ملخص
البنك المركزي العراقي اتخذ مجموعة من الخطوات لعلاج أزمة السيولة في البنوك العراقية... فماذا فعل؟
تواجه السياسة النقدية العراقية تحديات كبيرة، تتمثل في ارتفاع التضخم وزيادة العقوبات على القطاع المصرفي من قبل الخزانة الأميركية وعدم استقرار سعر صرف الدولار أمام الدينار، بعد آلية جديدة فرضتها الولايات المتحدة على بغداد، لمنع استفادة الشركات الإيرانية من الدولار.
بداية العام الحالي تولى علي العلاق منصب محافظ البنك المركزي العراقي، وهي المرة الثانية التي يتولى فيها هذا المنصب، لمعالجة أزمة الفجوة بين سعر الصرف الرسمي وغير الرسمي، والتي وصلت في حينها لأكثر من 17 في المئة، مما أدى إلى ارتفاع السلع في جميع الأسواق بسبب اعتماد البلاد على الاستيراد.
العلاق وفي حديثه لـ"اندبندنت عربية" قال إنه بهدف السيطرة على سعر الصرف استحدث البنك المركزي العراقي آلية جديدة لتمويل التجارة الخارجية، إضافة إلى الآلية القائمة المتمثلة في المنصة الإلكترونية لنافذة بيع العملة الأجنبية، وتتمثل الطريقة الجديدة في تعزيز رصيد المصارف التي تمتلك حسابات لدى "ستي بنك"، لتستخدم تلك الأرصدة في تمويل التجارة الخارجية وفقاً للأغراض المسموح بها قانوناً وتحت إشراف ورقابة البنك المركزي.
ولفت الانتباه إلى استحداث آليات لتمويل التجارة الخارجية بعملتي اليوان الصيني واليورو، كما أن المستندات المطلوبة مقابل كل عملية تحويل إلى الخارج تتمثل في الفاتورة التجارية لها مع تعهدات المصارف بإجراء بحث وتحر في قوائم العقوبات المحلية والدولية فضلاً عن عملية التأكد من مصادر أموال الشركات المحولة، كما يطلب لاحقاً من المصارف تقديم المستندات الرسمية التي تثبت دخول البضائع إلى داخل العراق.
المنصة الإلكترونية
وعن أسباب تأسيس المنصة الإلكترونية لبيع العملة الأجنبية، قال إن من أهداف البنك المركزي العراقي التي يسعى إلى تحقيقها هو دمج القطاع المصرفي في الأسواق المالية العالمية، لما لذلك من أهمية في تطوير عمله، وعليه فقد أنشأ البنك منصة إلكترونية لأتمتة آليات الاشتراك في نافذة بيع العملة الأجنبية لتحقيق جملة من الأهداف أبرزها تبسيط إجراءات الاشتراك لتمويل التجارة الخارجية والشفافية في الإجراءات، فضلاً عن توفير فرص أكثر لتوسيع الأنشطة المصرفية مع المصارف المراسلة الخارجية ورفع مستوى الامتثال لمتطلبات عملية التحويل، كذلك استقطاب شريحة أكبر من العمليات التجارية المتوفرة في السوق وتحسين كفاءة العمليات المتعلقة بتنفيذ بيع العملة الأجنبية.
وأكمل العلاق "بخصوص العملات التي تتعامل فيها المنصة فإن البنك اعتمد آليات عدة لتمويل التجارة الخارجية، إلا أن جميع تلك الآليات يتم رفع بياناتها على المنصة الإلكترونية لنافذة بيع العملة الأجنبية".
لكن رئيس البنك المركزي العراقي أوضح أنه لا توجد تسويات باليوان الصيني سوى استيرادات القطاع الخاص من البضائع الصينية، نافياً وجود توجه لدى بغداد لاتخاذ خطوة مماثلة بالروبل الروسي.
نجاحات ملحوظة
نجح البنك المركزي العراقي في التغلب على كثير من الإشكالات والصعوبات التي واجهها في عملية التحويلات الخارجية عبر المنصة، إذ يرى العلاق أنه عند بدء العمل بالمنصة الإلكترونية كانت نسبة التنفيذ الفعلي للحوالات الخارجية تتراوح بين 20 في المئة و30 في المئة، ثم بدأت في التصاعد التدرجي مع التزام الشركات التجارية معايير التحويل، ومع تجاوز الأخطاء التي كانت ترد في الأوراق والمستندات الثبوتية التي ترفق مع كل عملية تحويل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتابع "وعليه فإن البنك المركزي العراقي يسعى وبشكل يومي إلى تحديث إجراءاته والتفاعل مع جميع النتائج التي تحصل في عمليات البيع سواء كان النقدي أو الحوالة، لضمان أن تسير هذه العمليات بسلاسة وأن تكون خالية من أي شائبة تحيط بها".
تخوفات قائمة
على رغم النجاحات المشار إليها فلا يزال الحديث يدور عن انحسار بالعلاقات المصرفية العراقية مع دول العالم، فمعظم المصارف بالبلاد لا تملك فروعاً بالخارج، وكذلك ليس لديها بنوك مراسلة عالمية، وهنا يرد العلاق بأن امتلاك فروع دولية لمصارف عراقية يعود إلى طبيعة نشاط المصرف وإلى نوع الخدمات التي يقدمها لزبائنه، ومثال على ذلك مصرف التنمية الدولي لديه فرع فعلاً في الإمارات، والمصرف العراقي للتجارة لديه فرع في السعودية ومكتب تمثيلي في سوق أبوظبي المالية.
وكشف عن أنه في ضوء التوسع في العمليات المالية التي تتطلب علاقات مصرفية بين المصارف العراقية والأجنبية هناك مصارف مراسلة للمصارف العراقية في الشرق الأوسط وأوروبا وأميركا وكذلك الاتجاه نحو الصين، إذ بدأت المصارف العراقية فتح حسابات وإنشاء علاقات مصرفية مع مصارف صينية.
ومع الإشارة إلى أن كثيراً من المصارف العراقية التي تعرضت إلى أزمة السيولة لا توجد بها حلول جذرية مما هز ثقة المواطنين في القطاع المصرفي لبلاده، لفت العلاق الانتباه إلى أن الإجراءات المتبعة من قبل البنك المركزي تتلخص في مسار حدده قانون المصارف العراقي، وتتمثل في تكليف لجنة مشرفة دائمة على المصرف الذي يواجه أزمة لتقويم عمله وإصلاح نظامه المالي ومساعدته في الوفاء بأموال المودعين وتسديد التزاماته من قبل اللجنة المشرفة بصورة مباشرة، فضلاً عن تعيين وصي عليه لإدارة أعماله والنهوض بواقع السيولة.
ومضى في حديثه "لكن في حال تآكل موجودات المصرف ورأس ماله يتم تعيين حارس قضائي لتصفية موجوداته وممتلكاته لتسديد مستحقات المودعين وباقي الالتزامات، وفقاً للنسب الواردة في القانون".
وقال "لإعادة ثقة المواطن بالقطاع المصرفي اتخذ البنك المركزي العراقي مجموعة إجراءات أهمها تأسيس شركة ضمان الودائع العراقية في سنة (2020) وإلزام جميع المصارف العاملة في البلاد المساهمة في رأس مالها لضمان وديعة المواطن وتحفيزه على إيداع أمواله في المصارف، مما يسهم في تعزيز سيولة المصرف وجذب الكتلة النقدية نحو القطاع المصرفي ونشر التوعية وحماية الجمهور من خلال أقسام مخصصة ضمن الهيكل التنظيمي لهذا البنك والمصارف العاملة في العراق وهي أقسام التوعية المصرفية وحماية الجمهور".
واعتبر أن هذه الأقسام رقابية مهمتها الرئيسة نشر التوعية المصرفية بصورة عامة وتعريف المواطن بنشاطات شركة ضمان الودائع (كونها شركة حديثة التأسيس) واستقبال شكاوى المواطنين وإيجاد الحلول لها بالتعاون مع البنك المركزي العراقي.
الاحتياطات الأجنبية
وحول الاحتياطات الأجنبية للبنك المركزي العراقي، نوه العلاق بأنها بلغت أكثر من 113 مليار دولار، وهو مستوى قياسي يمكنه من تحقيق الاستقرار ويوفر لها المرونة الكافية لتلبية الطلب على العملات الأجنبية لأغراض تمويل استيرادات القطاع العام والخاص.
وفي ما يتعلق بالذهب، قال محافظ البنك المركزي العراقي إنه يعد مخزناً للقيمة بفضل الأداء التاريخي له، فضلاً عن كونه أحد أهم مكونات الاحتياطات الأجنبية للبنوك المركزية عالمياً، ويعد الملاذ الاستثماري الآمن في ظل الأوضاع السياسية والاقتصادية التي يمر بها العالم حالياً، مختتماً حديثه "كما أشرنا مسبقاً فإن الحجم الحالي للاحتياطات يدعم ويحفز اتجاهات الاستثمار بالذهب".