Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

 "الغارمات" في الأردن بين السجن والتهميش

أحكام على من اقترضن المال لفتح مشاريع صغيرة أو تسديد فواتير الحياة اليومية

تعاطف أردني مع قضية الغارمات (تصوير حمزة مرزعاوي) 

 تواجه آلاف الأردنيات أحكاماً بالسجن لعدم تمكنهن من تسديد قروض حصلن عليها لأسباب عدة، فيما بات يُعرف اليوم بقضية "الغارمات"، وهو مصطلح يُطلق على النساء اللواتي يقترضن من شركات التمويل المالي بقيم متفاوتة، تلبية لحاجاتهن المعيشية أو لتمويل مشاريع صغيرة تعيلهن وأسرهن.

لكن غالبية النسوة يتعثرن مالياً، ويصبحن غير قادرات على سداد هذه الديون، فينتهي بهن الحال إما سجينات أو مطلوبات لدائرة التنفيذ القضائي التابعة لمديرية الأمن العام.

وبعدما كبرت كرة الثلج، ووفق أرقام رسمية، فإن العدد الكلي لـ"الغارمات" في الأردن يصل إلى 13 ألف سيدة، 5672 منهن لا تتجاوز ديونهن ألف دينار أردني (1400 دولار)، فيما يتزايد يومياً عدد الموقوفات في السجون على خلفية قضايا مالية.

تمكين المرأة في دائرة الاتهام

في بلد محافظ كالأردن، يستهجن كثيرون فكرة سجن النساء لأسباب مالية، ما شكل حالة من التعاطف الشعبي مع "الغارمات"، تزعّمها الملك عبد الله الثاني الذي دعا يوم 22 مارس ( آذار) الماضي، المواطنين إلى بذل جهدٍ وطنيٍّ وتشارك شعبي، لمساعدة الغارمات اللواتي يواجهن ظروفاً مالية صعبة.

ومنذ 14 عاماً واستجابة لدعوات تمكين المرأة وتعزيز استقلاليتها مادياً، انتشرت مؤسسات تمويل للمشاريع الصغيرة في الأردن في تحوّل ملفت للمجتمع، لدعم المجتمعات الفقيرة في المناطق النائية والقروية تحديداً.

لكن تمكين المرأة، تجلّى اليوم في الأردن بأبشع صوره، إذ إن معظم النساء المتعثرات أو المطلوبات للقضاء هن مقترضات من جهات دائنة مثل شركة "صندوق المرأة" و"الشركة الأهلية للمشاريع" و"البنك الوطني للتمويل" و"الشركة الأردنية لتمويل المشاريع" و"الشرق الأوسط لتمويل المشاريع"، وهي مؤسسات مالية أُنشئت خصيصاً لدعم المجتمعات الفقيرة.

وبعد أكثر من عقدين من عمل مؤسسات التمويل في الأردن، لم تتحقق أهداف الإنتاجية والقضاء على الفقر بحسب مراقبين، بل أسهمت في تكبيل آلاف الأسر بالديون والملاحقة القضائية.

إلا أن مؤسسات وشركات التمويل الصغيرة، تدافع عن نفسها بالقول إن عملها يختلف عن البنوك التجارية، إذ لا توجد أي ضمانات مادية أو ممتلكات، بل تقتصر على الكفالات الشخصية في التمويلات الفردية، فيكون اللجوء إلى القضاء هو الحل الوحيد لتحصيل الحقوق.

وترى مؤسسات الإقراض أن نسب التعثر تبدو طبيعية بمعايير المؤسسات المالية المُقرضة، وأن هذه الظاهرة طبيعية.

وفق محمد العمايرة، مدير دائرة الاستقرار المالي في البنك المركزي الأردني، فإن إجمالي عدد المؤسسات العاملة في التمويل الأصغر هو 43 مؤسسة.

صندوق لـ"الغارمات"

أعلنت الحكومة الأردنية تخصيص مبلغ 750 ألف دولار من موازنة العام الحالي 2019 لصندوق الزكاة الأردني لحل مشكلة "الغارمات". وبحسب مدير صندوق الزكاة عبد السميرات، فإن عدد المستفيدات خلال العامين الماضيين 2017 و2018 بلغ 537 غارمة، و38 غارماً، وبقيمة مالية بلغت 570 ألف دولار.

لكن الحكومة لم تحلّ المشكلة بشكل جذري، بسبب وضعها شروطاً محددة للمستفيدات، بحسب طبيعة القضية والمطالبة المالية وقيمتها وخصائصها.

في السياق ذاته، تكشف وزيرة التنمية الاجتماعية باسمة اسحاقات عن وجود 5669 سيدة مطلوبة للتنفيذ القضائي بسبب ذمم مالية مترتبة عليهن بأقل من ألف دينار، مضيفةً أن الغارمات لمن تقلّ ديونهن عن ألف دينار لسن داخل السجون حالياً، ومجموع المبالغ المترتبة عليهن تصل إلى 3 مليون دينار.

وتشير إلى أن هناك جهات مختصة تعمل على تعريف "الغارمات" لتحديد المستحقات للسداد، مضيفةً أن  "الموضوع مرتبط بدخل الأسر وعدم التكرار وارتباط الغارمة بقضايا الاحتيال".

شرخ اجتماعي واقتصادي

آلاف الأردنيات اليوم مكبلات بقروض كان الهدف منها تشغيلهن أو فتح مشاريع صغيرة لهن، لكنهن تحوّلن الى مطلوبات للقضاء.

ويرى خبراء أن القضية تسببت بشرخ اجتماعي واقتصادي، إذ تقول مديرة الدراسات في اللجنة الوطنية لشؤون المرأة فدوى الخوالدة إن غياب الأم عن عائلتها نتيجة الحبس، يعرّض الأسرة للانهيار ويهدد تماسكها.  

فيما يحذر خبراء اقتصاديون من وقوع النساء فريسة قروض التمويل الصغيرة، مطالبين بتشديد الرقابة على شركات التمويل. 

وترى المحامیة والناشطة هالة عاهد أن "مصطلح الغارمات لم يُذكر في القانون الأردني، وهو يُطلق على السيدات العاجزات عن سداد ديونهن، اللواتي صدرت بحقّهنّ أحكام قضائية"، معربةً عن اعتقادها بأن التبرعات، هي من الحلول الآنية لمشكلة كبيرة، وأن أساس مشكلة "الغارمات"، أسلوب التمويل المرتبط بمؤسسات وصناديق تعتمد بشكل أساسي على الجهات المانحة التي تقدم القروض الصغيرة من دون أن توفر ضمانات مالية.

 وتبرز قضية "الغارمات" العديد من القصص الإنسانية المؤلمة لأمهات وربات بيوت انتهى بهن الحال إما خلف القضبان أو مطارَدات بسبب قروض لم تتجاوز في كثير من الأحيان 400 دينار أردني.

فتاة عشرينية أصبحت نزيلة في سجن النساء بعد أقل من عام على زواجها، بعد عجزها عن سداد قرض أخذته لمساعدة زوجها الذي اختفى بدوره.

 وتتحدث أخرى عن طريقة إلقاء القبض عليها من قبل إحدى الدوريات لعدم سدادها قرضاً مالياً منذ عام 2015، حصلت عليه لتسديد فواتير المياه والكهرباء وأجرة المنزل الذي تقطنه هي وأطفالها، وثالثة سُجنت بعدما عجزت عن سداد قرض حصلت عليه لدفع تكاليف ولادتها.

فيما تروي نساء أخريات قصص مشاريع فشلت وتعثرت بفعل غياب التوجيه الصحيح لهن ،ما حوّلهن إلى سجينات مع وقف التنفيذ.

المزيد من العالم العربي