى الحياة، لم تواجههُ منغصات غرق فيها جيرانه بأثر انتقام الجغرافيا وتسلط التاريخ. ولهذا فإن زين العابدين بن علي، كرجل أمن، قام بانقلاب الابن بالتبني، على الأب الميت الحي، ولم يكن له أن يغير المسار البورقيبي، الناجح في إدارة الدولة، والنأي بها عن الأمواج المتلاطمة، لمحيط المنطقة المتفجرة.

انقلاب بن علي جاء سلساً، لدرجة أن الأغاني، ما كانت تذاع من الإذاعة التونسية، ساعة الانقلاب، أغاني فيروز، وإسقاط النظام وحتى رحيل بن علي، كذلك جاء سلساً.

 ولذا كنيت الثورة التونسية، في الربيع العربي بثورة الياسمين. وعلى الرغم من أن الربيع العربي، قلب المنطقة عن بكرة أبيها، فإن تونس وقاها جلد الثور من نيران ذلك الربيع، وعليه سرعان ما قام، الجار الأكبر/ الجزائر، والمستعمر السابق الراعي/ فرنسا، بتوفير مكان التفاوض، والدعم للشيخين، ما أفرزت ثورة الياسمين: الشيخ البورقيبي الباجي قايد السبسي، والشيخ المعارض راشد الغنوشي، (الوجه الآخر للعُملة البورقيبية)، مدعومين بالمنظمة، التي لا مثيل لها في المنطقة، حامية الوفاق: اتحاد الشغل التونسي.

جلد الثور الكاشف

الرقعة الصغيرة، لم توفر للتونسيين المعاش، كان من هم في زيادة معقولة، يثقلون على جلد الثور، ولذا تونس بلاد طاردة، لا مستقطبة كمصر مثلاً، حتى أن أبناءها المتطرفين، هاجروا الى سوريا وليبيا وغيرهما.

 وعليه فإن الرقعة الصغيرة الرحبة، يضيق العيش فيها، وما يتوافر في تونس يأتي البعض منه كهبات ودعم، من فرنسا، ومن الجارين ليبيا والجزائر، ودول الخليج وحتى تركيا، وهذا وفر لدولة ثورة الياسمين، حداً أدنى من الاستقرار معاضداً جلد الثور، وكما بَينتُ فإن الجغرافيا، جعلتْ التاريخ، مُنساباً من دون قلاقل تُذكر.

اليوم تونس، تلج مفارقتها الثانية، الانتخابات الأولى في الجمهورية الثانية، فديمقراطية ما بعد ثورة الياسمين! وهي انتخاباتٌ لا مثيل لها، في تاريخ تونس، وفي المنطقة العربية، مع إضافة تونسية فولكلورية، ترشح الشيخ مورو، بعمامته ولباسه التونسي الشعبي، وهو في غير ذلك لا يخالف النهج البورقيبي.

تونس اليوم، مع الانتخابات التشريعية والرئاسية، لن تغير النهج وإن غيرت الطريقة، والدليل أن انقلاب رجل الأمن زين العابدين، ومن ثم إسقاطه بثورة الياسمين، لم يغير السبيل البورقيبي، بل وطده الانقلاب ثم زادت ثورة الياسمين بصبغه، عندما أعادت انتخاب الحبيب بورقيبة، متمثلاً في وريثه الشرعي الباجي قايد السبسي، من مشي مرتجلاً في جنازته، المرشح لورثته الشيخ عبد الفتاح مورو.

تونس أمس، اليوم، غداً، أما دوافع التوكيد هذا، فقد أسهبت في دوافعه الداخلية، لكن وضحت أن الدوافع الداخلية هذه محفزة للدعم الخارجي الإقليمي والدولي، بخاصة مع فرنسا ماكرون من يلبس لبوس ديغول، وقد كنتُ مشاركاً في ندوة بتونس، من المشاركين فيها، المندوب البلجيكي في الاتحاد الأوروبي، من قال بالحرف الواحد، تونس مَهمةُ المحافظةِ على أمنها واستقرارها، مهمة أوروبية، وحتى مَهمة بلجيكية.

السؤال المطروح: مات أحدُ الشيخين، صاحبَي الوفاق، وبقي الشيخ راشد الغنوشي، زعيم النهضة، الإستراتيجي البارع، والتكتيكي الماكر، من ذهب عن قصر قرطاج، إلى البرلمان، ثم دفع برفيقه ونائبه الشيخ عبد الفتاح مورو، لأجل دخول قرطاج، ماذا لو نجح حزب النهضة، في اجتياح الانتخابات، وفاز في المضمارين، الشيخ الغنوشي برئاسة مجلس النواب، والشيخ مورو برئاسة قرطاج؟.

في تقديري أن الغنوشي، اضطر للزهد بقصر قرطاج، غصباً، لدوافع عدة والدولية على رأسها، وأن المعطيات جملة لم تعد، تجعل الرياح تأتي كما تشتهي السفن، ولذا فإن زعيم التيار الديني التونسي جنح للخروج بماء الوجه، وما الزج بمورو في اللعبة، إلا لأن لسان حال المعطيات جملة: إن اللعبة انتهت.                                     

المزيد من آراء