Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كارلوس غصن صعد بثلاثية السيارات وسقط بثلاثية "مانغا" و"تاتامي" و"مؤامرة القصر"

حقق كارلوس غصن، المدير السابق لثلاثية نيسان- ميتسوبيشي- رينو، ما يفوق أحلام الطالب الصغير في مدرسة في جبال لبنان. ومع استقالته من رئاسة "رينو"، تبدّد الحلم الذهبي لعملاق الأعمال والبطل الخارق في أحلام كتب "مانغا" اليابانيّة المصورة.

خيال قاتم لسجن تحوم حوله أشباح… الخيانة! (indiannewsexpress.com)

ثمة لمسة كأنها من عالم الأساطير، لا تنفك تلامس قصة صعود كارلوس غصن إلى قمة شاهقة في عوالم السيارات والأعمال وبروزه رمزاً لنخبة معولمة فائقة الثراء، وهبوطه المفاجئ إلى زنزانة يابانيّة ينام فيها على حصيرة قاسية تشتهر باسم "تاتامي" في بلاد "الشمس الصفراء". وعندما نجح في إنقاذ شركة "نيسان" للسيارات من الإفلاس وقيادتها لتكون واسطة العقد في تحالف ثلاثي مع شركتي "ميتسوبيشي" اليابانيّة و"رينو" الفرنسيّة، بدا أن إنجازاته فاقت أزهى أحلام الطالب الصغير السابق في مدرسة "سيدة  الجمهور" في جبال لبنان. ومع استقالته التي تقدّم بها في 24 يناير (كانون الثاني) الحالي، من زنزانته، من إدارة شركة "رينو"، سقط الركن الأخير من منصبه كرئيس للثلاثي الشهير للسيارات. إذ إن شركتي "نيسان" و"ميتسوبيشي موتورز" أقالتاه من رئاستيهما مباشرة عقب اعتقاله المفاجئ في مطار طوكيو في 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2017.
 ولم تتخذ شركة "رينو" إجراءً مماثلاً، على رغم حضّ الحكومة الفرنسية لها تكراراً على حسم مسألة خلافة غصن في رئاستها. وفي 24 يناير الجاري، أعلنت إدارة "رينو" تعيين تييري بولوريه (55 عاماً) رئيساً تنفيذياً للشركة، إضافة إلى تعيين جان دومينيك سينار (64 عاماً) رئيساً لمجلس الإدارة، بديلاً لغصن. ويملك سينار خبرة إضافية جاءت من عمله في شركة "ميشلان" المختصة في صناعة إطارات السيارات وتكنولوجيا الخرائط الرقمية للمواصلات. واستبق غصن قرار "رينو" بأن أبلغ إدارتها استقالته من رئاستها "كي تتمكن من إدارة شؤونها"، وُفق ما نُقل عن غصن الذي ما زالت فصول اعتقاله المثير تتوالى من دون وضوح أفقها النهائي. 
كيف يكون وقع تعيين سينار وبولوريه على قطب الأعمال الفرنسي- اللبناني- البرازيلي القابع في زنزانة ضيقة (12 متراً مربعاً) كانت زوجته اللبنانية كارول غصن قد شكت من قسوة ظروف العيش فيها؟

من كان بروتوس في "مسرحية" سقوط غصن؟
هل يخطر في باله أنها الأسطورة القديمة عن خيانة الأصدقاء، خصوصاً أنه يمضي وقته في قراءة الكتب (بينها كتاب "تعاليم بوذا") والروايات؟ هل يدمدم في قرارة نفسه "كلّهم بروتوس": الصديق الخائن الشهير في مسرحية وليام شكسبير "يوليوس قيصر"؟ 
في باريس، يصعد صديقه السابق بولوريه الذي قضى حياته المهنية في عوالم السيارات، وعمل طويلاً في آسيا بما فيها السنوات التي عمل فيها تحت إشراف غصن نفسه، خصوصاً عندما نجح الأخير في نسج تحالف بين "رينو" و"نيسان" اليابانيّة. والمفارقة أن خبرة بولوريه في آسيا أعتُبِرَت نقطة لمصلحته في اختياره ضمن الإدارة التي خلفت غصن في "رينو"! 
هل يفكر أن اعتقاله العنيف في مطار طوكيو، الذي وصل إلى حد تمزيق مقاعد سيارته الخاصة بحثاً عن أدلة أو أدوات اتصال متطوّرة، هو أقرب إلى مؤامرة القصر ربما قادها هاري ندا مساعده السابق في "نيسان"، بل ربما يكون الأقرب إلى شخصيّة بروتوس، صديق قيصر الذي غدره؟ كانت "نيسان" قصراً يتسيّده غصن، من دون أدنى مواربة، بل واسطة العقد في التحالف الثلاثي الذي نسجه، وأعطاه هالة أسطوريّة إلى حدّ أن قصّته رُسِمَتْ في كُتُب الأطفال المصوّرة (تسمّى "مانغا" باليابانية) في العام 2002، مع حكايات الأبطال الخارقين وشخصيات الأساطير القديمة. وكذلك بلغ حب اليابانيين له أن أطلقوا اسمه على إحدى الوجبات السريعة، فصارت وجبة "غصن بينيتو" الأثيرة لدى الشباب الياباني. لم يكن ذلك عبثاً، إذ بدا غصن منذ مطلع الألفية الثالثة في صورة البطل المنقذ لتلك الشركة اليابانيّة، التي كانت تنوء تحت عبء ديون بقرابة 30 مليار دولار. وفي 1999، أقنع غصن "رينو" بشراء 37 في المئة من أسهم "نيسان" مقابل 5.4 مليار دولار. وعلى صهوة تلك الأموال، وصل غصن إلى اليابان ليصبح رابع شخص غير ياباني يترأس شركة "نيسان". وأنقذت مهاراته الإدارية والتكنولوجية تلك الشركة التي صعدت من حافة الإفلاس إلى قمة تحقيق أعمال بقرابة مئة مليار يورو سنوياً. وسرت في اليابان موجة تقليد لطريقة غصن في الملابس ووضع النظارة الشمسيّة، ما كرّسه نجماً وقطباً مالياً. وأقرّ بقدراته الخارقة مدير شركة "تويوتا" المُنافسة، بل صار أول أجنبي يمحنه إمبراطور اليابان وساماً وطنياً رفيعاً. ودوّن غصن بنفسه قصته مع "نيسان" في كتاب باللغة الانجليزية عنوانه "التحوّل: النهوض التاريخي لشركة نيسان". 
وفي 2010، أشرف غصن على مشروع متطوّر تكنولوجياً رصد له قرابة 5 مليار دولار، وأدى إلى إنتاج سيارة "ليف نيسان" الصديقة للبيئة، وكانت أول سيارة كهربائية للشركة.
وفي 2016، صعدت "نيسان" إلى ذروة أخرى، عندما استحوذت على 34 في المئة من أسهم شركة "ميتسوبيشي"، وصارت المالك الأول للأسهم فيها. وصعد غصن إلى قمة أخرى بأن أصبح رئيساً لثلاث شركات عالمية كبرى في صناعة السيارات. وامتلك ذلك التحالف الثلاثي ذراعاً روسيّة عبر علاقة مع شركة "افتو فاز"، التي تصنّع سيارة "لادا" الشهيرة، بعدما أنقذها من صعوبات مالية كبرى، وكان يشغل منصباً رئيساً في إدارتها. 

 

شبح ماليزي- بريطاني؟ إنه هاري ندا
من علو قمة نجاحه الباهر، ربما لم تلحظ عينا غصن ذلك الشبح الخفي الذي كان يدور في أروقة قصره، أو بالأحرى على بعد رمية حجر من منزله الشخصي الفخم! لم يكن الشبح سوى صديقه المقرب ومساعده الأول هاري ندا، الذي قاد تحقيقاً سرياً قبل عشرة أشهر من اعتقاله. ووفق ما ورد في صحف بريطانيّة، أخيراً، شارك خمسة مدراء من "نيسان" في تلك التحقيقات التي وفرت معطيات استند إليها القضاء الياباني للتحرك ضد غصن. 
ودخل غصن السجن مواجهاً تهماً تتضمن إخفاء جزء من دخله (قرابة 46 مليون دولار) بين عامي 2010 و2015 في بيانات قدمها إلى المساهمين في التحالف الثلاثي الذي كان يترأسه، بل إنه كرّر الأمر نفسه في بيانات قدمها بين عامي 2015 و2018 عن دخله، الذي يقارب المبلغ السابق. وكذلك وجه المدّعون اليابانيون تهمة تتعلق بضلوعه في مخطط معقد هدفه تحميل شركة "نيسان" خسائر مالية عانتها مشاريع خاصة به، نجم عنها أنه لجأ إلى مموّل سعودي كضامن له، وحول إليه مبالغ من حساب تابع لشركة "نيسان". وكذلك ظهرت تهم غير رسمية له تتعلق باستخدام أموال "نيسان" في شراء منازل فخمة في بيروت وريو دي جينيرو، وحصول شقيقته على 755 ألف دولار لصالح "مجلس استشاري للتبرعات العالمية"، وهي هيئة يُعتقد أنها وهمية!
وفي سياق رفضها المتكرر للإفراج عنه، كررت النيابة العامة اليابانية تهمة "خيانة المسؤولية واستغلال الثقة"، بل أنها لم تقبل الافراج عنه مقابل ارتدائه سوار تعقّب إلكتروني والتخلي عن جوازاته الثلاثة البرازيلية والفرنسية واللبنانية. وتتولى قضيته وحدة المدعي العام في طوكيو، التي يقودها الخمسيني هيروشي موريموتو الذي يوصف بأنه "الرجل النظيف" و"أقوى الأقوياء". ولا تحقق هذه الوحدة سوى في القضايا الكبيرة.
وهناك اهتمام لبناني بقضية غصن، يتجاوز كثيراً الأُطر الرسمية التي لم تفلح سوى في إدخال فرشة رقيقة لتوضع فوق حصيرة "تاتامي" في زنزانته. وإضافة إلى كونه برازيليّاً من أصل لبناني، وهو وُلِدَ في 9 مارس (آذار) 1954 في مدينة "بورتو فاليو" البرازيلية لأسرة لبنانية مهاجرة، سافر إلى بلد الأرز وهو طفل في سن السادسة بهدف متابعة التعافي من مرض وبائي أصابه في عمر السنتين، وأكمل دراسته الإعدادية في مدرسة "سيدة الجمهور" العريقة.
هل يكتب غصن الفصل الأخير في أسطورته على طريقة بطل "الأوديسية" بالعودة إلى الوطن، فيكون لبنان هو "إيثاكا" كارلوس غصن؟    
 

المزيد من اقتصاد