Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

اكتشاف لوحتين جديدتين لفان غوخ... ودفتر مجهول ملأه رسوما

حدثان يحتفي بهما متحف الرسام الهولندي ودار نشر فرنسية

  لوحة مكتشفة لفان غوخ والى جانبها مدير متحفه (اندبندنت عربية)

يوجد في هولندا الكثير من المؤسسات الثقافية التي تعنى بتراث الفنان الهولندي العالمي فان غوخ. وهناك مؤسسة فنية تدعى "نورو" تقوم بين وقت وآخر بعرض تراث هذا الفنان العبقري. وقبل فترة قامت هذه المؤسسة بعرض عدد من لوحاته التي جمعتها من متاحف عالمية واكتشف متحف فان غوخ في أمستردام الذي يبحث دائماً في الأعمال المعروضة عن طريق الأشعة السينية أن لوحة "متنزهون" المعروفة كانت قد رسمت فوق لوحة قديمة يعتقد مدير متحف فان غوخ أن هذه اللوحة هي من أوائل البورتريهات الشخصية التي رسمها فان غوخ لنفسه عندما كان في باريس إن لم تكن الأولى.

اللوحة المكتشفة تظهر ملامح فان غوخ المتمثلة بشعره النافر وأنفه الحاد، لكنّ الجانب الآخر من الوجه غير واضح لأن اللوحة الجديدة التي تمثل منتزهاً في الخريف احتوى على غيوم كثيرة حجبت الجانب الآخر من الوجه. غير أن المتحف مستمر بالبحث في اللوحة المكتشفة من أجل تحديد تاريخها الذي يرجح أن يكون عام 1886. وإذا ثبت أنها بورتريه شخصي فإن قيمتها الفنية والتاريخية ستلقي المزيد من الضوء على مرحلة مهمة من مسيرته الفنية تلك التي قضاها في باريس قبل أن ينتحر.

غروب الشمس

بعد بحث جديد ثبت أن لوحة "غروب الشمس" في فرنسا ظلت بعيدة من الأنظار طوال قرن للاعتقاد بأنها مقلدة، هي فعلاً من أعمال الفنان فان غوخ. فهو رسم لوحة "الغروب في مونتماجور" عام 1888 حين كان يعيش في أرليه بجنوب فرنسا. وفي مؤتمر صحافي وصف مدير المتحف اكتشاف عمل جديد لفان غوخ بأنه "تجربة تحدث مرة واحدة في العمر". وحتى وقت قريب عام 1991 خلص متحف فان غوخ إلى أن اللوحة ليست من أعمال الفنان الهولندي الحقيقية حين اتصل به مقتنو العمل. لكن بفضل بحث جديد يشمل تحليلاً دقيقاً لمكونات اللوحة ورسائل لفان غوخ غيّر المتحف رأيه. ففي رسالة إلى شقيقه تيو بتاريخ الخامس من يوليو (تموز) 1888 وصف فان غوخ المنظر الذي رسمه في اليوم السابق لكنه لم يكن راضياً عن النتيجة النهائية، وقال في رسالته: "جاءت أقل كثيراً مما كنت أود". وتعتقد أسرة موستاد أن كريستيان نيكولا موستاد اقتنى اللوحة عام 1908 لكنه أهملها ووضعها في القبو حين قيل له في وقت لاحق أنها مقلدة وليست من أعمال فان غوخ الحقيقية.  

اما دار سوي الفرنسية ففجرت مفاجأة جديدة قبل سنتين أيضاً بعد العثور على دفتر رسم يعود لفان غوخ لم يطلع عليه أحد سابقاً وسوف تقوم بنشر اللوحات الموجودة في الدفتر في فرنسا وأميركا وهولندا وبعض البلدان الأوروبية.

تتألف حياة فان غوخ الفنية من خمس مراحل قصيرة تمتد بين 1869و1890 أنتج خلالها أهم أعماله الفنية ابتداء من لوحة "آكلو البطاطا" في هولندا و"أزهار عباد الشمس" في مدينة آرل التي رسمها خصيصاً إلى صديقه الفنان غوغان كي يعلقها في صالة الضيوف، ثم لوحة "حديقة سان ريميه" حيث كان يقيم كمريض بعد حادث قطع أذنه الشهير... وانتهاء بآخر لوحة رسمها عام 1890 "حقل الحبوب والغربان" في أوفير سيرواز في فرنسا وقد انتحر هناك.

في مدرسة القرية الصغيرة من مقاطعة برابند جنوب هولندا بدأت ملامح شخصية فان غوخ الفنية تتشكل... حيث أظهر قدرة فائقة في تعلم اللغات الفرنسية والإنكليزية والألمانية ما حدا بوالده الكاهن إلى إرساله إلى مدرسة داخلية لاستكمال دراسته. ولكن بعد فترة قصيرة يقرر فان غوخ فجأة ترك الدراسة والعودة إلى القرية حيث لم يكمل تعليمه أبداً. مع بداية عام 1869 يقوم فان خوخ بمساعدة عمه فنسنت الذي كان يملك شركة للأعمال الفنية، وهي عبارة عن ثلاثة غاليريات كبيرة في كل من هولندا وفرنسا وبريطانيا، مركزها الرئيسي في باريس. وخلال عمله في فروع الشركة في لندن وباريس ولاهاي يتعرف إلى عدد كبير من الفنانين ويشاهد أكبر قدر ممكن من الأعمال الفنية والمتاحف. في هذه الفترة بالذات بدأت تتشكل شخصيته الحقيقية كفنان. ولكن بعد سنة وبشكل مفاجئ أيضاً يترك العمل في غاليري لندن ويعود إلى هولندا ويقوم بدراسة الإنجيل حيث يقرر أن يصبح كاهناً مثل أبيه بعد تجربة حب فاشلة مع امرأة تكبره بالسن. "عزيزي تيو... هل أنت تحب أيضاً؟ أرجو أن تكون كذلك. وصدقني أنه على الرغم من بعض لحظات الشقاء التي سوف تواجهها فإنها ذات قيمة. فالمرء يشعر في بعض الأوقات باليأس. وهناك بعض اللحظات يبدو للمرء فيها بأنه في جحيم. هناك ثلاث مراحل: الأولى، أن لا تحب ولا تحب (بالضم). والثانية، أن تحب ولكن لا تحب (بالضم أيضاً)- وهي حالتي أنا. والثالثة، أن تحب وتحب" (من رسالة إلى أخيه تيو - الهولنديون لا يلفظون حرف الثاء).

فيض الحب

إن ما كان يعذب فان غوخ طيلة حياته هو أنه أراد أن يمنح عطفه وحنانه للجميع وبطريقة تكاد تكون صوفية- كما كان يفعل المسيح- ولكنه لم يكن يعرف كيف يفعل ذلك. لهذا انخرط في رسم حياة الفلاحين القاسية وحياة عمال المناجم في جنوب بلجيكا، كما كان يقدم المواعظ في القرى والأرياف... غير أن الكنيسة منعته من ذلك بسبب مظهره المريع وشكله الذي يوحي بأنه مجنون... تسوء حالته الصحية ويصاب بداء الصرع مما عقد علاقته مع أبيه وأصدقائه في المستقبل. "صلِ واعمل ودعنا نقوم بعملنا اليومي بكل قوتنا وطاقتنا ودعنا نؤمن بأن الله سوف يمنحنا خيره وعطاياه، إلى جانب ذلك الجزء الذي سوف لن يؤخذ منا والذي يمنحه إلى كل من يطلب منه ذلك" (من رسالة إلى تيو). وفي رسالة تالية موجهة أيضاً إلى تيو يفصح فان غوخ عن حقيقة إحساسه الديني الذي استولى على كيانه كلياً وحوله إلى قديس مجنون يجوب الآفاق بحثاً عن الفقراء. "دعنا نطلب أن يكون دورنا في الحياة أن نصبح فقراء في مملكة الله... خدماً لله... إننا ما زلنا بعيدين عنه... دعنا ندعو أن تصبح أعيننا منصبة عليه لكي يصبح جسدنا حينها مليئاً بالنور".

على ضوء هذه المعطيات التي تضيء جوانب كثيرة من حياة وشخصية فان خوخ يمكننا أن نفهم أعماله التي كانت مفارقة في القرن التاسع عشر والتي أثرت في الكثير من مجايليه من الفنانين، على الرغم من أنهم كانوا ينظرون إليه على أنه شخص شاذ. نعم إنه (فنان) شاذ، فحيثما التفت كان يرى كدح الوجود... وإذ تعرف إليه بما هو كدح صار هو الواقع بالنسبة إليه.

هولندا هذا البلد الصغير قررت أن تحتفي بابنها القديس المجنون بإنشاء متحف يحمل اسمه ويضم أعماله ومقتنياته ورسائله. قامت فكرة إنشاء المتحف حين قرر ابن أخ فان غوخ واسمه أيضاً فنسنت إهداء جميع أعمال عمه التي كانت بحوزة العائلة إلى جمعية فان غوخ عام 1962. صمم المتحف المهندس المعماري الهولندي خيرت رتفيلد، وتم افتتاحه عام 1973، حيث بلغ عدد الزوار في تلك السنة ستين ألف زائر. تألف المتحف حين إنشائه من أربعة طوابق تضم قاعات مختلفة الحجوم والأشكال. وبعد مرور خمسة وعشرين عاماً على افتتاحه أضيفت له ثلاثة طوابق أخرى لاستيعاب النشاطات المختلفة التي يقدمها المتحف وخصصت قاعات للأعمال الزيتية وللتخطيطات والرسائل أيضاً.

يضم المتحف أكثر أعمال فان خوخ شهرة وتتعدى المئتي لوحة زيتية وخمسمئة تخطيط وسبعمئة رسالة شخصية كان الفنان قد كتبها إلى أصدقائه. غير أن أغلبها كان موجهاً إلى أخيه تيو. إضافة إلى مقتنياته الشخصية من أعمال أصدقائه ومجايليه التي سبق للمتحف أن أقام لهم معارض شخصية أمثال (بيير بيفيه، دي شافان، رودون، فيليكس فالوتون، فرانس فون شتك، ألما تادما، موريس دوني وباول ستياك). يعد متحف فان خوخ الرقم واحد من حيث الأهمية وعدد الزوار وعدد المعارض التي يستضيفها، إذ بلغ عدد الزوار عام 2000 فقط مليون وثلاثمئة ألف زائر أغلبهم من السياح الأجانب الذين يحضرون خصيصاً لزيارة المتحف.

المتحف ... والاذن المقطوعة

وفي محاولة من المتحف لإقامة معرض يشمل جميع أعمال فان خوخ، حيث يوجد قسم كبير منها في متاحف العالم المختلفة، فإن المتحف افتتح قبل أشهر قليلة مما يسمونه المعرض القمة- كما أخبرني بذلك أحد المسؤولين في المتحف- بالتعاون مع غاليري لندن وغاليري واشنطن وغاليري باريس وغاليري نيويورك. وسيتنقل المعرض في البلدان الأوروبية وأميركا...واستعداداً لهذا فإن المتحف يحضر لإقامة معرض مشترك لأعمال غوغان وفان خوخ.

وخلال تجوالي في المتحف شاهدت لوحتين ظننت أول الأمر أنهما لفنانين مستشرقين الأولى هي "شيخ عربي" للفنان هنري جوزيف والثانية "بريرنه" أو المرأة العارية للفنان غوستاف بولابجيه. فعدت إلى المسؤول في المتحف لأسأله فيما إذا كانوا قد سمعوا أو شاهدوا أعمالاً فنية لبعض الفنانين العرب المشهورين، أو قد تكون لديهم خطة لاستضافة أعمال غير غربية؟ فقال إن المتحف قد أقام معرضاً مشتركاً عام 2004 لأعمال الفنانين الذين استوحوا الشرق في أعمالهم تحت عنوان (أوبرا الشرق). ولكنهم لم يفكروا باستضافة فنانين عرب ليعرضوا أعمالهم في المتحف.

أما عن "أذن" فان غوخ التي نسجت حولها الكثير من القصص، خصوصاً تلك التي تقول إن امرأة قالت لفان غوخ إن أذنك جميلة فقام بقطعها وإرسالها إلى تلك المرأة، فإننا عدنا مرة أخرى إلى المسؤولين في المتحف أملاً في الحصول على جواب شاف، فقالوا لنا، بحسب نظرية الباحثة الألمانية ريتا ولدخنس، فإن غوغان هو الذي قطعها بعد مبارزة مع غوغان، إذ إنه- بعد الحادثة- غادر آرلس إلى باريس بشكل سريع جداً. هذا ما تستند إليه ريتا، ولكن نحن نعتقد أن في ذلك مبالغة، لأن غوغان لم يغادر بتلك الطريقة المستعجلة، بل انتظر تيو وغادر معه إلى باريس. كما أن الشرطة لم تشك بغوغان والأهم من ذلك هو أن تيو نفسه لم يشك بأن غوغان هو الفاعل. وقد جرت بعد الحادث مراسلات بين فان خوخ وغوغان ولم يشر فان خوخ إلى هذا الأمر مطلقاً. الشيء المؤكد بالنسبة لنا أن فان خوخ هو الذي قطع أذنه بيديه بسبب إصابته بنوع من الصرع يتسبب في إيذاء النفس، المرض الذي اضطره إلى دخول مستشفى سان ريميه. 

المزيد من ثقافة