ملخص
تحسنت مؤشرات "الدفع الإلكتروني" بعد أن بلغت 2.7 مليون معاملة خلال العام الحالي لكن لا تزال التقنية محدودة في الجزائر.
تواجه الجزائر تباطؤاً لافتاً في التعاملات التجارية الرقمية على رغم إقرار إجراءات وتدابير مشجعة، ويبقى نطاق الدفع الإلكتروني محدوداً بشكل يثير الاستغراب.
وفي حين تقول السلطات إنها تقدم كل ما من شأنه الدفع إلى توسيع دائرة المنضمين، يستمر المواطن بين مراقبة الوضع عن بعد والإقبال بحذر.
وتسارع الحكومة إلى تعميم بطاقات الدفع الإلكتروني وتحقيق التحول الرقمي عبر تشجيع الدفع والسحب إلكترونياً، وتعميم الرقمنة وتقليص التعاملات بالأوراق والقطع النقدية لأقصى درجة، إذ كشف وزير المالية عبدالعزيز فايد أن عدد الحسابات البنكية ارتفع إلى أكثر من 20 مليون عام 2022، وهو ما يعادله وجود 14 مليون بطاقة بنكية بين البنوك و"بريد الجزائر"، مضيفاً أن مؤشرات "الدفع الإلكتروني" تحسنت بعد أن بلغت 2.7 مليون معاملة موزعة عبر نشاطات عدة خلال الربع الأول من عام 2023.
لكن أمام تحرك الجهات المعنية وتشجيعها تسجل المؤشرات الميدانية محدودية في الانتشار، بدليل تسجيل نحو 340 تاجر "ويب" منضمّ في نظام الدفع الإلكتروني.
كما حققت قيمة المدفوعات عبر الإنترنت عام 2022 نمواً بنسبة 62.40 في المئة، نتيجة تنويع الخدمات والنشاطات التي تسمح بهذا النوع من الدفع، بحسب آخر تقرير صادر عن "تجمع النقد الآلي"، إذ أشار إلى أن الأنشطة التي شهدت أكبر نمو كانت التأمينات والنقل، وهو الوضع الذي علقت عليه المنظمة الجزائرية لحماية المستهلك بالقول إنه لا أثر لتطبيق مشروع تعميم الدفع الإلكتروني على رغم أن تجسيده سيكون في مصلحة المواطن.
رهان على مليون جهاز دفع إلكتروني
وأكد مسؤول "تجمع النقد الآلي" عيسى توفيق أن 50 ألف جهاز للدفع الإلكتروني تعمل بالفعل، وهناك سعي إلى تعميم وجود هذه الأجهزة في جميع الميادين والقطاعات بغرض الوصول إلى مليون جهاز دفع إلكتروني في جميع المساحات التجارية والمؤسسات وأماكن الدفع قبل الـ 31 من ديسمبر (كانون الأول) 2023، مبرزاً أن كلفة الجهاز باهظة، وبعض التجار يحتاجون إلى نحو سبعة أجهزة في الفضاءات التجارية التي يملكونها، ومنوهاً بأن هناك اتجاهاً للتفكير في كيفية تقاسم أعباء هذه الأجهزة من خلال تسهيلات بنكية، معتبراً أن التعامل من طريق البطاقة البنكية في التعاملات المالية الإلكترونية خير ضمان لحقوق جميع الأطراف.
وفي السياق يرى أستاذ الاقتصاد عبدالنور باشوشي، في تصريح لـ "اندبندنت عربية"، أنه "على رغم الأهمية البالغة للدفع الإلكتروني إلا أن الجزائر لا تزال متأخرة في تعميم استخدامه بسبب ضعف الثقافة المعلوماتية لدى المواطن، خصوصاً ما يتعلق بالتقنيات الجديدة، إضافة للأخطار الناجمة عن استخدام وسائل الدفع الإلكتروني في حد ذاتها، وقلة الإمكانات اللازمة كنقص أجهزة التخليص والأعطال المتكررة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتابع باشوشي أن "المؤسسات المالية في البلاد تفتقد بشكل كبير أنظمة التغطية والحماية الرقمية من الأخطار السيبرانية، مما يجعلها حذرة في دخول عالم الدفع الإلكتروني والرقمي بالقوة المرجوة"، معتبراً إياها من أبرز المشكلات المطروحة في سوق التعاملات المالية الحديثة في البلاد، وموضحاً أن "العامل المتعلق بالتجار أيضاً له يد في هذا الفشل، إذ يسود اعتقاد بأن التعامل الإلكتروني للتاجر بأدوات الدفع المتعارف عليها يجعله تحت سلطة ومراقبة إدارة الضرائب".
واقترح أستاذ الاقتصاد "إدماج كل القطاعات ذات الصلة بالمالية من الضرائب والبنوك والجمارك في التعاملات المالية الرقمية الحديثة عبر شبكة الإنترنت، ضمن منظومة متطورة بغرض التخلي عن الأجهزة التقليدية، وحصر استعمال تلك الأجهزة ضمن ظروف معينة وفي مناطق ولحالات محددة لا تؤثر في السير العام نحو تحديث التعاملات المالية، خصوصاً ما يتعلق بالدفع المالي والتعاملات التجارية".
أسباب الرفض
إلى ذلك برر رئيس الجمعية الوطنية للمستشارين الجبائيين بوبكر سلامي رفض الجزائري عمليات الدفع الإلكتروني بأسباب تتعلق بالخوف من الشفافية والمتابعات، سواء من إدارة الضرائب أو مصالح التجارة، مضيفاً أن هناك مسألة أخرى وهي العقلية التي اعتاد عليها الجزائري والمتمثلة في الدفع نقداً وعدم الثقة في التعاملات البنكية، ثم ضعف إمكانات الدفع الإلكتروني.
وختم بأن الرفض مرده عوامل متراكمة، إضافة إلى غياب قانون يفرضه وينص على عقوبات على رافضيه.
من جهته يرى أستاذ الاقتصاد علي حاجي أن استمرار التأخر في فرض تقنية الدفع الإلكتروني يرفع أخطار تداول الأموال المشبوهة، كما يضاعف العمليات المالية غير الشرعية، مشدداً على أن "أنجح وسيلة لاستقطاب الأموال المكدسة في البيوت أو المتداولة في السوق الموازية هو الإسراع في تطبيق إجبارية الدفع الإلكتروني في التعاملات التجارية والخدماتية، لا سيما أن حجم السوق الموازية في البلاد بلغ ما يعادل 90 مليار دولار".
ويواصل حاجي أن التقارير تشير إلى أن "الأنشطة المالية الإلكترونية في الجزائر انتعشت إلى حد كبير بنسبة 300 في المئة بعد عام 2020، ومن المتوقع وصول أعداد المستخدمين للدفع الرقمي إلى 15 مليون عام 2025، لكن يبقى الجزائري متخوفاً من التعاملات المالية الإلكترونية لأسباب عدة، أهمها الضرائب وسؤال من أين لك هذا؟ إضافة إلى الإجراءات البيروقراطية في البنوك والإجراءات التضييقية في بعض الأحيان مثل صعوبة الحصول على مبالغ ضخمة من أموالك حين تريد".
وختم بأن "جلب الجزائريين إلى الدفع الإلكتروني يتطلب مزيداً من التسهيلات والامتيازات وتذليل المخاوف عبر حملات دائمة وواسعة".