يبدو أن الولايات المتحدة الأميركية دخلت على خط الأزمة السياسية التي تعيشها الجزائر، بعد إبداء سفيرها السابق في الجزائر روبرت فورد، رأيه حول الوضع ومستقبل البلاد، في تحليل يكشف عن متابعة واشنطن لما يحدث عن قرب.
وقد يكون استيقاظها في هذه الآونة، يرجع إلى الفراغ الذي خسرته فرنسا في محاولة للتموقع، كما يمكن تصنيفه في سياق التخوف من ضياع مصالحها جراء استمرار الانسداد، وقد يكون تحركاً بإيعاز من جهات جزائرية داخلية.
السفير الأميركي
أثار رأي السفير الأميركي السابق لدى الجزائر، والباحث في معهد الشرق الأوسط في واشنطن روبرت فورد، حول الوضع الذي تعيشه الجزائر منذ 22 فبراير(شباط)، نقاشاً واسعاً حول دور بلاده وموقعه مما يحدث، وقد عنونه بـ" الجزائر بين المطرقة والسندان".
وقال إن الجزائر تقترب من مفترق طرق، لكن من غير الواضح حتى هذه اللحظة أي الطرق ستختار من مسارين: التطور أو الثورة العنيفة، مبرزاً أن لجنة الحوار تجد نفسها محاصرة بين مطرقة الجيش وسندان الحراك.
وأشار فورد إلى أن حجم التظاهرات الأسبوعية التي تجوب الشوارع كل جمعة وثلاثاء، انخفض، وأن هناك شعوراً بالإحباط بعد مرور ستة أشهر، مضيفاً أن دعوة بعض المتظاهرين إلى العصيان المدني من شأنها الدفع إلى مواجهة بين الجيش والحراك تمنعها صور التسعينيات السوداء التي لا تزال تسيطر على الأذهان.
وأوضح أن الجيش معزول، وقائد الأركان ورئيس الدولة المؤقت لا يتوافقان دائماً، معترفاً أن أصدقاء الجزائر يأملون في أن تنجح البلاد في الخروج من الأزمة، وأن هناك تقديراً في مختلف أرجاء العالم بأن جميع الأطراف المعنية مارست ضبط النفس في المواجهة القائمة بينها حتى الآن.
وخلص إلى أن بناء آلية انتخابية مستقلة ومحايدة وقوية من الصفر، يتطلب كثيراً من الجهود والوقت، وأنه "عندما أمعن النظر في أحوال الجزائر، تتبادر إلى ذهني المقولة العربية الشهيرة - في التأني السلامة وفي العجلة الندامة".
خلط متعمد للدبلوماسية بالمخابراتية
يعتبر الحقوقي الأممي الجزائري محمد خدير، أن الدبلوماسي روبرت فورد، الذي يخلط أو يتعمد خلط الدبلوماسية بالمخابراتية، معروف بميوله إلى الثورات التخريبية، ويتفنن في الاستهزاء.
ويقول "أتذكر أنني رأيته أول مرة في اجتماع منترو بسويسرا، والذي سمي "جنيف 2 " حول سوريا، وكان داعماً للمعارضة السورية"، موضحاً أن روبرت الذي يتكلم العربية أحسن بكثير من عربية بعض السفراء العرب، يفضل العمل الاستخباراتي، ويعتبر الدبلوماسية مجرد قلم يمضي ما تتوصل إليه الاستخبارات والقوة العسكرية .
ويرى خدير، أن دخول فورد، على الخط الجزائري هذه الأيام ليس وليد الدبلوماسية، بل هو كلام استخباراتي فشل في تجسيده عندما كان سفيراً في الجزائر، مضيفاً أن مقاله الذي أنهاه باستهزاء بقوله إن "في العجلة الندامة وفي التأني السلامة، كان دائماً ما يردده في سوريا والعراق، ليقول كلما طال الأمر ازداد سوءاً، متساءلاً: هل وصلت رسالة فورد؟ وهل تم تحليلها؟ وهل تم استدعاء من يعرفون فورد لقراءة موقف الدولة الأميركية العميقة ؟".
تسلل أميركي ذكي وناعم
التزمت واشنطن الصمت الرسمي حيال ما يحدث في الجزائر، غير أن خبراء يؤكدون أن إدارة البيت الأبيض تتابع من قرب ما يجري، وتنتظر فرصة الانقضاض.
ويشير المحلل سليم عمراوي، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، إلى أن واشنطن اعتمدت خطة ذكية وناعمة في التعاطي مع الوضع الجزائري، بعد أن تعرفت على عقلية الإنسان الجزائري الذي لا يقبل التدخل الغربي بخاصة الأميركي والفرنسي، وراحت تتسلل عبر سفيرها الذي مارس الدعابة من خلال تعليقاته عبر "فيسبوك" و "تويتر"، لتشجيع المنتخب الجزائري لكرة القدم، أو تهنئة الجزائريين بمناسبة عيد الأضحى، وكل ذلك باللغة العربية وبالراية الجزائرية، موضحاً أن "طرد" فرنسا من الجزائر بعد اتهامها بالتسبب في معاناة الشعب الجزائري ودعمها العصابة وأذنابها وضباطها، سمح للولايات المتحدة بالتموقع والظهور في ثوب المهتم بمعاناة وأفراح الجزائريين.
ويتابع عمراوي، أن مقال السفير روبرت فورد، يؤكد اهتمام واشنطن بضرورة إيجاد مخرج آمن للأزمة التي تعانيها البلاد، بعد أن حلّل الوضع بشكل جيد، مشدداً على أن مقال السفير يمكن اعتباره رسالة مشفرة للنظام المؤقت، مفاده اضطراب واشنطن لاستمرار الانسداد، وأنه يمكن تقديم المساعدة في التقريب بين مختلف الأطراف، كما أنها تحذر من الانزلاق نحو العنف.
تغير خطاب واشنطن؟
بعد بيانات "مشددة" أعقبت بدايات الحراك واستقالة الرئيس بوتفليقة، أصدرتها الخارجية الأميركية لتدعم الشعب الجزائري وحقه في التجمع السلمي، وفي كيفية إدارة الفترة الانتقالية، تغير الخطاب بعد أن أصدر الكونغرس دراسة قال فيها إن "الجزائر تمتلك مؤسسة رئاسة قوية وأجهزة أمنية فعالة مع سيطرة الدولة الكبيرة على الاقتصاد"، وإن فراغ السلطة وتدهور الأوضاع الاقتصادية قد يؤديان إلى تبعات سلبية على جهود الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب والاستقرار الإقليمي في منطقة الساحل وشمال أفريقيا.
مغازلة... ومكانة أميركية خاصة
استمرت "المغازلة" الأميركية مع إعراب الرئيس دونالد ترمب، بمناسبة ذكرى استقلال الجزائر في 5 يوليو (تموز) من كل سنة، عن تقديره للجهود التي تبذلها الجزائر لحل أزمات المنطقة من مالي إلى ليبيا، مؤكداً استعداد بلاده لتعزيز التعاون الأمني وخلق فرص جديدة للتبادل بين الدولتين، موضحاً أن الصداقة والشراكة بين الولايات المتحدة والجزائر ما فتئت تتعزز من سنة إلى أخرى، حيث "حاربنا معاً الإرهاب وقمنا بتعزيز علاقاتنا التربوية والثقافية وتوسيع تعاوننا الاقتصادي".
في المقابل، يرى المحلل محمد حميدوش، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن للولايات المتحدة موقعها الخاص، ولا تحاول التموقع أكثر مما هي فيه، لأن الجزائر ليست ضمن المنطقة الإستراتيجية لواشنطن، موضحاً أن الجزائر ضمنت علاقة إستراتيجية مع روسيا من الجانب العسكري، وتحاول أن تضمن مصالحها الاقتصادية، وتوقع أن يتم التوصل إلى حل للأزمة التي تعيشها البلاد خلال الأسبوع الثالث من سبتمبر (أيلول) 2019.