تأتي مناسك الحج لهذا العام في وقت تشهد السعودية موجة غير مسبوقة من التغييرات، بينها السماح للسيدات بقيادة السيارات الذي بدأ تطبيقه في يونيو (حزيران) الماضي، والسعي إلى تحقيق التوازن بين الجنسين في مراكز صنع القرار، وتعزيز إسهامات حضور المرأة السعودية وانفتاح على الخارج، ووسط أزمة سياسية مستمرة بين السعودية وقطر وإيران وتوترات قائمة في المنطقة والخطر الذي تشكله ميلشيا الحوثي لأمن السعودية، بعد استهداف الحوثيين بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة أهدافا مدنية شملت مطار أبها جنوبي السعودية ومنشآت لنقل النفط.
وهيأت السعودية حج المسلمين لموسم هذا العام بجهود تنظيمية أمنية مكثفة لضمان سلاسة وانسيابية حركة الحجاج باختلاف أعمارهم وأعراقهم، وضخامة عددهم وسط أجواء الأمن والطمأنينة التي سادت مواقع المشاعر المقدسة، وسخّرت السعودية كل طاقاتها الأمنية والخدماتية، بما في ذلك أكثر من 350 ألف عنصرًا أمن مختلف القطاعات، في سبيل إنجاح موسم الحج والاستعداد لأي طارئ بعد أن بدأ أكثر 1.838.339 آلف حاجا تدفقوا من جميع بقاع الأرض، لأداء مناسك الحج.
تمكين المرأة في مجالات مختلفة
واتجهت الحكومة السعودية إلى تمكين المرأة في مجالات مختلفة وجعلها شريكا حقيقيا في التنمية والاقتصاد الوطني والبناء الاجتماعي باعتباره من الملفات الوطنية المهمة في أجندة رؤية 2030، حيث تعيش السعوديات على إيقاع وتيرة من التغييرات والإصلاحات المتسارعة، جعلتهن أكثر تطلعا إلى مستقبل تسود فيه مساواة حقيقية بين المرأة والرجل ليصبحن فاعلات ومؤثرات في المرحلة المقبلة.
وكانت السلطات السعودية قد اتخذت خطوة في وقت سابق في إطار المزيد من تفعيل مشاركة النساء في الحياة العامة وميادين القوى الأمنية، وذلك بفتح باب التجنيد الإختياري أمام الفتيات للالتحاق بالحياة العسكرية برتبة جندي.
وبرز دورهن في مشاركتهن التنظيمية والأمنية خلال موسم الحج أشادت به وسائل الإعلام المحلية والعالمية المقروءة والمسموعة والمرئية، وساعدت هذه الاتجاهات على ظهور جيل جديد من الكفاءات النسوية السعودية اخترن ممارسة معرفتهن الجامعية وقدراتهن الفنية في عالم لم يكن متعارفا عليه في جيل أمهاتهن وجداتهن وبحسب القائمين على مركز العمليات الأمنية الموحد 911 بمنطقة مكة المكرمة فإن الشابات السعوديات اضطلعن بالعمل الإداري والأمني بمشاركة 120 عنصرًا من الشباب والشابات السعوديين جميعهم من الجامعيين المؤهلين ويتسم عملهن بالسرعة والتفاعل الحي حيث لا يتجاوز الرد على المكالمة أكثر من ثانيتين فقط لاستقبال البلاغات الأمنية وما يتصل بها على مدار 24 ساعة عن طريق أحدث الأجهزة والتقنيات باستخدام عدة لغات منها الإنجليزية، الفرنسية ، والألمانية، الأوردية والماليزية والإندونيسية إضافة إلى اللغة العربية، ثم يتم توزيع البلاغات بحسب التخصص على الأجهزة الأمنية والتعامل معها في أقل من 45 ثانية مع مراقبة الاتصالات بشاشات إحصائية ومؤشرات نوعية الكترونية تعرض مدى سرعة الاستجابة للمكالمات المستقبلة من المواطنين والمقيمين والحجاج الزائرين.
ويضم مركز العمليات الأمنية الموحد 47 غرفة عمليات يشرف عليها عدد كبير من القيادات الأمنية والضباط وتحوي قاعات للمراقبة الحية والمتابعة عن بعد والتحكم في إدارة الأزمات من خلال 15 ألف كاميرا مراقبة لتغطية منطقة مكة المكرمة بمحافظاتها ومشاعرها الدينية والوقوف على حركة الحشود ومتابعة الأزمات والكوارث الطبيعية وتؤدي الشابات أدوارهن بمتابعة من قبل ممثلي القطاعات الأمنية والخدمية.
واعتبرت السعوديات المشاركات في صفوف العمل الأمني والإداري التقني شرف مناط بهن لخدمة ضيوف الرحمن أن أكثر مايسعدهن دعوات الحجاج خلال تقديمهن الخدمات بعد تدريبهن ضمن العديد من الأفراد في القطاعين الأمني والإداري من الجنسين من خلال برامج تقنية يتم تطويرها باستمرار لمواكبة كل جديد ومن خلال غرف المحاكاة لبيئة العمل الحقيقية الأمر الذي يضمن بلوغ ارتفاع جودة الخدمات المقدمة للحجاج بمختلف شرائحهم وفق معايير عالمية وتقنيات حديثة وعمل دقيق ومتفانٍ.
15 ثانية فترة اجراء المنقبات وإنهاء دخولهن
وتجلّت مشاركات السعوديات وأدوارهن في منافذ جوازات مطار الملك عبد العزيز بجدة لتسهيل إجراءات دخول الحجاج والتأكد من تصاريح الحج وتوفير بيئة آمنة لهم وقال النقيب ناصر العتيبي " المتحدث الرسمي للجوازات" لـ" اندبندنت عربية" " أن المرأة السعودية تقدم دورا فعالا في منافذ الجوازات وقامت المديرية العامة للجوازات بتدريبهن وتأهيلهن أكاديميا وأمنيا بإشراف متخصصين في أنظمة الجوازات وفي طرق التعامل مع الجمهور في موسم الحج".
وتابع: "وضاعفت الجوازات أعداد السعوديات العاملات لموسم حج هذا العام نظرا لأهمية الدور الذي تقوم به موظفة الجوازات من داخل صالات الجوازات لاستقبال النساء والتأكد من هوية السيدات المنقبات وإنهاء إجراءات دخولهن إلى السعودية في وقت قياسي لا يتجاوز 15 ثانية".
ويرى مراقبون أن تطورات أدوار الطاقات النسائية في موسم الحج تعكس تحولا سياسيا واجتماعيا ستكون له انعكاسات مباشرة على المشهد السياسي السعودي على ضوء الإصلاحات الكبيرة التي تشهدها السعودية وتثبت تعزيز قدرات النساء السعوديات المعرفية المهنية وتطوير مهارتهن الإنتاجية، وصولا لقيادتهن لمراكز اتخاذ القرار والالتحاق بالخدمة العسكرية، بعد أن كانت لعقود طويلة رهينة التقاليد المحافظة والقيود الصارمة التي تفرضها بعض المعتقدات المتشددة من رجال الدين تكبّل طموحات النساء السعوديات، وتفرض عليهن العمل في مجالات ضيقة النطاق.