Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"أفريقيا الروسية" شيفرة بوتين لـ"كسر العزلة"

خطط لتعزيز التعاون التجاري والتكنولوجي والاستخباري في مواجهة الهيمنة الغربية على القارة

الغذاء والأمن كانا الهدف المشترك لكل من روسيا وأفريقيا في سانت بطرسبورغ (أ ف ب)

ملخص

موسكو التي تحتل صدارة مصدري القمح للقارة السمراء تتصدر أيضاً قائمة موردي السلاح.

على مدى يومين تفرغ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للقاء القادة الأفارقة والتحاور معهم خلال القمة الروسية- الأفريقية في سانت بطرسبورغ الأسبوع الماضي، مركزاً حديثه على ماضٍ عريق من التعاون ومستقبل يراه مزدهراً بالشراكة، بينما حاضر بلاده ينبئ بحرب مع أوكرانيا، أو ما تسميها موسكو "عملية عسكرية خاصة"، تبعتها حال من العزلة فرضتها الولايات المتحدة والدول الأوروبية وحلفاؤها، مما دفع روسيا إلى السعي نحو إيجاد مساحات جديدة للحركة الدبلوماسية في القارة الأفريقية.

الغذاء والأمن كانا الهدف المشترك لكل من روسيا وأفريقيا في سانت بطرسبورغ، فموسكو التي تحتل صدارة مصدري القمح للقارة تتصدر أيضاً قائمة موردي السلاح، وفي المقابل تتوق الدول الأفريقية إلى توفير حاجات شعبها الغذائية، إلى جانب تعزيز قواتها الأمنية والعسكرية، وظهر ذلك في كلمات القادة، إذ تعهد بوتين بتقديم الحبوب مجاناً لست دول من الأكثر فقراً خلال الأشهر المقبلة، إضافة إلى الاستمرار في توفيرها لبقية الدول الأفريقية، بخاصة مع توقع محصول قياسي من القمح.

في المقابل، دعا الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الذي تعد بلاده أكبر مستورد للقمح في العالم إلى استئناف العمل باتفاق تصدير الحبوب عبر البحر الأسود من خلال حل توافقي يحقق مصالح جميع الأطراف ويضع حداً لارتفاع أسعار الغذاء عالمياً.

وكانت موسكو رفضت تجديد الاتفاق في منتصف يوليو (تموز) الماضي وانتقدت ما تراه عدم التزام من جانب الدول الغربية بالتزاماتها.

في مارس (آذار) الماضي، صادق بوتين على استراتيجية روسيا للسياسة الخارجية التي نصت على أن بلاده "تعتزم إعطاء الأولوية للقضاء على بقايا هيمنة الولايات المتحدة وغيرها من الدول غير الصديقة على الشؤون العالمية"، وهو ما ترجم خلال القمة في حديث بوتين حول أن بلاده وأفريقيا "تؤيدان إنشاء عالم متعدد الأقطاب مبني على احترام الشرعية الدولية"، كما يشير ذلك إلى أن القارة الأفريقية ستظل ساحة صراع على النفوذ بين روسيا والغرب، مع احتمالات تزايد الصراع كلما احتدم الوضع في أوكرانيا.

 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تعزيز الحضور

خلال الأعوام الماضية عززت موسكو حضورها الاستثماري في أفريقيا، حيث تبني أول محطة للطاقة النووية بالقارة في شمال مصر، إضافة إلى منطقة صناعية في منطقة قناة السويس واستثمار أكثر من 12 مليار دولار في مشروع للسكك الحديدية بغانا، فضلاً عن مشاريع أخرى للتعدين في زيمبابوي وأنغولا.

على الصعيد العسكري، وقعت روسيا اتفاقاً مع السودان لإقامة قاعدة عسكرية على البحر الأحمر، كما توجد قوات مجموعة "فاغنر" في أفريقيا الوسطى ومالي لأغراض التدريب العسكري، وهناك تقارير عن وجودها في دول أخرى مثل ليبيا والسودان.

الرهان الروسي على القارة الأفريقية كبير بحسب رئيس المركز الثقافي الروسي- العربي في سانت بطرسبورغ مسلم شعيتو الذي أوضح لـ"اندبندنت عربية" إن المقومات الاقتصادية والموارد الطبيعية في القارة الأفريقية، إضافة إلى موقعها الجغرافي الاستراتيجي ويربط بين جميع القارات وارتباطها بالعالم العربي، يجذب اهتمام السياسة الروسية، موضحاً أن موسكو بعد أحداث أوكرانيا وضعت من تطوير علاقتها مع العالم العربي وأفريقيا هدفاً لها.

وأكد شعيتو أن روسيا جادة جداً في تطوير علاقتها بدول القارة السمراء، وهو سبب أساسي دفعها إلى المطالبة بتمثيل أفريقيا في مجلس الأمن، إلى جانب ما سماه تحريرها من سيطرة وهيمنة الدول التي استعمرتها على مدى عقود وتشجيع بناء البنية التحتية في القارة بالتعاون مع الصين وباستثمارات ورأسمال روسيين.

فضاء للتحرك الروسي

في المقابل أثارت قمة سانت بطرسبورغ التساؤلات حول ما تستطيع الدول الأفريقية منحه من مكاسب سياسية لروسيا في ظل مناخ دولي يسوده الاستقطاب منذ الحرب الأوكرانية.

يرى منسق أبحاث وحدة أفريقيا في معهد الدراسات المستقبلية ببيروت محمد عبدالكريم أن جل ما يمكن أن تقدمه أفريقيا لروسيا منحها مساحة للحركة على الصعيد الدولي في ظل العقوبات وحال الاستقطاب الدولي منذ بدء الحرب الأوكرانية، وهو ما يظهر في الزيارات المتكررة التي يجريها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى دول أفريقية، ففي نهاية جولة أفريقية استمرت أسبوعاً في فبراير (شباط) الماضي، أكد لافروف أن الغرب فشل تماماً في عزل روسيا على الصعيد الدولي.

عبدالكريم اعتبر أن مخرجات قمة سانت بطرسبورغ كانت أقل من المتوقع، فعلى سبيل المثال لم تخرج بإعلان عن استئناف اتفاق تصدير الحبوب وهو المطلب الذي كانت تسعى إليه دول أفريقية عدة، وقال لـ"اندبندنت عربية" إنه على رغم التحرك الدبلوماسي الروسي النشط في أفريقيا وبخاصة في دول تعتبر الأفقر والأكثر هشاشة مثل مالي أو النيجر، فإن ذلك لا يعني عودة الأمور لأجواء الحرب الباردة أو الاستقطاب في عقود مضت.

تراجع التمثيل

على رغم الموقف الأفريقي المتسم في مجمله بالحياد تجاه الأزمة الأوكرانية والذي ظهر في التصويت على قرار إدانة روسيا في الجمعية العامة للأمم المتحدة في الـ22 من مارس (آذار) 2022 بامتناع 17 دولة أفريقية عن التصويت وتغيب سبع وتصويت دولة واحدة (إريتريا) ضد القرار، فإن تراجع عدد القادة المشاركين في القمة الروسية - الأفريقية الأسبوع الماضي مقارنة بالنسخة الأولى منها عام 2019 يدل على تفضيل كثير من الدول عدم اتخاذ موقف صريح لمصلحة موسكو، بحسب عبدالكريم.

وشارك في القمة الروسية - الأفريقية الأولى في سوتشي عام 2019، 49 رئيس دولة وحكومة أفريقية، بينما حضر 17 زعيماً أفريقياً فقط في سانت بطرسبورغ، وكانت الخارجية الروسية أشارت إلى ضغوط غربية مورست على دول أفريقيا لعدم المشاركة في القمة.

وحول تزامن القمة مع الانقلاب العسكري في النيجر، قال الباحث المصري في الشؤون الأفريقية إن تحرك العسكريين كان متوقعاً للمتابعين لمجريات الأمور في نيامي، مشيراً إلى أن موسكو قد تكون استغلت تلك الأوضاع، لكن في المقابل هناك إهمالاً من جانب الغرب تجاه الدول الأفريقية، وقد بدا ذلك في نتائج قمة حلف شمال الأطلسي (ناتو) الأخيرة في ليتوانيا التي لم تتناول التعاون الدفاعي مع الدول الأفريقية.

وبينما وصف مؤسس مجموعة "فاغنر" يفغيني بريغوجين الانقلاب في النيجر بالنبأ السار، قالت واشنطن إنها لا تملك دلائل على ضلوع روسيا في إطاحة الرئيس محمد بازوم.

أما ما لدى موسكو لتقدمه إلى الدول الأفريقية، فهو لا يتعدى توريد الأسلحة والمساعدة الأمنية الدفاعية عبر وسيط هو شركة "فاغنر"، وكذلك تقديم القمح بأسعار مخفضة، بحسب أستاذ العلوم السياسية الجزائري محمد سي بشير الذي أشار في تصريحات إلى "اندبندنت عربية" إلى أن قمة سانت بطرسبورغ جاءت في ظل الصراع بين موسكو والغرب باستخدام أدوات مثل الطاقة والقمح التي تعد أساسية للدول الأفريقية.

واعتبر سي بشير أنه يمكن للقارة الأفريقية الاستفادة من الاهتمام الروسي عبر تفعيل مقترحات بوتين بمنح أفريقيا مكاناً في "مجموعة العشرين" أو توسيع مجموعة "بريكس"، مما يحقق منافع اقتصادية للأفارقة في مقابل منح القارة لروسيا مساحة للتحرك اقتصادياً وأمنياً، إضافة إلى فتح أسواق أفريقيا لاستثمارات روسية، بخاصة في مجال التكنولوجيا والطاقة ضمن التنافس الدولي على القارة.

خطة التعاون

في البيان الختامي لقمة روسيا - أفريقيا التي اختتمت الجمعة الماضي، اعتمد القادة خطة عمل لتعزيز التعاون حتى عام 2026، وأكد بوتين في ختام القمة أن الطرفين اتفقا على تعزيز التعاون التجاري والتحول إلى العملات الوطنية في التسويات المالية.

وعدد بوتين المجالات التي يمكن لروسيا دعم الدول الأفريقية فيها، بما في ذلك نقل التكنولوجيا في القطاع المصرفي، إلى جانب تعزيز التعاون مع الأجهزة الاستخبارية، كما أعلن عن برنامج لدعم القطاع الصحي وتعزيز القدرات في مجال مكافحة العدوى بالدول الأفريقية بقيمة 1.2 مليار روبل حتى عام 2026.

ولا تبدو مهمة روسيا سهلة في تعزيز التعاون الاقتصادي مع القارة الأفريقية، فالتبادل التجاري الروسي مع أفريقيا لا يتخطى 15 مليار دولار في 2021، بينما تتفوق الصين بـ295 مليار دولار والولايات المتحدة بـ254 مليار دولار والاتحاد الأوروبي بـ65 مليار دولار.

كما تحتاج روسيا إلى تعزيز التمثيل الدبلوماسي في القارة الأفريقية، وهو ما أشار إليه بوتين في مقالته على موقع "الكرملين" قبل يومين من القمة، إذ أكد أن بلاده تهدف إلى توسيع شبكة سفاراتها ومكاتب التمثيل التجاري في أفريقيا.

وقال أوليغ أوزيروف رئيس أمانة "منتدى الشراكة الروسية - الأفريقية" إن روسيا تستعد لفتح سفارات في جميع دول أفريقيا، مشيراً إلى أن "الأمر لن يكون سريعاً"، وواصفاً قرار إغلاق بعض البعثات الدبلوماسية في التسعينيات من القرن الماضي بأنه "غير معقول" ويحتاج إلى تصحيح.

وخلال لقاء بين بوتين وإبراهيم تراوري رئيس الفترة الانتقالية في الدولة التي شهدت انقلاباً عسكرياً، تم الإعلان عن قرب افتتاح السفارة التي أغلقت عام 1992.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير