ملخص
رصدت صحيفة أميركية حدوث تباعد غير مألوف بين الشركات العملاقة وبين الحزب الجمهوري الذي اشتهر بالدفاع عن مصالح الشركات. ويعترض تيار الشعبوية على بعض تلك المصالح مما خلل العلاقة بين الجمهوريين والشركات.
مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأميركية التي تشمل الاقتراع على مقاعد الكونغرس وحكام الولايات الـ50 المكونة لتلك البلاد، تتسارع المتغيرات في المشهد السياسي الداخلي، خصوصاً داخل الحزب الجمهوري. وحتى الآن، أبرزت المحاكمات المتوالية للرئيس السابق دونالد ترمب مدى قوة تيار الشعبوية اليمينية داخل الحزب الجمهوري، مع ما يرافق ذلك من تفاعلات متشابكة داخل ذلك الحزب. .
وفي ذلك السياق، أبرزت صحيفة "وول ستريت جورنال" أخيراً ملمحاً آخر من تلك التفاعلات يتمثل في ظهور ميل متزايد لدى الشركات الأميركية العملاقة التي درجت تاريخياً على تأييد الحزب الجمهوري بوصفه الممثل الدائم للمروحة واسعة من تيارات اليمين في الولايات المتحدة، للابتعاد عن ذلك الحزب. وعبر مقالة موسعة أدرجتها "وول ستريت جورنال" في قسم القراءات المطولة وحملت توقيع برودي مولينس، قدمت الصحيفة تفاصيل جمة عن ذلك التباعد غير المألوف بين الشركات العملاقة والجمهوريين. وفي اختزال استباقي، يلاحظ أن المقالة ركزت على أن صعود الشعبوية اليمينية تحت قيادة ترمب، أسهم بقسط وافر في حدوث ذلك التباعد.
ابحث عن المال
استهلت المقالة بملاحظة أن تحليل البيانات الصادرة عن "مركز سياسات الاستجابة" يظهر انخفاضاً في تدفق الأموال من الشركات إلى "لجان العمل السياسي" Political Action Committees، اختصاراً "باكس" PACs، وتسمى أيضاً "لجان الـ527" في إشارة إلى القانون الذي يشرع عملها.
وتظهر أرقام ذلك المركز، وفق ما بينته الصحيفة نفسها، أن الجمهوريين تلقوا 189 مليون دولار في 2022 من تلك اللجان التابعة للشركات، بانخفاض واضح عن الـ260 مليون دولار التي تلقوها من تلك اللجان نفسها في انتخابات عام 2016. وفي المقابل، دفعت لجان "باكس" 155 مليون دولار إلى الديمقراطيين في 2022، بارتفاع ملموس عن الـ135 مليون دولار التي دفعتها إلى الحزب الديمقراطي في 2016.
وللمفارقة حملت انتخابات عام 2016 الرئيس الشعبوي دونالد ترمب إلى الرئاسة مع مجلس نواب يهيمن الديمقراطيون عليه، فيما أوصلت انتخابات الـ2022 الرئيس الديمقراطي جو بايدن، مع مجلس نواب يهمين الجمهوريون عليه.
وفي الصورة التقليدية، يؤيد الحزب الجمهوري، خصوصاً منذ مرحلة النيوليبرالية التي انطلقت بقوة في ولاية الرئيس رونالد ريغان في حقبة الثمانينيات من القرن الـ20، وخفض الضرائب، وتقليص الإنفاق الحكومي (ما عدا العسكري)، وتخفيف التشريعات المقيدة للنشاطات المالية للبنوك وما إلى ذلك.
السياسة الشعبوية وأموال دعم البيئة
ووفق ملاحظة في مقالة "وول ستريت جورنال"، استمر ذلك الوضع أثناء ولاية ترمب الذي حاز تأييداً ملحوظاً من شركات عملاقة بما في ذلك عملاقة المعلوماتية والاتصالات على غرار "مايكروسوفت". وعلى نحو بارز شهدت رئاسة ترمب تشريع خفض تاريخي على ثروات الشركات وتخفيف التشريعات الضابطة للنشاطات المالية [وتعززت أثناء ولاية الرئيس الديمقراطي باراك أوباما، خصوصاً بسبب الأزمة المالية في 2008]، وتوسيع التجارة الحرة مع المكسيك وكندا [وقدمها ترمب بوصفها بديلاً لاتفاق النافتا بين البلدان الثلاثة نفسها].
وللمفارقة، يبدو أن تحولاً ما طرأ ضمن الحزب الجمهوري، اتصالاً مع صعود التيار الشعبوي المؤيد لترمب نفسه! إذ بات كثير من المشرعين الجمهوريين يؤيدون سياسات اقتصادية طالما نأى الحزب الجمهوري عنها.
وبحسب المقالة نفسها، بات كثير من الجمهوريين، بل حتى قياديين من وزن كيفن ماكارثي رئيس مجلس النواب، يعارضون سياسات اقتصادية تميل إليها الشركات العملاقة، وذلك لسبب سياسي يتمثل في أن تلك السياسات يتبناها الحزب الديمقراطي. وعلى نحو غير مألوف، يعارض جمهوريون كثر توسيع الإنفاق الحكومي على البنية التحتية الذي يحمل فرصاً اقتصادية وعملية ضخمة لعدد من الشركات الكبرى. ويبدى بعض المشرعين الجمهوريين تأييداً لضبط الأرباح الفائقة للشركات العملاقة، خصوصاً في قطاعي الطاقة والمعلوماتية والاتصالات. وكذلك يعترض مشرعون جمهوريون أيضاً على التمويل التاريخي بـ53 مليار دولار المقدم كمساعدات وحوافز إلى الشركات الأميركية التي تعمل في مجال الطاقة النظيفة وأشباه الموصلات.
وربما يكون الاعتراض على تقديم أموال حكومية إلى الشركات منسجماً مع خط تقليدي بين الجمهوريين، لكنه في الوقت الحاضر يسهم في إبعاد الشركات العملاقة في المعلوماتية والاتصالات عن تأييد حزبهم.
والأرجح أنه يصعب سرد التفاصيل الواسعة التي سردتها مقالة "وول ستريت جورنال". في المقابل، من الواضح أن التباعد غير المألوف بين الشركات الأميركية العملاقة والحزب الجمهوري يستند على الأرجح إلى عقلية الشعبوية التي باتت أكثر اهتماماً باجتذاب جمهور من طبقات أميركية وسطى وعاملة يسود في صفوفها الابتعاد عن تأييد قضية البيئة والمناخ مثلاً، مما يؤدي إلى الاعتراض على إنفاق أموال دافعي الضرائب على الدعم السخي للطاقة النظيفة.