Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إطلاق النار الجماعي في أميركا... يشعل الجدل مجددا حول السلاح والعنصرية

الديمقراطيون يصعدون هجومهم والجمهوريون يستعدون لعراك سياسي

تزايد حالات القتل الجماعي في الولايات المتحدة (أ.ف.ب)

في كل مرة تعاني فيها الولايات المتحدة من حوادث إطلاق نار جماعي، كالذي وقع في مدينة إل باسو بولاية تكساس على الحدود مع المكسيك، وأدى إلى مقتل 20 وإصابة 26 شخصاً، أو ذاك الذي تلاه بعد أقل من 15 ساعة في مدينة دايتون بولاية أوهايو وأسفر عن مقتل 9 وإصابة 27 شخصاً، يتفجر مجدداً الجدل السياسي والمجتمعي حول أسباب هذه الحوادث والإجراءات التي يمكن اتخاذها لتفاديها أو الحد منها.

وعلى الرغم من أن السوابق المماثلة التي أسفرت عن مقتل 249 شخصاً خلال عام 2019 لم تفرز أي جديد، إلا أن الدوافع العنصرية في حادثة إل باسو، وما يرتبط بسياسات حيازة السلاح أو تقييدها في أميركا، قد تُحَوّل المشهد الداخلي الأميركي إلى ساحة واسعة للعراك السياسي والجدل بين المرشحين الديمقراطيين لانتخابات الرئاسة من جانب، والرئيس الأميركي دونالد ترمب وحزبه الجمهوري من جانب آخر.

المرشحون لانتخابات الرئاسة الأميركية من الحزب الديمقراطي، استغلوا هذه الحوادث سياسياً عبر انتقاد جماعات المصالح المؤيدة لحيازة السلاح مثل "الرابطة الوطنية للبندقية" التي تمول المرشحين الجمهوريين في الانتخابات التشريعية، وهي الجماعات التي ترفض أية تعديلات في القوانين التي تستهدف تقييد حيازة الأسلحة، بخاصة الأوتوماتيكية منها.

هل يمكن هزيمة لوبي السلاح؟

أعلن نائب الرئيس السابق جو بايدن، عقب الحادثة مباشرة، أنه يمكن هزيمة مُصنعي الأسلحة وهزيمة "الرابطة الوطنية للبندقية" التي تُعد واحدة من أكبر جماعات اللوبي التي تضغط للدفاع عن مصالحها في تجارة السلاح، في حين طالب بيرني ساندرز، عضو مجلس الشيوخ عن ولاية فيرمونت والمرشح الرئاسي، القيادة الجمهورية في مجلس الشيوخ بالإنصات إلى غالبية الشعب الأميركي.

 واعتبر أن ترمب يتحمل المسؤولية لدعمه التشريعات التي تساند حيازة السلاح، كما أوضحت إيمي غلوباتشير، المرشحة الديمقراطية للرئاسة أن "الرابطة الوطنية للبندقية" سيطرت على السياسة الأميركية لوقت طويل وجعلت السياسيين يمنعون إصدار تشريعات مقبولة وهو ما كان سيمنع القتل الجماعي"، في حين وجهت نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب سهام انتقادها إلى مجلس الشيوخ، وقالت إنه لا يحترم واجبه في حماية الأبرياء.

في المقابل، اعتبر ليندسي غراهام، العضو الجمهوري في مجلس الشيوخ عن ولاية كارولينا الجنوبية، أن المسألة شخصية، مقترحاً إصدار تشريع في الكونغرس يعطي الولايات الحق في التعامل مع الذين يمثلون خطراً على أنفسهم وعلى الآخرين، ما يعني الابتعاد عن تشريعات جديدة تستهدف الحد من السلاح على المستوى الفيدرالي في الولايات المتحدة.

سنوات من الرفض

على مدى السنوات الماضية، عارض الجمهوريون عامة إصدار أي نوع من التشريعات التي تحد من بيع السلاح، وفي أحلك الظروف وتحت ضغوط إعلامية وشعبية، لم يصوت سوى 4 أعضاء من بين 54 عضواً جمهورياً في مجلس الشيوخ، لصالح مشروع قانون استهدف إجراء فحص أمني على مشتري السلاح عام 2015.

كما تعهد الرئيس ترمب مراراً بحماية التعديل الثاني من الدستور الأميركي الذي أُقِر عام 1791 ويمنح  الحق للمواطنين بحمل السلاح والاحتفاظ به، باعتباره ضرورة لأمن أية ولاية حرة.

وفي خطاب له في أبريل (نيسان) الماضي أمام "الرابطة الوطنية للبندقية"، قال إنه لن يوقع على أي اتفاقية دولية تسمح بمراقبة دولية على تجارة الأسلحة.

ونجح مجلس النواب الذي تسيطر عليه غالبية ديمقراطية حالياً في تمرير إجراءين يستهدفان توسيع إجراءات الفحص الأمني لمشتري السلاح، كما صدّق على تجديد قانون مناهضة العنف ضد المرأة الذي يمنع منتهكي القانون من حيازة أسلحة، وهو ما عارضه لوبي السلاح.

إلا أن مقترحات الديمقراطيين وجهودهم السابقة، مُنيت جميعها بالفشل، بل إن محاولات تجديد قانون أقره الكونغرس عام 1994 في عهد الرئيس كلينتون ويقضي بحظر 19 نوعاً من الأسلحة نصف الأوتوماتيكية، فشلت أيضاً بعدما انتهت صلاحية القانون عام 2004.

دور جماعات المصالح

وفقاً لدراسات موثوقة، دفعت جماعات المصالح المدافعة عن حيازة السلاح عشرات الملايين من الدولارات لدعم المرشحين الجمهوريين في الانتخابات التشريعية، إجراء قانوني في الولايات المتحدة يجري في إطار من الشفافية، إذ وصلت مساهمات جماعات المصالح المؤيدة لتملك السلاح إلى 44 مليون دولار منذ التسعينيات وحتى الآن، مقابل 9 ملايين فقط دفعتها جماعات المصالح المطالبة بالحد من تجارة السلاح.

وكشف مركز السياسات الاستجابية أن جميع أعضاء مجلس الشيوخ الـ 46 الذين صوتوا ضد مشروع قانون لتعديل وإصلاح قوانين السلاح في نيسان (أبريل) 2013 بعد حادث إطلاق نار جماعي، حصلوا على مساهمات مالية سخية خلال حملاتهم الانتخابية من جماعات المصالح المؤيدة لحقوق تملك السلاح، ولم يغيروا مواقفهم أبداً بعد حادث سان برناردينو في كاليفورنيا عام 2015.

عنف السلاح يتزايد

يمثل حادثا إل باسو ودايتون الهجومين رقم 250 و251 من القتل الجماعي في الولايات المتحدة خلال العام الجاري 2019 وفقاً لـ"أرشيف عنف السلاح" وهي منظمة غير هادفة إلى الربح، تُصنف القتل الجماعي على إطلاق النار الذي يؤدي إلى مقتل أو إصابة أربعة أشخاص أو أكثر لا تربطهم صلة بمطلق النار.

في حين أن مكتب التحقيقات الفيدرالي "إف بي آي" نشر دراسة عام 2014 أكدت أن حوادث إطلاق النار الجماعية تزايدت بمعدل 16 في المئة بين عامي 2000 و2013.

ووفقاً لشبكة "إيه بي سي" الأميركية، كان هناك حادث إطلاق نار جماعي مرة واحدة على الأقل كل شهر خلال العام الماضي 2018، بينما كان عام 2017 الأكثر دموية بسبب حادث لاس فيغاس الذي راح ضحيته 58 شخصاً وأُصيب خلاله المئات، وهو الحادث الذي جاء بعد 16 شهراً فقط من مقتل 49 وإصابة 58 في ملهى ليلي بمدينة أورلاندوا في ولاية فلوريدا.

وقبل ذلك بستة أشهر، وقع حادث سان برناردينو في كاليفورنيا الذي أسفر عن مقتل وإصابة العشرات.

وكان استطلاع للرأي أجراه مركز "بيو" للبحوث عام 2017 أوضح أن 84 في المئة من الأميركيين يؤيدون توسيع إجراءات الفحص الأمني على مشتري السلاح.

بصمات اليمين المتطرف

وفقاً للمؤشرات التي تسربت إلى وسائل الإعلام الأميركية وأكدها بعض المسؤولين، فإن مطلق النار في متجر "وول مارت" قرب مركز "سيلو" التجاري في مدينة إل باسو بولاية تكساس هو باتريك كروسيوس، أميركي أبيض من مدينة دالاس كتب وثيقة من أربع صفحات وضعها على الإنترنت وتحمل أفكاراً عنصرية، إذ تمتلئ بعبارات معادية للمهاجرين وتحض على الكراهية، وتحمل بصمات وتعبيرات القوميين البيض الذين يحمّلون المهاجرين، بخاصة القادمين من أميركا اللاتينية، مسؤولية الاستيلاء على الوظائف من البيض وتغيير ملامح الخريطة السياسية في بعض الولايات مثل تكساس التي يخشى القوميون البيض أن تتحول خلال فترة وجيزة جداً من ولاية جمهورية إلى ولاية ديمقراطية.

وعلى الرغم من أن الرئيس ترمب سارع إلى وصف هجوم إل باسو بأنه "مأساوي وعمل جبان وكريه"، إلا أنه إذا تأكدت التحقيقات الجارية الآن من انتماء المشتبه فيه إلى القوميين البيض، سيجعل استهداف الرئيس ترمب مباشراً من قبل خصومه الديمقراطيين الذين يتهمونه بتغذية التيارات اليمينية المتعصبة عبر تصريحاته ضد المهاجرين وأبنائهم، كما بدأت بالفعل أعداد كبيرة من الأصوات تطالبه بإدانة المعتقدات الشريرة التي يحملها القوميون البيض.

المشاعر ضد من يُسمون بالقوميين البيض في الولايات المتحدة تتأجج وتستفحل، ما ينذر بأخطار جدية قبيل الانتخابات الرئاسية والتشريعية المقررة في 2020، خصوصاً أن القوميين البيض يزدادون زخماً بعدما ظهروا بقوة وساروا جنباً إلى جنب في مدينة تشارلوتزفيل بولاية فيرجينيا، إثر فوز ترمب بأشهر عدة مع جماعات النازيين الجدد وجماعة "كو كلوكس كلان" العنصرية ومئات من حليقي الرؤوس وعصابات سجن آريان وغيرها من الجماعات المتطرفة، تحت شعار "وحّدوا اليمين"، مرددين هتاف "لن تحلّوا مكاننا"، في إشارة واضحة إلى الأعراق كافة التي لا تنتمي إلى الجنس الأبيض.
 
مخاطر القوميين البيض
 
مصطلح "القوميون البيض"، استُخدم في الأصل باعتباره كناية عن "تفوق وسيادة الجنس الأبيض" وهو تعبير يستمد جذوره من التاريخ الأميركي، إذ جرت الحرب الأهلية بين ولايات الجنوب المؤيدة لاستمرار العبودية (عبودية السود) وبين ولايات الشمال المناهضة للعبودية. ويؤمن أصحاب هذا التيار بأن البيض يتفوقون على جميع الأجناس الأخرى، وبالتالي يجب أن تكون لهم السيادة والنفوذ في المجتمع.
 
ويقول أورين سيغال، مدير مركز مكافحة التطرف، إنّ من يحملون هذه المعتقدات يحملون رايات وأسماء متعددة، فمنهم جماعات اليمين المتطرف وجماعات تصف نفسها بالمثالية. ويشير خبراء آخرون إلى أن المصطلح يشمل جماعات استخدمت العنف ضد السود واليهود والمسلمين مثل جماعة "كو كلوكس كلان" والنازيين الجدد.
 
وتنظُر هذه الجماعات إلى التنوع العرقي المتزايد داخل الولايات المتحدة على أنه تهديد مباشر للبيض وسيادتهم على المجتمع، بل إن أحد شعارات القوميين البيض يقول "التنوع كلمة لقتل البيض".
 
يتولد لدى أصحاب معتقدات تفوق الجنس الأبيض، إحساس قوي بأن البيض هم الضحية وأنهم تحت حصار الأجناس الأخرى التي تستلب منهم الثروة والسلطة وأن كل ما يجري الآن يتم عبر النخبة السياسية في العاصمة واشنطن التي يعتبرون أنها معادية لهم، إذ تدفع بنظام جديد متعدد الثقافات والأعراق في الولايات المتحدة.
 
ويقول جورج هاولي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة آلاباما "إنهم يكرهون المهاجرين الأجانب من ثقافات أخرى الذين يدخلون إلى الولايات المتحدة للعمل بأجور زهيدة، كما أنهم يكرهون النخبة السياسية والاقتصادية اللتين تسمحان وتشجعان على دخولهم إلى أميركا، وهم يكرهون وسائل الإعلام والأكاديميين الذين يحملون رسائل معادية لسيطرة البيض".
 
900 جماعة متشددة
 
ولأن عدداً قليلاً من "القوميين البيض" ينخرط في جماعات منظمة، فإنه من الصعب تقييم مدى اتساع الحركة أو تقدير حجم الخطر الذي تمثله، فحركة اليمين المتطرف على سبيل المثال لا وجود رسمي لها ولا كشوف عضوية ومعظم من يُعرِّفون أنفسهم بأنهم من اليمين المتطرف، موجودون على مواقع التواصل الاجتماعي بأسماء مجهولة أو تحت حسابات مزيفة.

ومع ذلك، يقدر باحثون عدد أنصار سيادة الجنس الأبيض بمئات الآلاف، كما أن عدد الجماعات المعبرة عنهم على الإنترنت ارتفع من 600 جماعة عام ٢٠٠٠ إلى 900 جماعة اليوم.

ويحذر البعض مما هو قادم في الولايات المتحدة إذا ما تُرك لهم الباب مفتوحاً، فينذر الخبير في مكافحة التطرف والارهاب داريل جونسون من تصورات هذه الجماعات العنصرية، مشيراً إلى فصل من كتاب "يوميات تيرنر" وهو من أدبيات "القوميين البيض" ويُعد بمثابة الكتاب المقدس بالنسبة إليهم، إذ يضع هذا الفصل رؤية للولايات المتحدة تحت حكومة يقودها الجنس الأبيض، يسير الناس في الشوارع آملين في رؤية جثث الأجناس الأخرى من غير البيض، تتدلى من مشانق أعمدة الإنارة.

مخاوف مستقبلية
 
وتؤكد هايدي بيريش، الخبيرة في مجال مكافحة الكراهية أن أصحاب تفوق الجنس الأبيض يبررون القتل والتطهير العرقي للمهاجرين والأجانب الذين ينظرون إليهم باعتبارهم قطيع ماشية لا أكثر. وتضع بيريش تصوراً خيالياً لحكومة طاغية مستقبلاً، حال ازدياد نفوذ "القوميين البيض" من دون محاسبتهم والتصدي لهم، وأن هذه الحكومة ستحظر جماعات ومنظمات الحقوق المدنية من غير البيض وتركز كل السلطات السياسية في يد البيض وحدهم، بخاصة الرجال منهم لأن هذه الحركات الرجعية التي تتعامل بعقلية القرن السادس عشر لا تمنح حقاً للمرأة، حسب قولها.
 
وتفيد دراسة صدرت أخيراً بأن الذين تربطهم علاقة باليمين المتطرف مسؤولون عن ٧٤ في المئة من عمليات القتل التي شنها متطرفون في الولايات المتحدة بين عامي ٢٠٠٧  و٢٠١٦.
 
وعلى الرغم من هذه المخاوف التي تنتاب كثيرين، فإن معظم الخبراء يتفقون على أن ظهور حكومة ومجتمع يسيطر عليهما البيض بعيد المنال إلى حد بعيد، وأن التحذيرات من سيطرة "القوميين البيض" بالكامل ليست سوى خيال، لا فرصة له على أرض الواقع.
 
ووفقاً لإحصاءات السكان الصادرة عام ٢٠١٦، يشكل البيض في الولايات المتحدة نسبة ٦٢ في المئة من إجمالي السكان، في حين يشكل الأميركيون من أصول لاتينية (هسبانيك) نحو ١٨ في المئة، بينما يمثل الأميركيون من أصول أفريقية ١٣،٥ في المئة وذوي الأصول الآسيوية نحو ٧ في المئة، غير أن معدل وفيات البيض زاد عن معدل مواليدهم للمرة الأولى عام ٢٠١٥، كما يحصل نحو مليون مهاجر سنوياً على الجنسية الأميركية معظمهم من غير البيض.

المزيد من دوليات