صراعٌ تجاريٌّ بين طوكيو وسيول يطفو إلى السطح. لهذا الصراع جذورٌ عميقة تعود إلى ما قبل الحرب العالميَّة الثانيَّة. كوريا الجنوبية تطالب بتعويضات عن استخدام الشركات اليابانية عمالة كورية بالسخرة، بينما اليابان تقول إن سيول تتساهل في مرور مواد كيماوية حسّاسة وعالية التقنية إلى بيونغيانغ. استمرار هذا الصراع التجاري سيقود إلى ارتفاع أسعار الهواتف الذكيَّة والشاشات المسطحة، وبعض الأجهزة الإلكترونيَّة على المدى المتوسط.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أعلنت اليابان إزالة كوريا الجنوبية من القائمة التفضيلية للشركاء التجاريين بداية أغسطس (آب) 2019. هذه القائمة البيضاء تشمل 27 دولة ''سيدخل هذا القرار حيز التنفيذ في 28 أغسطس (آب) 2019''، وأتى الرد سريعاً من سيول بعزمها إزالة اليابان من القائمة نفسها في تصعيد تجاري بين الدولتين.
بدأت شرارة هذا التوتر العام الماضي بعد أن طالبت محاكم كورية شركات يابانية بدفع تعويضات مقابل استغلال العمال الكوريين بالسخرة، عندما كانت اليابان تسيطر على شبه الجزيرة الكورية، خلال الفترة بين 1910 – 1945. رفضت اليابان هذه المطالبات، وقالت إن معاهدة 1965 بين الدولتين عالجت الأمر بصورة نهائيَّة، بموجب ذلك دفعت اليابان حينها 800 مليون دولار مساعدات وقروضاً لكوريا الجنوبية.
في 4 يوليو (تموز) 2019 قامت اليابان بفرض قيود على تصدير ثلاث مواد كيماوية مهمة، تدخل في تصنيع أشباه الموصلات semiconductors ورقائق الذاكرة Memory chips وشاشات العرض. تعتمد الشركات الكوريَّة بصورة شبه كاملة على اليابان مصدراً لهذه المواد الثلاث، وهي: fuolorinayed polyamides البلوميد، هذه المادة تستخدم في صناعة شاشات الهواتف الذكيَّة والشاشات المسطحة، ثم مادة photorisests تدخل في صناعة الرقائق، تستحوذ اليابان على إمداد 90٪ من كل منها، ومادة فلوريد الهيدروجين hydrogen fluoride، تستحوذ اليابان على إمداد 70٪ من هذه المادة، وتستخدم في صناعة رقائق الذاكرة.
هذا القرار دخل حيز التنفيذ الأسبوع الماضي. بعد القيود اليابانية الجديدة بات مطلوباً من الشركات اليابانية أخذ الموافقة قبل تصدير هذه المواد إلى كوريا الجنوبية، وتأخذ عملية التصديق نحو 90 يوماً. تقول اليابان إنها اتخذت هذه الإجراءات الجديدة بعد أن نمى إلى علمها تسرُّب بعض من هذه المواد الكيماوية إلى كوريا الشمالية، التي من الممكن أن تستخدمها في التصنيع الحربي. سيول رفضت هذا التفسير الياباني، وتستعد لتقديم شكوى إلى منظمة التجارة العالميَّة، بينما اليابان تقول إن القضية تتعلق بالأمن القومي الياباني، ويجب أن لا تذهب إلى منظمة التجارة، وبذلك يستمر تصاعد التوتر بينهما.
سوق رقاقات الذاكرة تحت مطرقة الحرب التجارية
سامسونغ الشركة الأولى بالعالم في تصنيع رقائق الذاكرة Memory chips تستحوذ على 40٪ من سوق رقائق ذاكرة الأجهزة، في 2018 بلغت عائدات تصدير كوريا الجنوبية منها نحو 127 مليار دولار (أغلب هذه الصادرات ذهب إلى أميركا والصين)، تستحوذ شركتا سامسونغ وإس كي هاينكس على أكثر من نصف حجم السوق العالمية لرقائق الذاكرة. شركة سامسونغ إلكترونك (الأكبر بالعالم في صناعة رقائق الذاكرة) أعلنت انخفاض أرباحها بـ53٪ خلال الفصل الثاني من 2019 متأثرةً بالحرب التجارية بين واشنطن وبيغين، بلغت أرباح الشركة 4.4 مليار دولار في الفصل الثاني من 2019 مقارنة بـ9.3 مليار دولار في بداية العام، متوقع أن تتأثر أرباح سامسونغ بالتوتر بين طوكيو وسيول بشأن المواد الكيماوية الأولية لصناعة الرقائق خلال الفصل الثالث من 2019. بعض الشركات الصينية والبلجيكية يتحفز إلى تلبية طلب سامسونغ وإس كي هاينكس في حال استمرار هذه الحرب التجاريَّة بين طوكيو وسيئول.
العلاقة التجارية بين طوكيو وسيول
اليابان الاقتصاد رقم 3 عالمياً، ويبلغ الناتج المحلي الإجمالي 4.9 ترليون دولار بعدد سكان تقريباً 126 مليون نسمة، كوريا الجنوبية الاقتصاد رقم 11 عالمياً، يبلغ الناتج المحلي الإجمالي 1.5 ترليون دولار بعدد سكان تقريباً 51 مليون نسمة.
بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 84.6 مليار دولار. في 2018 قامت كوريا بشراء المواد الأوليَّة لأشباه الموصلات الـsemiconductors بما يعادل 11 مليار دولار، وتمثل اليابان المورد الرئيس للمواد الأوليَّة في صناعة رقاقات الذاكرة. اليابان تسيطر على 90% من الـfuolorinayed polyamides، وكذلك 90٪ من مادة الـphotorisests، وتستحوذ على 70٪ من إمداد الـhydrogen fluoride، سجلت اليابان فائضاً في ميزانها التجاري مع كوريا الجنوبية للعام 2018 بلغ 20.3 مليار دولار، أسهمت فيه أشباه الموصلات في التكنولوجيا والأجهزة الإلكترونية.
اليابان تخفف من قيود الصادر
في تصريح لوزير المالية الياباني الخميس الـ7 من أغسطس (آب) 2019 قال "إن بلاده وافقت على تصدير المواد الكيماوية الثلاث المحظور تصديرها منذ شهر إلى كوريا الجنوبية، وأنها لا ترى مخاطر استخدام هذه المواد في الصناعات الحربية"، ومع هذا السماح لا تزال عملية التصدير تتطلب نفس الإجراءات والمستندات، التي تستغرق 90 يوماً، ما يعيق الإمداد السريع لصناعة الرقائق بكوريا الجنوبية. تطلب اليابان بعض إجراءات تصدير المواد الكيماوية للصين وتايوان، لكنها أقل صرامة عند مقارنتها بالإجراءات المطلوبة للصادرات المتجهة إلى سيول مؤخراً، لكن تظل تأثيرات القيود على تصدير المنتجات اليابانية إلى كوريا الجنوبية سلبية على مستقبل صناعة الإلكترونيات، وعلى سلسلة الإمداد لمنتجات الصناعة الكوريَّة للشركات العالمية الكبرى مثل آبل الأميركية وهواوي الصينية اللتين تعتمدان على شركة سامسونغ مصدراً لبعض القطع والرقائق.
تراجع الطلب على المنتجات اليابانية في الأسواق الكورية
منذ بداية شهر يوليو (تموز) 2019 انتظمت حملة مقاطعة كورية للسلع والمنتجات اليابانية في الأسواق الكورية تحت وسم "قاطعوا اليابان'' على وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك ردّاً على الإجراءات اليابانية الأخيرة، تراجع عدد السيارات اليابانية التي بِيعت في السوق الكورية بـ32٪، خلال شهر يوليو (تموز) 2019، وتراجعت مبيعات شركة تويوتا بـ32٪، وتراجعت مبيعات شركة هوندا بـ34٪.
أشارت الأرقام الصادرة عن جمعية مستوردي وموزعي السيارات بكوريا الجنوبية إلى تراجع مبيعات سيارات لكزس بـ25٪ لشهر يوليو (تموز) 2019، تعتبر سيارة لكزس الثالثة الأكثر مبيعاً في الأسواق الكورية، تأثرت مبيعات السيارات اليابانية سلباً بالمقاطعة الشعبية الناجمة عن التوتر الدبلوماسي والتجاري بين طوكيو وسيول، القطاع السياحي باليابان من القطاعات التي ستتأثر بشدة بالمقاطعة الشعبية، إذ تستحوذ كوريا الجنوبية على 24٪ من إجمالي الزائرين الأجانب لليابان في 2017، في 2018 بلغ عدد زوار اليابان من كوريا الجنوبية نحو 7.5 مليون.
بشكل عام من المبكر الحصول على أرقام بشأن التأثيرات المباشرة لهذا التوتر التجاري على أسواق الرقائق أو الهواتف الذكية، وكذلك التأثير على حجم التبادل التجاري بين الدولتين، الحرب التجارية بين طوكيو وسيول تضاف إلى سلسلة النزاعات التجارية والعودة إلى الحمائية وتعقيد التجارة عالمياً، وهذا يزيد من حالة عدم اليقين وتباطؤ الاقتصاد.