ملخص
تصريح الرئيس الأميركي جاء بعد يوم من لقاء ممثليه بالأمير محمد بن سلمان
"جاك سوليفان ليس في الرياض للسياحة"، بهذه الكلمات انفرد توماس فريدمان في مقالته في "نيويورك تايمز" الخميس الماضي بخبر لقاء مستشار الأمن القومي الأميركي قبل يومين بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في جدة، وقال فريدمان إن الرئيس الأميركي جو بايدن قرر إرسال مستشاره للأمن القومي إلى السعودية لبحث تفاهمات من شأنها دفع عملية السلام في الشرق الأوسط، معتبراً أن الاتفاق في حال حدوثه سيغير قواعد اللعبة في الشرق الأوسط.
وأشار الكاتب الأميركي إلى أن الرئيس جو بايدن يتصارع مع فكرة دعم اتفاقية أمنية أميركية - سعودية تمهد الطريق إلى تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل، شريطة أن تقدم تل أبيب تنازلات للفلسطينيين تحافظ على إمكانية حل الدولتين، مؤكداً أن قرار إيفاد سوليفان للسعودية جاء بعد نقاشات بين بايدن ووزير الخارجية أنتوني بلينكن، ومنسق شؤون الشرق الأوسط بريت ماكغورك.
وقال بايدن قبل أكثر من أسبوعين إن الطريق مازال طويلاً أمام اتفاق لتطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل إلا أنه عاد أمس الجمعة وقال خلال فعالية لجمع التبرعات لحملته الانتخابية في ولاية مين إن اتفاقاً مع السعودية ربما يكون في الطريق.
مطالب الجانبين
لدى السعودية ثلاثة مطالب من واشنطن بحسب "نيويورك تايمز، أولاً معاهدة دفاع مشترك على غرار "الناتو"، يضع الولايات المتحدة في خط المواجهة مع أي تهديد أمني ضد السعودية، وثانياً، دعم واشنطن لبرنامج السعودية النووي المدني، وثالثاً، بيع أسلحة متقدمة مثل منظومات "ثاد" المضادة للصواريخ البالستية والمفيدة للسعودية لتحييد تهديد صواريخ إيران الباليستية المتوسطة وطويلة المدى.
في المقابل، تريد الولايات المتحدة من السعودية وقف الحرب في اليمن، وتقديم حزمة مساعدات كبيرة للفلسطينيين في الضفة الغربية، ووضع حدود أمام العلاقة السعودية - الصينية المتنامية بما يشمل تقليص التعامل مع الشركات الصينية العملاقة مثل "هواوي".
وقال فريدمان إن واشنطن لم تتلق بابتهاج التقارير التي انتشرت العام الماضي حول تفكير الرياض بتسعير بعض مبيعاتها النفطية إلى الصين باليوان بدلاً من الدولار، محذراً من أن قراراً كهذا قد يكون له تأثير سلبي كبير في الدولار الأميركي، نظراً إلى النفوذ الاقتصادي الذي تملكه الصين والسعودية.
من جانبه قال يولي إدلشتاين رئيس لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست والعضو البارز في حزب ليكود الذي يتزعمه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن أي تأسيس لعلاقات مع السعودية لا يبدو وشيكا على الرغم من تنبؤ الرئيس الأمريكي بتقارب محتمل بين الجانبين.
وكان نتنياهو أعلن يوم الأحد مشروع توسعة للسكك الحديدية بقيمة 27 مليار دولار لربط مناطق بعيدة على الأطراف مع تل أبيب، وقال في تصريحات نقلها التلفزيون "أود أن أضيف أننا في المستقبل سنكون أيضا قادرين على نقل البضائع بالقطارات من إيلات إلى البحر المتوسط، وسنكون أيضا قادرين على ربط إسرائيل بالسعودية وشبه الجزيرة العربية عبر السكك الحديدية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
عقبات أمام الاتفاق
مصادقة واشنطن على معاهدة دفاع مشترك مع دول غير ديمقراطية ستكون الأولى منذ توقيع دوايت أيزنهاور على المعاهدة الدفاعية لعام 1953 مع كوريا الجنوبية، وفيما لم تحسم إدارة بايدن الديمقراطية أمرها بعد حيال هذا المطلب السعودي، يرى مراقبون صعوبة تمرير المعاهدة أمام مجلس الشيوخ ذي الأغلبية الجمهورية.
وتريد السعودية من واشنطن أن تكون شريكاً في برنامجها النووي المدني، شريطة أن تسمح بنقل التكنولوجيا اللازمة لتخصيب اليورانيوم داخل أراضيها، وهو المطلب الذي لطالما كان عقبة أمام التعاون السعودي - الأميركي في مجال الطاقة النووية، وليس من الواضح بعد ما إذا كانت الإدارة الأميركية مستعدة لتقديم تنازلات بهذا الشأن، إذ إن أي تنازل عن اتفاقية 123 التي تمنع الدولة الموقعة عليه من إنتاج الوقود النووي لمفاعلاتها داخل أراضيها، من شأنه دفع دول أخرى كالإمارات إلى المطالبة بالمعاملة بالمثل.
إضافة إلى هذه العقبات، يرى فريدمان أن إتمام مثل هذا الاتفاق معقد لأنه يشمل أطرافا عدة، لافتاً في الوقت نفسه إلى أن المحادثات الاستكشافية تمضي قدماً بوتيرة أسرع من المتصور.
المطالب من نتنياهو
ويرى الكاتب الأميركي أن هكذا اتفاق مع السعودية يجب أن يتضمن تعهداً رسميا من حكومة بنجامين نتنياهو "بعدم ضم الضفة الغربية، وعدم السماح بالاستيطان في الضفة الغربية خارج المستوطنات الموجودة، وعدم شرعنة البؤر الاستيطانية اليهودية الجامحة، ونقل المناطق الفلسطينية في (ج) الخاضعة الآن للسيطرة الإسرائيلية إلى مناطق (أ) و(ب)، ووضعها تحت سيطرة السلطة الوطنية بحسب شروط اتفاقيات أوسلو".
وقال فريدمان إن توقيع إدارة بايدن اتفاقية من دون التزام ملموس للفلسطينيين سيكون ضربة قوية للحركة الديمقراطية الإسرائيلية ولحل الدولتين الذي يعد حجر الزاوية للسياسة الأميركية في الشرق الأوسط، ومكافأة لنتنياهو بهدية جيوسياسية مجانية على رغم قراراته غير الديمقراطية في إشارة إلى مشروع "الإصلاح القضائي" الذي أشعل تظاهرات واسعة في إسرائيل بسبب الصلاحيات التي يسلبها من المحكمة العليا لصالح السلطة التنفيذية، مشيراً إلى أن بايدن لن يمنح نتنياهو هذا الانتصار من دون مقابل للفلسطينيين لأن ذلك سيحدث ثورة داخل قاعدة الحزب التقدمية وسيصعب تمرير الاتفاق في الكونغرس.
من جانبها، ترى مروة مزيد أستاذة العلاقات المدنية والعسكرية بجامعة ماريلاند الأميركية أن فرضية "شيء في المقابل" غير دقيقة، لأن شيئاً عادياً كإرسال أسلحة مشتراة، أو تقديم الدعم لبرنامج نووي مدني لا علاقة له بصفقة تطبيع إسرائيلية - سعودية، لأنها قضايا ثنائية بين واشنطن والرياض، مضيفةً بأن بايدن سيستمر أثناء حملته الانتخابية في إثارة الصفقة كأحد أهداف سياسته الخارجية، ولكن السعودية وإسرائيل لن تقررا المضي قدماً لأنهما لا تريدان أن يحدث ذلك في عهد بايدن على حد رأيها.
وقالت مزيد في حديثها لـ "اندبندنت عربية" إنها لا تعتقد أن هناك فرصة أو حاجة فعلية لاتفاق أمني رسمي بين السعودية والولايات المتحدة، مشيرةً إلى أن الرياض لا تريد التزاماً رسمياً كما يتداول، بل تريد الموافقة على المعدات العسكرية التي اشترتها وتسليمها في الوقت المحدد، لافتةً إلى أن إسرائيل نفسها لا تملك اتفاقاً مع الولايات المتحدة على غرار "الناتو" ، ومع ذلك فهي تعرف كيف تدير تعاونها الأمني وعلاقاتها مع الولايات المتحدة.
من جانبه، يرى الباحث علي الشهابي أن تضاؤل تأثير الولايات المتحدة على السعودية قد يتوقف إذا قررت الولايات المتحدة توسيع مظلتها العسكرية لمساعدة الرياض في الدفاع عن نفسها ضد التهديدات الخارجية لأمنها، مشيراً إلى أن القادة السعوديين اليوم يرون أن العالم أصبح متعدد الأقطاب، حيث لم تعد الولايات المتحدة المنهكة من الحروب مهتمة بنشر قوتها العسكرية لدعم النظام التقليدي الذي تقوده في الشرق الأوسط.
ولفت الشهابي في مقالة نشرها معهد "هوفر" التابع لجامعة ستانفورد إلى الصين كبديل للسعودية في حال لم تلب الولايات المتحدة طلباتهم، لافتاً إلى أن بكين مستعدة لتزويد الرياض بالتكنولوجيا النووية مع قيود أقل مما تريد أميركا فرضه، واعتبر الكاتب السعودي الصين شريكاً طبيعياً لبلاده نظراً لكونها أكبر مستورد للنفط السعودي وأكبر شريك تجاري للمملكة، فضلاً عن أنها تدعم قطاع الدفاع السعودي من خلال توفير الصواريخ الباليستية والطائرات من دون طيار وغيرها من المعدات التي لا ترغب الولايات المتحدة في بيعها للجيش السعودي.
ويقول الشهابي إن السعودية تغيرت بشكل كبير منذ تأسيسها قبل الحرب العالمية الثانية، فهي اليوم أكثر ثقة بنفسها كإحدى دول العشرين، وتحولت من كونها محكومة من قبل حكام ولدوا في عصر ما قبل اكتشاف النفط إلى دولة يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الذي ولد ما بعد الطفرة النفطية الأولى عام 1973، ويرى العالم ومكانة السعودية فيه بشكل مختلف عن أسلافه.