ملخص
يحتاج العمل التطوعي قبل أي شيء إلى نزع السلاح من القلوب، وفق مؤسس "الصليب الأحمر" هنري دونان
يصعب تحديد تاريخ معين لبدء العمل التطوعي في العالم عموماً والعالم العربي خصوصاً، على رغم وجود محطات رئيسة عدة يمكن التوقف عندها في هذا المجال، مثل الحرب العالمية الثانية التي شهدت ترسيخ فكرة "اللجنة الدولية للصليب الأحمر" ولجانها التي تنتشر وتزدهر حالياً في جميع بقاع الأرض، كما النكبات والكوارث الطبيعية في العالم العربي التي رسخت "الهلال الأحمر" وجمعيات ولجان ومنظمات تطوعية عدة، سواء تلك التي تحمل طابعاً دينياً أو المستقلة بشقيها الرسمي والشعبي. ويتميز قطاع العمل التطوعي في العالم العربي، والشرق الأوسط تحديداً، بكونه قطاعاً كبيراً ومتداخلاً، بمعنى أن "دوائر الخير" فيه متشابكة ومتجاورة، بل وتكاد تكون متقاطعة مع بعضها إلى درجة كبيرة أحياناً، إذ إن هذه المنظمات تنشط في زمن الحروب والكوارث الطبيعية، فهيئة الإغاثة الإسلامية في الأردن وفق ضابط الارتباط السابق فيها، علي أبو زر، الذي عمل من خلالها لمدة ثلاث سنوات في مجال إغاثة منكوبي الحرب في سوريا التي بدأت في عام 2011، كان عدد العاملين الأساسيين فيها قبل الأحداث ثلاثة موظفين، بينما ارتفع العدد بعد ذلك إلى أكثر من 70 موظفاً، كلهم وفق أبو زر يقدمون خدمات إنسانية مختلفة ويتقاضون مقابلاً لذلك العمل.
جمعيات ناشئة وعريقة
كذلك يعمل زياد الدوايمة ناشطاً اجتماعياً في مختلف قطاعات العمل التطوعي، ويعد وسيطاً ينقل الحالات التي تصل إليه إلى مختلف المنظمات الخيرية، ومنها جمعية "سنحيا كراماً" التي تدرس بدورها تلك الحالات وتقدم خدماتها المختلفة من فك الغارمين، وكفالة الأيتام وطلاب العلم، وصولاً إلى الغذاء والكساء وترميم البيوت وتوزيع الزيوت وأسطوانات الغاز وغيرها. وانطلق الدوايمة نحو هذا العمل من خلال اتصاله بجمعيات خيرية مثل "جمعية الدوايمة" و"مجلس عشائر الدوايمة"، وهو عضو في كثير من هذه الجمعيات. ومثل أبو زر، لا يفرق الدوايمة بين العمل الخيري والتطوعي وغيرها من التسميات، إذ تصب كلها في خانة العمل الإنساني. وتأسست "سنحيا كراماً" في عام 2016، ويمكن اعتبارها جمعية صغيرة وناشئة مقارنة بجمعيات عريقة أصبح لها كيانات ضخمة ومقار منتشرة في كافة أنحاء الأردن.
وفي حين يتلخص عمل الدوايمة في كونه حلقة وصل بين الناس وهذه الجمعيات وبين فاعلي الخير والمحتاجين إليه بشدة دون مقابل، فإن أبو زر يؤكد أن البرامج العالمية التي عمل فيها مثل برنامج الغذاء العالمي (WFP) و"أس أو أس" (SOS)، إضافة إلى برامج تأمين الملابس والسكن والتعليم، كلها تقدم أموالاً للعاملين بموجب عقود موقتة ومقابل 15 ديناراً أردنياً (نحو 20 دولاراً) في اليوم، طوال مدة سريان البرنامج ونشاطه.
وأكد أبو زر الذي بدأ العمل متطوعاً وبعد سبعة أشهر أصبح موظفاً رسمياً وضابط ارتباط، أن آلية عمل هذه الهيئات تتلخص في كونها تتلقى مشاريع صغيرة من هيئات عالمية مثل الأمم المتحدة، من خلال مكاتب إقليمية تنتشر في المناطق الآمنة والمستقرة المجاورة لمناطق النزاع مثل الأردن، الذي قدم يومها من خلال المتطوعين خدمات إنسانية ضمن حروب المنطقة في اليمن وسوريا وفلسطين والعراق.
قلوب غير مسلحة
يحتاج العمل التطوعي قبل أي شيء إلى نزع السلاح من القلوب، وذلك وفق مؤسس "الصليب الأحمر" هنري دونان الذي نال "نوبل" للسلام في عام 1901 عندما منحت للمرة الأولى، قبل وفاته في ملجأ في عام 1910، مقابل "أسمى إنجاز إنساني في القرن التاسع عشر". فالضامن لنزع فتيل الحروب والكوارث هو "أن تشيع الأخوة بين البشر"، ولعل "دونان" الذي وصف بأنه شعلة من الحماس في العمل التطوعي على رغم "افتقاره للحكمة المالية"، وفق مقربين منه، كان مهتماً في توسيع دائرة العمل الخيري حتى لو كان ذلك على حسابه الخاص، فأعلن الرجل الذي يتحدر من عائلة ثرية إفلاسه وحاول الاتصال بالإمبراطور الفرنسي نابليون بونابرت لتمويل بعض أفكاره وجرب أيضاً تحويل بعض الحروب والنزاعات مثل النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي إلى مشاريع تعايش حتى قبل وقوع نكبة فلسطين في عام.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مسار علمي وأكاديمي
لا يمكن فصل العمل التطوعي عن منهج علمي وأكاديمي، وإلا تحول إلى منظومة أخلاقية عشوائية، تتحكم بها الأهواء والمصالح الشخصية والحزبية، فالهلال الأحمر الأردني يعقد دورات ومنتديات وورش عمل علمية ونقاشات في مواضيع مهمة مثل البيئة وتحدياتها في ظل النزاعات المسلحة، مسترشداً برأي الدين أيضاً، إذ تستضيف هذه المؤتمرات والندوات مجموعة كبيرة من الكفاءات ورجال العلم والدين في الشرق الأوسط.
ويعمل الهلال الأحمر الأردني ضمن رعاية الدولة الأردنية وبالتعاون مع الصليب الأحمر ومنظمات إقليمية مشابهة وجامعات ومستشفيات عالمية لتقديم خدمات صحية ورعاية الماراثونات والنشاطات الرياضية، إضافة إلى لم شمل المشتتين بسبب الحروب إلى جانب مشاريع الغذاء والدواء والإيواء وغيرها.
التشبيك والتضامن
ومنذ تأسيسه في عام 1947 وفي وقت مبكر تنبه "الهلال الأحمر الأردني" إلى ضرورة التشبيك مع كافة العاملين في هذا القطاع الحيوي بشكل منهجي مدروس، فكانت شراكته مع "الصليب الأحمر" من خلال "المنظمة العربية للهلال الأحمر" و"الصليب الأحمر" و"المركز العربي للاستعداد للكوارث". ومنذ اعتراف "اللجنة الدولية للصليب الأحمر"، به ومن ثم انضمامه إلى "الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر" في 1952، وحتى يومنا هذا، قدم إضافة إلى نشاطه الفكري في الموضوع البيئي، خدمات لوجيستية ومادية على الأرض استفاد منها في عام 2021، 205 آلاف و813 شخصاً، ضمن مشاريع مياه في محطات ضخ "الشواهد" و"جابر" وخط نقل "جديتا"، وكلها مناطق أردنية نائية، كما قدم آلاف الكمامات الجراحية وقفازات فحص وأجهزة طبية في أماكن احتجاز ومستشفيات، وسهل 8 آلاف و278 مكالمة هاتفية للاجئين مع أقاربهم بالتعاون مع منظمات أخرى، و173 منحة مالية لإعادة بدء الأعمال التجارية الصغرى لمتضررين من النزاع في سوريا على الأراضي الأردنية.
لغة القانون
يحتاج العمل التطوعي في البلدان العربية تحديداً إلى إشاعة لغة القانون بشكل أكبر لتنظيمه، ووفقاً لمقالة للصحافي الأردني صبري ربيحات "يختلط مفهوم العمل الخيري مع التطوعي، مع أن كليهما يصب في خدمة المجتمع، فجمع التبرعات أصبح مهنة من لا مهنة له، وأدى هذا الخلط إلى تحويل العمل الخيري في بعض الأحيان إلى تسول، تحت عنوان جمع التبرعات للمحتاجين والفقراء، ثم التصرف بالأموال كما يحلو لهم"، فالعمل الخيري والتطوعي وفقاً لمواقع أخرى في الشبكة العنكبوتية ليسا وجهين لعملة واحدة، لأن العمل التطوعي وفق لغة القانون نصاً وروحاً هو عمل أفراد، بينما العمل الخيري، عمل كيانات بموجب تشريعات وتراخيص من قبل السلطات. وفيما يعنى الأول بتنظيم فعاليات عامة وتقديم أعمال مساندة للأجهزة المدنية، يهتم النوع الثاني من العمل الخيري بتقديم سلع أو أموال لمن يحتاج إليها دون أي مقابل مادي.