Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تفجير "معهد الأورام" في مصر... حكايات المستجيرين من الرمضاء بالنار

المرضى خرجوا حاملين أكياس الدم والبلازما بأيديهم... وعروس الليلة الدامية: عائلتي تطايرت أشلاء أمام عيني

مشاهد الألم والموت والدمار لم تختفِ في محيط المعهد القومي للأورام بوسط القاهرة، فلا تزال تفاصيل الزحام تدركك ما إن تطأ قدماك محيط المكان، وتشعرك أن حادثا ضخما مر من هنا، رغم سرعة عمليات الترميم التي بدأتها الشركات المصرية لإصلاح ما أفسده التفجير الإرهابي في وقت متأخر من مساء الأحد الماضي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبين الانتشار الأمني المكثف واستمرار محاولة انتشال بقايا الحادث التي استمرت حتي ساعة متأخرة من مساء الثلاثاء، بقي رماد الأرصفة الذي خلفته النيران حاضرة بالروايات وسط تعددها بشأن أعداد القتلى والمصابين وعمليات نقل مرضى المعهد ومستقبل علاجهم بعد أن وزعتهم السلطات المصرية على عدد من المستشفيات المحيطة في ذات التخصص "الأورام السرطانية".

ومع محاولة تقصي "اندبندنت عربية" لحقائق ما جرى من أحداث في ذلك اليوم، كان الشيء الأكثر تبايناً هو أعداد القتلى والمصابين، فبحسب الإعلان الرسمي للسلطات، لقي نحو 22 شخصا مصرعهم بينهم 4 مجهولي الهوية فيما أصيب نحو 47 آخرين، إلا أن قريبا لمجموعة من الضحايا أكد لنا أن أكثر من 20 شخصا فُقدوا من عائلته بعدما تصادف مرور عرس إلى جوار الحادث، بالإضافة إلى وفاة اثنين من عناصر الأمن بالمعهد، ووفاة عدد من رواد المعهد من المرضى حيث طالت المبنى آثار الدمار، فيما لا يزال آخرون ينتظرون تسلم جثث ذويهم وآخرون يحاولون جمع أشلاء أقاربهم، فماذا حدث في ذلك اليوم وكيف تحول قلب القاهرة إلى جحيم طال مرتادي أحد المستشفيات المعالجة لأورام السرطان؟.

 

ليلة الحادث

وسط زحام الشارع الرئيس المطل عليه المعهد مع الانتشار الأمني المكثف للملمة بقايا السيارات المتفحمة وانتشال الأجزاء التي سقطت من حطامها في مياه النيل، يبحث آخرون عن بقايا ذويهم في محيط المكان، فيما يستمر آخرون في القدوم من قرى ومحافظات مصر، لم يعلموا بعد بما حدث لمحاولة تلقي العلاج لمرضاهم بالمعهد الذي أغلق أبوابه ونقل مرضاه إلى المستشفيات المحيطة. وبين مشاهد الألم والمرض والموت، يواصل عشرات من العمال أعمال الترميم لما حطمه انفجار بقيت تفاصيله حاضرة بالمكان.

وفق أحد شهود العيان، يدعى حسن عبد الحميد، "بدا المشهد وكأنه يوم القيامة، هزة عنيفة لم نشهدها من قبل ترج الأبنية ثم تتصاعد النيران وتتسع فجأة، بعدها تعالت أصوات بالصراخ". بحسب عبد الحميد الثلاثيني، وصاحب أحد الأكشاك المحيطة بالمكان، "كنت أمارس عملي كالمعتاد في ذلك المكان الذي يبتعد بضعة أمتار عن المعهد، المكان اهتز فجأة بصورة لم أكن أتخيلها وصلت صداها لجوار الكشك حيث سقط بعض المحيطين مغشيا عليهم جراء التفجير". مضيفاً "في غفوة احتلت النار المكان، وبدأت الأشلاء البشرية تتطاير، وبينما هرب البعض قدم آخرون المساعدة الضحايا".

وعلى أحد المقاهي القريبة من الحادث، تتباين الروايات وتتسع تصوراتها، وإن اشتركت جميعها في أن "لا حديث يعلو فوق حادث معهد الأورام". يقول إبراهيم سعد، أحد من تصادف وجودهم في محيط المكان "في العادة نجلس على القهوة الكائنة بشارع قصر العيني خلف مبنى المعهد، أنا وأصدقائي بعد دوام العمل، وفي ذلك اليوم وقبل دقائق من التفجير ذهبت لإحضار العشاء لبعض زملائي". يضيف "في المعتاد أسلك الكوبري بجوار المعهد في الضفة الشرقية وصولا إلى الضفة الغربية حيث تعدد مطاعم الأكل، لكن في هذه المرة قررت أن أسير باتجاه الملك الصالح".

وبحسب سعد، في طريقي نحو أحد المطاعم، وعلى بعد أمتار فوجئت بتعالي أصوات بعض السيارات اعتراضا على سير أخرى بالاتجاه المعاكس، كان المشهد غريبا، بشأن تلك السيارة المخالفة، التي فجأة اصطدمت بـ"ميكروباص"، قبل لحظات من نشوب انفجار ضخم هز أرجاء المكان. يتابع ""كان حظي جيدا مع عدم مروري على الكوبري القريب من الحادث، وبعد لحظات من الانفجار الضخم، الدنيا كانت كلها نار ودخان ولم تتضح الصورة لدقائق".

وبحسب بيان وزارة الداخلية ظهر اليوم التالي، قالت فيه "إن الأجهزة المعنية انتقلت إلى مكان الحادث، وأجرت الفحص والتحري وجمع المعلومات، وتوصلت لتحديد السيارة المتسببة في الحادث وتحديد خط سيرها، وتبين أنها إحدى السيارات المبلغ بسرقتها من محافظة المنوفية منذ بضعة أشهر"، كما أشار الفحص الفني إلى "أن السيارة كانت بداخلها كمية من المتفجرات أدى حدوث التصادم إلى انفجارها"، وأوضح البيان "أن التقديرات تشير إلى أن السيارة كان يتم نقلها إلى أحد الأماكن لاستخدامها في تنفيذ إحدى العمليات الإرهابية، وتوصلت التحريات المبدئية وجمع المعلومات إلى وقوف حركة حسم التابعة لجماعة الإخوان الإرهابية، وراء الإعداد والتجهيز لتلك السيارة، استعداداً لتنفيذ إحدى العمليات الإرهابية بمعرفة أحد عناصرها".

وأوضح مصدر أمني، مطلع على سير التحقيقات، "أن المعمل الجنائي وصل إلى احتواء المتفجرات على كميات كبيرة من مادة (تي إن تي) شديدة الانفجار".

تفاصيل المشهد ذاته مع روايات الهلع والخوف التي عايشها السكان المحيطون بالمعهد، أجمعت على مساعدة من نجا من الضحايا بعد انكشاف الدخان واحتواء الصدمة، فهناك من يساعد قوات الأمن والإسعاف في نقل الضحايا، وآخر حاول استضافة بعض المرضى لدى خروجهم من المعهد بعد لحظات الانفجار.

وبحسب أنور عباس، أحد العاملين بمحيط المعهد، "في لحظات بعد الانفجار أتت سيارات الإسعاف وحضرت قوات الأمن، وكان هناك اعتقاد في البداية أن الأمر ناتج عن انفجار بعض أسطوانات الأكسجين والغاز بالمعهد، لكن سريعا اكتشفنا أن سيارة مليئة بالمتفجرات وراء الانفجار".

ووفق عباس، "تحركنا على الفور لمساعدة الناس كان هناك عربات محترقة وجثثٌ متفحمة ومصابين وحاولنا قدر الإمكان نسعف من نستطيع". يضيف "كان المشهد الأكثر مأسوية مع قدوم سيارات الإسعاف وقوات الأمن بالتزامن مع خروج العشرات من المرضى من المعهد يبحثون عن أماكن قد تبدو آمنة تأويهم من الانفجار، حيث افترش بعضهم الطرقات"، مضيفاً: "رأيت أطفالا وكبار سن يحملون أكياس الدم والبلازما بيد وبعض الأغراض الطبية الأخرى بيد أخرى، وملابسهم غارقة بالدماء، يا الله.. كيف كان يفكر هذا المريض في الانتقال في ذلك الوقت".

 

 

ألم المرض وجحيم النار

ردا على الحادث وبعد ساعات منه، أعلنت وزارة الصحة في بيان رسمي فتح عدد من المستشفيات التابعة لاستقبال مرضى معهد الأورام، عقب تضرر المبنى في التفجير الإرهابي على رأسها مستشفيات (المنيرة العام، ودار السلام هرمل، ومعهد ناصر)، حيث تم نقل أغلب الموجودين والمقيمين بالمعهد لتلك المستشفيات، فيما بقي المترددون عليها حائرين لتلقي جرعات العلاج.

فبحسب الدكتور حاتم أبو القاسم، مدير المعهد القومي للأمراض، "يستقبل المعهد نحو ربع مليون مريض سنوياً، بينهم قرابة 25 ألفاً للمرة الأولى، أي أن ما يقدر بنسبة 60 إلى 70% من حالات الأورام الموجودة هي حالات إصابة جديدة، ويصل تردد المرضى عليه إلى متوسط 272 حالة يومياً، يحضر بعضهم من خارج القاهرة".

ومن بين المشاهد الأكثر مأسوية، كان "م.م"، أب من إحدى قرى صعيد مصر جاء إلى القاهرة لعلاج ابنته، لكنه اكتشف عند وصوله أن المعهد لم يكن كما كان. وبحسب "م.م"، أحد العاملين بقطاع التربية والتعليم، "فقد كان من المفترض أمس الثلاثاء، عمل جلسة ماسك لابنته التي لم تتجاوز الـ14 عاما، لتحديد مكان ونوع الورم بالضبط في دماغ ابنته، لكن لدى وصولنا لم يعد المعهد يعمل".

حالة "م.م"، لم تكن الوحيدة في تلك الصورة، فقد تردد بعض المرضى إلى المعهد، ولم يكن يدركون أن "حادثا جللا قد أصاب المبنى".

هو الآخر، قدم أحمد الفرماوي بابنته صاحبة الـ7 أعوام قاصدا المعهد القومي للأورام، دون أن يعلم بما حدث. وبحسب الفرماوي، "لا أعلم ماذا يمكنني القيام به، ولا أحد يجيب عن أسئلتي إن كان بالإمكان استكمال علاج ابنتي".

ليلة العرس الدامي

ووسط كل هذه المشاهد، يقف على جانب أحد الأرصفة المحيطة بالمعهد، مواطن يدعى حسين فرج، أحد أفراد عائلة العرس الذي تصادف وجوده في موقع الحادث وراح ضحيته العدد الأكبر من الضحايا.

وبين مواساة البعض وتهدئة آخرين، يصيح، فرج قائلا مع كل مقترب جديد لمعرفة مشكلته، "إحنا الزفة النيلة إحنا الفرح الأسود، العيلة كلها راحت، عشرين واحد غير السواقين ده من بيت واحد، غير الناس الغريبة".

وبحسب فرج، فإن أعداد المتوفين والمصابين يتجاوز الاعداد الرسمية التي أعلنت عنها السلطات، وعلى حد قوله هناك نحو 20 متوفيا فقط من عائلته، دفن نحو 17 منهم بأحد قرى مركز سمنود بمحافظة الغربية.

وبسؤال أحد مسؤولي الأمن بالمعهد، أجابنا "بأن هناك عددا من المرضى يتجاوز تعدادهم 5 أفراد قد توفوا داخل المعهد جراء التفجير، فضلا عن مقتل عنصرين من أمن المعهد بالحادث"، وفق نائب مدير المعهد، هاني جرجس.

 

ووفق رواية أغلب الشهود، كانت المشاهد الأكثر مأسوية تلك التي أصابت العرس، فبحسب شهادتها على صفحتها بموقع التواصل "فيسبوك"، روت الفتاة نعمة طارق، عروس حادث معهد الأورام، قصة تفاصيل يوم الموت حرقا وغرقا، وكيف كانت إشارة المرور محل فراق أسرتها بالكامل، بعدما كانت ترقص وتغني معهم قبل دقائق من الحادث المروع .

وقالت نعمة "كانت ليلة الأمس خطوبتي على من تمنيت أن أبقى بقية حياتي معه وكنت أسعد مخلوقة لأني بجواره هو وأصدقائي وعائلتي إلى أن انتهت الخطوبة، وتحركنا إلى طريق المنزل بحي البساتين، لكي نسهر أنا وأصدقائي وخطيبي، ونتناول عشاءنا التي ظلت أمي تجهزه طوال اليوم".

أضافت نعمة، في طريق العودة الى المنزل تحركت أمامنا ثلاث سيارات من الأصدقاء والأهل، وعندما وصلنا أمام معهد الأورام، حدث شيء غريب تعطلت السيارة التي كنت أستقلها أنا وخطيبي بينما تحركت السيارات الأخرى وفجأة حدث الانفجار، الثلاث عربات انفجرت أمام عيني وبها أمي وأبي وجميع عائلتي، صدمة لم أكن أتخيل أن ينتهي بها يوم خطوبتي. أين أبي أين أمي؟".

وتابعت، "أبي وأمي في ذمة الله، لا أدري ماذا حدث سيارات الإسعاف كانت تنقل موتى ومصابين، وأنا أتنقل من مستشفى إلى أخرى بحثا عن أبي وأفراد عائلتي، عثرنا على بعض أفراد العائلة لكن أبي مازال في تعداد المفقودين، إلى أن فوجئت بهاتفها المحمول يرن وكان على الطرف الآخر أحد رجال الشرطة الذي أخبرها أنه تم العثور على جثة والدها غارقا في النيل بمحيط الحادث".

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات