ملخص
خطة الإنقاذ تبدأ بإصلاح الشركات الحكومية ومعاشات التقاعد وتجديد النظام المالي
بعد ثلاثة أعوام من عمليات الإغلاق الصارمة بسبب سياسة "صفر كوفيد" رجح المحللون أن يتعافى الاقتصاد الصيني بسرعة هذا العام، لكن حزمة البيانات الأخيرة تشير إلى خلاف ذلك، فقد نمت مبيعات التجزئة والإنتاج الصناعي والاستثمار في يوليو (تموز) الماضي بوتيرة أبطأ من المتوقع، ومن ناحية أخرى أدى انخفاض إجمالي الطلب إلى فرض ضغوط انكماشية على اقتصاد الصين.
ترى مؤلفة كتاب "فهم الاقتصاد الصيني" تاو وانغ، وهي خبيرة اقتصادية سابقة في صندوق النقد الدولي وتشغل حالياً منصب عضو منتدب وكبيرة الاقتصاديين الصينيين في بنك "يو بي إس"، أنه كان من المفترض أن يكون 2023 العام الذي ينتعش فيه اقتصاد الصين وكانت التقديرات مدفوعة بانتعاش الاستهلاك بقيادة عودة الأنشطة الاقتصادية لطبيعتها وتحسن سوق العمل واستقرار القطاع العقاري.
ونما اقتصاد الصين في الربع الأول كما كان مرجحاً إلى حد كبير وفي حالة العقارات والصادرات، كانت أفضل قليلاً من المتوقع.
ومع ذلك ومع دخول الربع الثاني تعثر نشاط العقارات في ظل بدء مبيعات الإسكان بالانخفاض بشكل أكبر، وعندما واجهت الحكومات المحلية تحديات تمويلية قامت بتشديد الإنفاق المالي، الأمر الذي أدى أيضاً إلى تقييد النمو، وعلى هذه الخلفية بدأ القطاع الصناعي بالتخلص من المخزون وتباطأ انتعاش الاستهلاك في الربع الثاني، ونتيجة لذلك تراجع النمو الاقتصادي الإجمالي في الربع الثاني.
وكشفت تاو وانغ أنه في إطار مواجهة التحديات الجديدة، تحتاج الصين الآن وبشكل حتمي إلى اتخاذ خمس خطوات، تبدأ بإصلاح الشركات المملوكة للدولة وتعزيز نظام تسجيل الأسر وإصلاحات معاشات التقاعد ودعم القطاع الخاص وتجديد النظام المالي.
اقتصاد الصين قد لا يتعافى في النصف الثاني
وفقاً لتحليل حديث لبنك "يو بي إس"، فإنه خلال اجتماع المكتب السياسي في أواخر يوليو الماضي، أدركت القيادة العليا الصعوبات التي تواجه اقتصاد الصين وتعهدت بطرح مزيد من السياسات الداعمة للمساعدة في استقرار الاقتصاد، ورجحت تاو تخفيف السياسة المالية مع مزيد من الدعم الائتماني للاستثمار في البنية التحتية وتيسير متواضع للسياسات العقارية.
وقالت إن "توقعاتنا الأساسية تتمثل في تعافي النمو على أساس ربع سنوي إلى أربعة في المئة إلى 4.5 في المئة خلال الربعين الثالث والرابع، وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي ليصل إلى نحو خمسة في المئة هذا العام، وهذا الرقم هو هدف الحكومة الصينية خلال عام 2023، مقارنة بنحو ثلاثة في المئة بالكاد عام 2022".
لكن في الوقت نفسه قد لا يتعافى اقتصاد الصين في النصف الثاني، وربما ينخفض النمو إلى مستوى أقل بكثير من خمسة في المئة هذا العام إذا لم يستقر القطاع العقاري، إما لأن السياسة العقارية لم يتم تخفيفها بشكل كبير، أو ثبت أنها غير كافية لوقف التراجع، وفي هذه الحال فإن الانحدار العميق في قطاع العقارات سيستمر في خفض الدخل والثقة بقطاعي الشركات والأسر، فضلاً عن الأسعار.
وحول دور تشديد الإجراءات التنظيمية وتقليص الديون الحكومية في قطاع العقارات خلال الأعوام الأخيرة في التباطؤ، فمن المؤكد أن إجراءات تشديد العقارات التي اتخذتها الحكومة في 2020-2021 كانت سبباً رئيساً في الانكماش المستمر في قطاع العقارات، لكن السبب الآخر كان أيضاً التحولات الكبيرة في الطلب والعرض بالنسبة إلى العقارات على المدى الطويل وتفاقم بسبب الوباء والسياسات المرتبطة به.
كما تم التشديد التنظيمي على منصات الإنترنت وشركات التكنولوجيا المالية وقطاع الدروس الخصوصية بعد المدرسة في فترة زمنية مركزة قبل عامين من دون سابق إنذار، مما أدى إلى تصحيح حاد في تلك القطاعات.
وفي حين أشارت الحكومة الآن إلى تطبيع الأنظمة وتعهدت بدعم القطاع الخاص وشركات الإنترنت، فإن ثقة الأعمال قد تستغرق وقتاً واتخاذ تدابير مطمئنة ملموسة للتعافي، ومن المرجح أن يكون ضعف ثقة الأعمال عاملاً وراء ضعف الاستثمار الخاص في مرحلة ما بعد "كوفيد-19"، على رغم أن انخفاض الأرباح والطلبات هو السبب أيضاً.
أزمة العقارات تتفاقم والديون تواصل الصعود في اقتصاد الصين
وكشفت الخبيرة السابقة في صندوق النقد الدولي عن أن الانكماش الحالي في قطاع العقارات نتج من تغير الأساسات وتشديد السياسات في وقت سابق والوباء.
وأشارت الحكومة الصينية بالفعل إلى تغيير في السياسة العقارية في أواخر عام 2022 بعدما أدركت أن الخطر الأكبر المرتبط بالعقارات لم يعد ارتفاع الأسعار والروافع المالية، بل الانكماش العميق الذي يسحب اقتصاد الصين ويعرض النظام المالي للخطر.
ومع ذلك، فإن التيسير الهامشي حتى الآن لم يتمكن من وقف الاتجاه الهبوطي في الأنشطة العقارية، ومع وجود إشارة سياسية أكثر دعماً من اجتماع المكتب السياسي في يوليو الماضي، فإن الأمل هو في أن تساعد إجراءات التيسير الإضافية من جانب الحكومات المحلية والوزارات المختلفة في استقرار مبيعات العقارات إضافة إلى ضخ مزيد من الائتمان لمنع المطورين من التخلف عن السداد على نطاق أوسع.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ونظراً إلى عدم اتخاذ تدابير تيسيرية شاملة في مجال العقارات، يبقى أن نرى ما إذا كانت ستكون كافية لتحقيق الاستقرار في سوق العقارات قريباً، ولكن هناك شيئاً واحداً واضحاً هو أن أساسات الملكية تغيرت على المدى الطويل، فمن المرجح أن يكون عدد سكان الصين بلغ ذروته وأن التوسع الحضري يتباطأ وأن ملكية المنازل مرتفعة للغاية بالفعل، وهذا يعني أن الطلب على العقارات والبناء سيظل أقل بكثير من مستويات الذروة لفترة 2020-2021 حتى بعد انتعاشها من المستويات المنخفضة الحالية.
في الوقت نفسه يبلغ إجمالي نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في الصين نحو 300 في المئة وهي في ارتفاع والأعلى بين الأسواق الناشئة وأعلى من معظم الاقتصادات المتقدمة أيضاً.
وعلى رغم أن ديون الحكومة المركزية في الصين صغيرة نسبياً وهي أعلى قليلاً من مستوى 20 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، فإن الدين على مستوى الحكومات المحلية يقدر بما يزيد على 70 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
علاوة على ذلك، فإن عدداً من الحكومات المحلية ليس لديها ما يكفي من التدفق النقدي لدفع الفوائد على ديونها، وتواجه بعض أجزاء قطاع الشركات، خصوصاً شركات التطوير العقاري، الآن تحديات شديدة لخدمة ديونها نظراً إلى الركود العميق في العقارات.
وعلى رغم ارتفاع مستوى الديون، فإننا نعتقد بأن خطر حدوث أزمة ديون "نموذجية" أو أزمة مالية بحيث تتسبب حالات التخلف عن السداد الكبيرة في فشل البنوك، وأزمة الائتمان الشديدة، أو الانخفاض الحاد في سعر الصرف، هو خطر ضئيل نسبياً في الصين.
5 خطوات للخروج من الأزمة الحالية
لكن في المقابل، تمتلك حكومة الصين أصولاً كبيرة يمكن التصرف بها للمساعدة في سداد الديون، والأهم من ذلك أن أزمة الديون عادة ما تكون أزمة سيولة، وفي حالة الصين فإن ارتفاع الادخار المحلي الذي تحتفظ به ضوابط رأس المال في البنوك المحلية يعني أن أكثر من 95 في المئة من ديون الصين هي ديون محلية، ممولة بودائع محلية مستقرة نسبياً ولا تخضع لتغير معنويات المستثمرين الدوليين في اقتصاد الصين.
كما أن ملكية الدولة للبنوك وضمانات الحكومة على الودائع وسجل الإنجازات تجعل عمليات سحب الأموال من البنوك أمراً مستبعداً إلى حد كبير، وتعني ملكية الدولة أيضاً أن الحكومة يمكنها منع البنوك من سحب الائتمان أو التسبب في أزمة ائتمانية.
ومن ناحية أخرى، تستطيع الحكومة أيضاً ضخ رأس المال أو السيولة لدعم تشغيل النظام المصرفي، ومن الممكن أن تنسق عملية إعادة هيكلة الديون بشكل منظم نسبياً
وهذا لا يعني أن مستوى الديون المرتفع والمتزايد في الصين لا يمثل مشكلة، وتشير الأدلة إلى أن الدين كان يصعد باستمرار بسرعة أكبر من الناتج على مدى فترة طويلة وأن حصة متزايدة يتم تخصيصها للقطاعات غير المنتجة، ومن دون انضباط السوق للتخلص من العوائد المنخفضة أو فشل الاستثمار، فإن الاستثمارات غير الفاعلة والمهدرة ستزاحم الاستثمارات الأكثر إنتاجية وربحية.
وهذا يعني سوء تخصيص الموارد وانخفاض ربحية الشركات واستثماراتها وتراجع النمو على المدى الطويل، وسوف تنتهي الموارد المهدرة في نهاية المطاف إلى ديون متعثرة، وسيتحمل القطاع المالي، وفي نهاية المطاف المدخرون، كلفها.
في كتابها "فهم الاقتصاد الصيني"، قالت تاو وانغ إن اقتصاد الصين يواجه في الوقت الحالي تحديات كبيرة مع تغير البيئة الخارجية والأساسات الاقتصادية للصين، ويستطيع زعماء الصين أن يتعلموا من تجاربهم الخاصة في التعامل مع تحديات الماضي.
أولاً، يتعين عليهم أن يظلوا واقعيين وقادرين على التكيف كما فعلوا في الماضي، وأن يعدلوا أولويات السياسات وأدواتها استجابة للتحديات الجديدة والظروف المتغيرة.
ثانياً، البقاء منفتحين ومنفتحين بشكل أكبر على العالم الخارجي، التجارة الدولية والاستثمار الأجنبي وتبادل الأشخاص والأفكار وأفضل المعايير والممارسات الدولية قد أفادت تنمية الصين بشكل كبير وما زالت مهمة.
وثالثاً، القيام بالإصلاحات الرئيسة والحفاظ على التوجه نحو السوق، فقد كانت هذه الإصلاحات أساسية لدفع التنمية السريعة في الصين منذ عام 1978.