Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

صواريخ "أس-400"... صفقة مسمومة؟

الروس يعدون العدة للمنافسة في سوق السلاح بعد دخول قوى مصنعة جديدة إليه، ويخشون ذيوع أسرار منظومتهم الصاروخية بعد بيعها لتركيا مثلما انكشفت عيوب منظومة أس 300 في إدلب السورية، وينظرون بعين الريبة إلى النفوذ التركي في القرم

 ليس شراء تركيا منظومة الدفاع الجوي الصاروخية، "أس – 400"، موضع ترحيب وانتشاء بخرق صفوف الناتو في الصحافة الروسية. فالمعلقون والخبراء الروس يبدون الحذر والتحفظ.  ففي سفوبودنايا بريسا، لاحظ ألكسندر سيتنيكوف قبل أيام أن أميركا خسرت في المنافسة على سوق الأسلحة التركية، في وقت لم تسدد أنقرة إلا 45 في المئة من قيمة أس-400. ونبّه إلى أن الصفقة، على ما يبدو، لا تزال تفترض نقل التكنولوجيا الروسية إلى بلد صار منافساً لها في سوق السلاح الدولية من جهة. ومثل هذا النقل أمر شائك. ومن جهة أخرى، يخشى الروس من وقوع أسرار منظومة صواريخهم في أيدي الأميركيين، وبعض كتابهم يشير إلى أن خصومهم اللدودين الأميركيين سبق لهم أن حصلوا على أسرار منظومة الصواريخ "أس – 300" بعد أن اشترتها قبرص اليونانية للتصدي لقبرص التركية في التسعينات وسلوفاكيا التي ورثتها من العهد السوفياتي.

 وقبل نحو شهرين، تناول فلاديمير بوتين تغير وجه تجارة السلاح في العالم، واهتمام العملاء الأجانب المتزايد في البحث والتطوير، وفي توطين إنتاج المنتجات العسكرية على أراضيهم. ونقلت عنه صحيفة فزغلياد سعي بلاده إلى استراتيجية جديدة لتصدير المنتجات الصناعية العسكرية المعقدة في سبيل الحفاظ على مكانة رائدة في سوق الأسلحة مع دخول دول جديدة إلى سوق الأسلحة، منها تركيا وكوريا الجنوبية، وتراجع قدرة روسيا على المنافسة. وعلى سبيل المثل، لاحظ رسلان بوخوف أن كوريا الجنوبية صارت قوة مصنعة للسفن والمعدات البحرية. وتركيا طورت نماذج من طائرات الدرون للاستخدام العسكري وبدأت تنتجها على نطاق صناعي وتبيعها لأوكرانيا وغيرها من الدول. فالمنافسة في سوق السلاح العالمية تتعاظم.

ولا يقتصر التخوف الروسي على ذيوع أسرار منظومة صواريخهم البارزة فحسب، بل يخشون امتحانها وكشف عيوبها على ما حصل في سوريا. ويلاحظ ليوبوف شفيدوفا في سفوبودنايا بريسا الروسية أن المقاتلين السوريين المعارضين في إدلب رصدوا مكامن ضعف منظومة "أس-300" ووسعهم قصفها من غير هوادة.

ففي شمال حماة قصفت المعارضة مواقع الجيش السوري والروسي ومنشآت عسكرية على مقربة من مدينة مصياف. وكانت التغطية الإعلامية لهذا الهجوم متضاربة. ويستوقف شفيدوفا أن الهجوم هذا سعى إلى تدمير منظومة "أس-300" في المنطقة. ويشير إلى أن بعض تقارير المعارضة يدور كلامها على إلحاق ضرر بمنظومة الصواريخ الروسية، في وقت لا يتناول بعضها الآخر المسألة.

فشل "أس-300 " في إدلب

ولكن لماذا لم يظهر أثر أو دور لمنظومة "أس-300"؟ هل بلغ ضعفها مبلغ التراجع أمام الأسلحة البدائية التي يملكها مقاتلو إدلب. ولكن ثمة تقارير تشير إلى أن الهجوم لم يتوسل بصواريخ مرتجلة بدائية التصنيع بل بأسلحة تركية. فمواقع تركية تعرضت لقصف عشوائي شنته القوات الحكومية السورية. وقبل أيام، انفجر صاروخان على مقربة من الحدود التركية، وأعلنت أنقرة أنها ردت على أهداف الجيش السوري النظامي في الأراضي السورية. ومن العسير تحديد الجهة "المقصوفة" التي استهدفها الأتراك، فهم غالباً ما يلومون في وقت أول "الأسديين" على كل شيء، ثم يلقون اللائمة على الأكراد. ولكن لماذا وقعت الصواريخ على مقربة من "أس- 300"؟ وعلى الرغم من أن منشآت منظومة الصواريخ سلمت إلى السوريين، لا يزال خبراء روس يساهمون في تشغيلها. والأغلب على الظن أن الأتراك لن يفرطوا بالعلاقات مع موسكو من أجل عملية انتقامية تافهة. ولكن لماذا لم تحمِ منظومة الصواريخ أتباع الروس؟ ولا يخفى أن الصواريخ التركية الحديثة إلى حد ما هي هدف يسير في متناول أنظمة الرادارات الروسية. ولا تتوافر معلومات عن نشر صواريخ بانتسير في المنطقة لتشكل قوة صاروخية رديفة. ولا يستخف بأن الهجمات التي شنتها إسرائيل أخيراً على غرب سوريا، أصابت صواريخها المواقع نفسها التي سبق أن قصفها المعارضون، ولم تحرك "أس-300" كذلك ساكناً، على رغم أن أنظمة الرادار الروسية كانت تعمل هناك.

وفي حديث مع الخبير العسكري الروسي، أليكسي ليونكوف في الصحيفة الروسية الآنفة الذكر، لاحظ أن السوريين أساؤوا اختيار مواقع نشر منظومة الدفاع الجوية. فهم نشروها على مرتفعات. ولا شك في أن الارتفاع يزيد القدرة على رؤية الأهداف، ولكنه يؤدي كذلك إلى نشوء أكثر من زاوية "خفية" على الرصد أو نقاط عمياء. فالصواريخ المطلقة على ارتفاع متدنٍ لا يسع المنظومة رصدها. وفي مثل هذا السياق، تمس الحاجة إلى نشر عتاد إلى جانب "أس- 300" يسيطر على الأجواء في المنطقة الأدنى التي لا ترصدها هوائيات "أس-300". وفي معظم الأحوال، هذه المنظومة تستخدم في التصدي لأهداف أكبر حجماً من الصواريخ مثل الطائرات. فذخائرها محدودة، والمنظومة غير مزودة مثلاً بصواريخ "توماهوك" الأميركية!، يقول ليونكوف متهكماً. وإلى اليوم، لم تتضح بعد نوعية الصواريخ المستخدمة في الهجوم الآنف الذكر، ولكن المؤكد أنها صواريخ صغيرة "مصنوعة يدوياً" وقذائف صغيرة. ولذا، يخالف المنطق أن يُتصدى لها بواسطة صواريخ باهظة الثمن مثل تلك التي تستخدمها أنظمة الدفاع الجوي الروسية.

ولا شك في أن انكشاف "أس -300" أمام مثل هذه الهجمات هو مدعاة قلق. وإذا أخفق الجيش السوري في إرساء آلية حماية جوية على أمثل وجه، ولم يستخدم الأنظمة الدفاعية الجوية التي تقتضيها الحال، برز خطر يهدد بتدمير "أس -300" حتى قبل أن تطلق ولو قاذفة واحدة.

أما المحلل التركي غالب دالاي، الباحث في مركز "إيفري" الفرنسي، فينبّه في لوموند الفرنسية، إلى أن الصفقة بين موسكو وأنقرة هي مرآة تقارب فحسب مع روسيا، ولا تؤذن بقطيعة بين تركيا وحلف الشمال الأطلسي.

ويلاحظ غيفورغ ميرزيان في فزغلياد الروسية أن المشاريع الروسية- التركية كثيرة، وأبرزها مشروع تشييد روسيا مفاعلاً نووياً في تركيا وبدء تسليم منظومة الصواريخ "أس-400"، والتعاون في خط "السيل التركي". فعلى المستوى التكتيكي، تصب مصلحة أنقرة وموسكو في التقارب والتعاون الثنائي. وتتوسل أنقرة كما موسكو هذه العلاقة كأداة في السياسة الخارجية، تحديداً في التعامل مع الولايات المتحدة. وفي سوريا تفترق مصالح تركيا مع أميركا، وهذه تدعم الأكراد. لذا، تتقرب أنقرة من الكرملين. ولكن ثمة من يدعو في واشنطن إلى عدم التفريط بالحليف التركي. ولذا، يتمسك دونالد ترمب بتركيا، قائلاً إن اللائمة في صفقة الصواريخ الروسية لا تقع عليها بل على إدارة أوباما التي رفضت تسليمها صواريخ باتريوت في الوقت المناسب.

وثمة من يدعو في واشنطن إلى الاقتصاص من أنقرة التي قررت مغادرة المعسكر الغربي. ولكن ثمة من يتمسك بها في النخب الأميركية، ويرى أنها قوة وازنة ويأمل في أنها على قول المعلق الروسي أندريه سوشنتسوف ستعود إلى السرب "الأطلسي". فهي قد تلوح بالانسحاب من الناتو ولكنها لن توصد الباب وراءها.

تباين روسي- تركي

ولكن المصالح التكتيكية المشتركة بين موسكو وأنقرة لا تلغي التباين بين مصالحهما التي لا تقتصر على الرؤية المختلفة إلى مستقبل سوريا ما بعد الحرب. فالتباين الروسي- التركي جيو- سياسي، وهو تناقض عصي على الحل. وهو وثيق الصلة بركن سياسة رجب طيب أردوغان الخارجية، أي النفوذ التركي العابر للحدود، على قول ميرزيان. فالرئيس التركي يسعى إلى زعامة لا تقتصر على الشرق الأوسط فحسب بل تشمل العالم التركي أو التركماني اللسان كله. فتوسع أنقرة الجيو- سياسي لا يتمدد فحسب في القوقاز وآسيا الوسطى، وهي دوائر نفوذ روسيا التقليدية، بل كذلك إلى أراضي روسيا الاتحادية نفسها، في القرم حيث استثمرت تركيا الملايين في أوساط التتار، وفي منطقة الفولغا، شمال القوقاز.

ويدعو معلقون روس مَن يأمل في احترام أنقرة سيادة موسكو على أراضيها، إلى العودة إلى خطاب الرئيس التركي الشهير في ألمانيا حين أبلغ الأتراك المحليين، وهم ألمان جنسيةً وإقامة وولادة، أن عليهم مبايعته وأن الولاء له. وإلى اليوم، امتنع أردوغان عن مثل هذا التدخل في شؤون روسيا حرصاً على العلاقات الطيبة مع موسكو. ولكن هذا الحرص لن تقيض له الحياة ما إن تفترق المصالح التركية- الروسية التكتيكية والمؤقتة.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل