Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

خروف افتراضي وتهاني إلكترونية... هكذا غيرت التكنولوجيا احتفالات العيد

الغالبية يرونها وفرت الوقت والجهد وقلَّصت الإنفاق في ظل أوضاع اقتصادية صعبة

الرسائل النصية والوسائط المتعددة أفقدت حميمية المعايدات بين الجميع (رويترز)

أبقارٌ افتراضيَّة، ومأمأةٌ عبر الهواتف المحمولة، وأطباقٌ من الفتة واللحوم المشويَّة لا تبث روائح، أو تكشف عن نَفَس ست البيت بالمطبخ، أو "الشيف" بالمطعم، وتهاني جماعيَّة، بعضها يبث تكبيرة العيد مع تمنيَّات بأيام كلها فرج، والبعض الآخر يكتفي بصورةٍ لخروف يرتدي بدلة، ويضحك ملء قرنيه، متمنياً عيد أضحى سعيداً للجميع.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الجميعُ يشكو من التهاني الجماعيَّة الواردة عبر الرسائل النصيَّة القصيرة ومتعددة الوسائط الطويلة، لأنها سلبت العيد تهانيه الموجهة، وحرمت الناس من التواصل الشخصي والجانب الإنساني في أيام العيد المباركة. ورغم ذلك فإن الجميع أيضاً يدق "شير"، ويعيد تدوير الخراف الافتراضيَّة والمعايدات الجماعية تارة لتوفير الوقت والجهد، وأخرى لتقليص الإنفاق والإهدار في ظل أوضاع اقتصادية ضاغطة.

خروف بالقطن بدلا من المكسرات

الضغط على أي خروف من الخراف المصطفة على أرصفة الشوارع لدى البائعين ينجم عنه مأمأة ضارية تعقبها ضحكة عالية. خروف محشو بالقطن لا يُذبح أو يؤكل أو يكلف صاحبه طعاماً وشراباً، لكنه يلقى قبولاً منقطع النظير في إشارات المرور الرئيسية، وعند المطبات والمنحنيات التي تجبر السيارات على التهدئة.

يقول محمد، بائع الخروف الدمية، وهو يضحك "خروف ضاحك خيرٌ من لا شيء. الأعوام الأربعة الأخيرة تشهد إقبالاً متزايداً على شراء هذه اللعب المحشوة بالقطن. كثيرون يشترونها لأبنائهم، لكن يبدو أن التعويم والغلاء والظروف الاقتصاديَّة الصعبة دفعت البعض إلى شراء خروف محشو قطن بدلاً من ذلك المحشو أرز ومكسرات".

الخروف الضاحك لا يقف وحيداً في التغيرات الطارئة الحادثة على احتفالات المصريين بعيد الأضحى. فمعه تجوب بقرة أرجاء "فيسبوك" مهنئةً المستخدمين بالعيد، وأخرى تغني "أهلاً بالعيد"، وهي ترقص في مقطع كرتوني ناطق يتداول على مجموعات "واتس آب"، وثالثة تتدخل في مناطحة تنافسيَّة مع الخروف لتحديد أيهما أولى بالعيد في مجموعة رسوم كاريكاتورية يتداولها سكَّان الشبكة العنكبوتية، حيث تهاني العيد الافتراضية.

 

تهاني افتراضية

التهاني الافتراضية باتت محل جزء كبير من الزيارات العائلية والتهاني الشخصيَّة، وهو ما يثير حفيظة الأجداد والجدات، وارتياح الآباء والأمهات، وغبطة الشباب والصغار. يعرب الجدّ حافظ محمد، 80 عاماً، موظف متقاعد، عن أسف لا يخلو من غضب لما آلت إليه تهاني العيد. يقول "ربما أقبلُ أن يهنئني أحفادي بعيد ميلادي أو أول العام الجديد أو عيد تحرير سيناء عبر رسالة على المحمول، لكن أن يرسلوا لي أفلام كرتون سخيفة وبطاقات معايدة أسخف فهذا مرفوض".

الجدّ الذي أعلن اعتراضه على مسألة التهاني الافتراضية فوجئ قبل أيام بأحفاده الخمسة يهاتفونه مهاتفةً مرئيةً ليهنئونه بالعيد نظراً لوجودهم جميعاً في الساحل الشمالي للتصييف. يقول "اضطررتُ للرد على المكالمة، لكني لست راضياً عن هذا الهدم المتعمد لمنظومة العيد والعلاقات الأسريَّة والزيارات واللقاءات وجهاً لوجه".

أوجه التغيير في احتفالات العيد في مصر كثيرة ومتشابكة. فنمو المدن وتوسعها توسعاً مريعاً أديا إلى تباعد المسافات كثيراً. منى أحمد، 45 عاماً، تسكن في مدينة السادس من أكتوبر مع زوجها وأبنائها، تعترف أنها لم تعد تزور كل أقاربها في الأعياد. تقول "خالاتي يُقمن في حي الزيتون، وأعمامي وعماتي بين التجمع وشبرا والعجوزة، وهذا يعني أن كل زيارة للتهنئة بالعيد تتكلف ما لا يقل عن مئة جنيه وقود سيارة فقط. والحقيقة أصبحت أعتمد على التهاني الهاتفيَّة، وإرسال الرسائل الصوتيَّة، وبطاقات العيد الناطقة".

بطاقات ناطقة

بطاقات العيد الناطقة تراها الأجيال الأصغر سناً باعتبارها طوق نجاة من الزيارات الأسريَّة المملة التي لا تأتي على هوى الصغار. يقول أكرم شهاب، 18 عاماً، إنه يحب جده وجدته وأقاربه، لكن الملل يقتله في مثل هذه الزيارات، لذا يعتبر التهاني العنكبوتية خير الحلول الوسط.

ووسط فيضان الرسائل الموفرة لتكلفة الانتقالات والمواصلات وتسونامي التهاني المليارية المختزلة العلاقات الإنسانية في مأمأة إلكترونية، ما زال هناك من يبقى ممسكاً بتلابيب التهنئة الشخصية حتى وإن كانت هاتفية. تقول أمنية الشرقاوي، 38 عاماً، "اتخذت قراراً قبل أعوام بعدم التفاعل مع أي رسائل جماعية كتلك التي تُتداول بالملايين بين البشر، التي لا تستوجب سوى (شير) أو تحميل من على مواقع الإنترنت".

وتضيف "ليس من المنطقي أن أتكبّد عناء الرد والشكر على من لم يكلف خاطره بتهنئتي ولو بمكالمة هاتفية أو حتى رسالة تحمل اسمي وليست مرسلة لكل من هب ودب. هذه التهاني الافتراضية دمَّرت أحد الأركان الاجتماعية المهمة في الأعياد والمناسبات، وإن كنت أتفهم الجانب الاقتصادي الضاغط الذي ربما يدفع البعض للهروب من أي تكلفة مادية إضافيَّة".

التكلفات الإضافية والتحديثات الحضارية استبدلت كثيراً من التجمعات العائليَّة حول ولائم ممدودة وذبائح مطبوخة بتجمعات متقلصة في مطاعم وأندية، حيث "الحساب أميركاني" بحت. يقول عادل مصطفى، 58 عاماً، موظف، إن إخوته وزوجاتهم ووالدته توقفوا عن التجمعات الأسريَّة والولائم منذ نحو ثلاث سنوات. مضيفاً "نتقابل جميعاً في أول أيام العيد لتناول وجبة الغذاء في أحد مطاعم الكباب والكفتة، إذ تدفع كل أسرة لنفسها ونتقاسم فاتورة والدتي جميعاً. لقد جعل هذا الحل العيد أسهل وأريح للجميع".

تقاليد النازحين

ويظل هناك من يصرّ على عادات العيد الكلاسيكية من تجمعات أسريَّة في البيوت وابتعاد عن مواقع التواصل الاجتماعي البديلة، لا سيما في المدن الصغيرة والقرى. إذ إن نسبة غير قليلة من سكان القاهرة الكبرى (القاهرة والجيزة والقليوبية) الحاليين هم نازحون من الريف، وغالبيتهم يعود إلى قراهم في العيد من أجل الاحتفالات الأسرية. الحديث عن مطعم يجمع الأسرة أو فاتورة تُقسَّم على الإخوة أو اقتسام تكلفة وجبة الأم بين الأبناء أقرب ما تكون إلى المستحيل، لأنها عيب.

عيوب تحديث العيد عبر التهاني الافتراضية والمكالمات الهاتفية المصورة والعزائم الخارجية التشاركية تظل قابلة للنقاش ومادة للتجاذب والقيل والقال، لكن قيود الترشيد وضرورات التضييق أصبحت أشبه بالقانون الوضعي غير القابل للنقد. صارت الأسر تتعامل مع قوانين الترشيد المفروضة ذاتياً وقواعد ربط الأحزمة على البطون المفعلة كلياً باعتبارها أسلوب حياة.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات