ملخص
تضم تونس حالياً أكثر من تسعة آلاف من اللاجئين وطالبي اللجوء لكن الاتهامات الحقوقية تلاحق البلاد بسبب أوضاعهم.
جدل حقوقي وسياسي أثارته وضعية المهاجرين من دول أفريقيا جنوب الصحراء بتونس في خضم حملة ضدهم تم تدشينها، منذ أشهر، مما فتح الباب أيضاً أمام تساؤلات حول مصير اللاجئين، خصوصاً بعد توافد أعداد من السودانيين الفارين من جحيم الحرب في بلادهم.
منظمة "هيومن رايتس ووتش" وفي بيان نشرته عبر موقعها الرسمي، قالت إنه "لا ملاذ آمناً للاجئين والمهاجرين في تونس"، متهمة السلطات في البلاد بارتكاب ما سمتها "انتهاكات" في حقهم.
قبل أشهر أثارت قضية اللاجئ السياسي الجزائري سليمان بوفحص الذي استعادته بلاده لغطاً كبيراً، وقالت عائلته إنه وقع اختطافه في تونس، حيث كان يمكث، قبل أن تزيد قضية المعارضة الجزائرية أميرة البوراوي، التي دخلت تونس بشكل غير قانوني، الطين بلة بعد تسليمها إلى فرنسا على رغم مطالبة بلادها باستعادتها.
نقص الإمكانات
وضاعفت مذكرة التفاهم التي وقعتها تونس الأحد الماضي مع الاتحاد الأوروبي التكهنات في شأن اللاجئين والمهاجرين بين من يرى أنه سيتم ترحيلهم إلى بلدانهم الأصلية وآخرون يستبعدون ذلك، خصوصاً في ظل الصعوبات التي قد تواجهها البلاد في هذه العملية، حيث لا توجد اتفاقات ثنائية مع هذه الدول في ما يخص الملف.
وتضم تونس حالياً أكثر من تسعة آلاف من اللاجئين وطالبي اللجوء، وتتولى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تسوية وضعية هؤلاء ودراسة الطلبات المقدمة لكنها تستغرق وقتاً، مما دفعهم إلى الاحتجاج في جنوب تونس ضد ما يحدث معهم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وخلال مارس (آذار) الماضي نظم العشرات من اللاجئين في مدينة جرجيس جنوب شرقي تونس احتجاجاً أمام مكتب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين للمطالبة بترحيلهم إلى بلد آخر آمن، وذلك بعد أيام من خطاب للرئيس قيس سعيد مثير للجدل، قال فيه إنه "يوجد ترتيب إجرامي لتغيير التركيبة الديموغرافية لتونس من خلال المهاجرين"، مما قاد إلى تصاعد العنصرية في حق الأفارقة.
وذكر مدير مركز تونس للهجرة واللجوء حسن البوبكري أن بلاده "لن توصد أبوابها أمام اللاجئين، لكن يجب أن يكون هناك توازن بين الالتزامات الإنسانية والإمكانات المتوفرة لمواجهة موجة اللجوء والهجرة غير النظامية، فتونس لا يمكن أن تكون بلد استقرار لكل هؤلاء الذين هم ضحايا في نهاية المطاف".
وقال البوبكري، وهو أكاديمي متخصص في الجغرافيا ودراسات الهجرة بالجامعة التونسية، في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، إن "تونس ليس لديها إمكانات لكن يمكن أن تضغط على أوروبا لتعزيز منظومات التسجيل والحماية بالنسبة إلى اللاجئين والمهاجرين، على حد سواء، لأنهم جاؤوا إلى بلدنا هرباً من أسباب معينة بعيداً من نظريات المؤامرة، فالمنظومة الاقتصادية الدولية الحالية تدفع إلى ظهور عدد كبير من المهمشين، علاوة على أسباب أخرى مثل الحروب التي تشهدها بعض الدول".
ووقعت تونس الأحد الماضي مذكرة تفاهم مع الاتحاد الأوروبي بحضور رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، ورئيس الوزراء الهولندي مارك روته، في شأن الهجرة غير النظامية، إذ سيتم دعم هذا البلد الأفريقي في هذا الملف بـ105 ملايين يورو (117 مليون دولار).
البوبكري طالب بـ"منظومة وطنية للاستقبال والحماية من جميع النواحي لهؤلاء اللاجئين والمهاجرين، على غرار تلك الموجودة في دول مثل إيطاليا، لأن غيابها يشكل تحدياً خاصاً يجب على تونس أن تعمل عليه من خلال الضغط على الأوروبيين".
غياب الاحترام
باتت تونس خلال الأشهر الماضية في مرمى انتقادات المنظمات الحقوقية بعد خطاب للرئيس سعيد خلال اجتماع لمجلس الأمن القومي، تحدث فيه عن معضلة المهاجرين غير النظاميين الذين يراودهم حلم العبور إلى الضفة الأخرى من المتوسط.
وتقول المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إن تسعة آلاف من طالبي اللجوء واللاجئين في تونس يصلون إليها إما براً أو جواً من الشرق الأوسط أو جنوب الصحراء أو القرن الأفريقي، حيث يفر هؤلاء من حروب ومجاعات تحاصرهم في دولهم.
وقال البرلماني السابق والناشط السياسي التونسي مجدي الكرباعي إن "مسألة اللجوء في بلادنا مسألة دقيقة وحساسة جداً في هذا الظرف أولاً، لأن خطاب الكراهية والعنصرية في تنامٍ من السلطة تجاه المهاجرين واللاجئين ويتم وضعهم في سلة واحدة".
أضاف "ثانياً تونس ليس لها تشريعات لتنظيم مسألة اللجوء على رغم بعض المحاولات من البرلمان السابق لإصدار قوانين في هذا الصدد، لأنه رأينا كيفية تسليم البغدادي المحمودي إلى ليبيا وهو لاجئ سياسي وأيضاً سليمان بوفحص، ولم تحترم تونس بالتالي حماية طالبي اللجوء".
وذكر أن "عدم وجود قوانين تنظم مسألة اللجوء إلى تونس يفتح الباب أمام هذه الاختلالات على رغم توقيع البلاد على اتفاقات دولية تتعلق بحماية اللاجئين الذين يأتون لأسباب مختلفة، سواء بسبب حروب أو أزمات أخرى مثل السودان".
وأوضح أن "خطاب الكراهية مع الأسف أصبح متفشياً في علاقته باللاجئين والمهاجرين وتعودنا عليه في أوروبا، خصوصاً من اليمين المتطرف وليس تونس، وهذه مشكلة كبيرة في الواقع ستقود إلى عدم تمتع اللاجئين وطالبي اللجوء بحقوقهم ولن تتوفر لهم حماية، ونرى حالياً كيفية طردهم إلى الحدود مع ليبيا".
ولم يتوان التونسيون في الترحيب بالجزائريين خلال العشرية السوداء التي شهدتها بلادهم خلال التسعينيات، وفعلوا الأمر نفسه مع الليبيين إبان الانتفاضة ضد معمر القذافي في 2011، لكن يبدو أن الأمر تغير الآن لا سيما في ظل الأزمات الاقتصادية التي تئن تحت وطأتها تونس والتي طاولت السلع الأساسية مثل السكر والرز والخبز وغيرها من السلع التي فقدت من الأسواق المحلية.
واختتم الكرباعي حديثه بقوله إن "تونس إبان الثورة الليبية استضافت قرابة 500 ألف طالب لجوء ليبي لكن للأسف الآن لم تعد ملاذاً بالفعل للاجئين، خصوصاً مع تفشي خطاب الكراهية الذي يجد صدى له".