Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

العلاج النفسي في تونس حلم أقرب إلى الجنون

البلاد تعاني نقصاً في المصحات النفسية الحكومية وغلاء تسعيرة المستشفيات الخاصة

العائلات التونسية تتكبد مصاريف العلاج النفسي إذا كان المريض طفلها وتمتنع عن ذلك إذا كان المريض أحد الوالدين (أ ف ب)

ملخص

عائلات تونسية تتكبد مصاريف العلاج النفسي إذا كان المريض طفلها، لكنها تمتنع إذا كان المريض أحد الوالدين خوفاً من الكلفة وحرصاً على التقشف

حلقة مفرغة يدور فيها التونسيون منذ سنوات، بدءاً من انتشار الفقر والبطالة، وصولاً إلى تدهور مستمر في القدرة الشرائية وانسداد الآفاق وضبابية المستقبل، وزادت الضغوط النفسية الطين بلة، حتى بات أبناء البلاد الخضراء محاصرين بالأمراض النفسية، فانتشرت أعراض الاكتئاب والأرق.

وعلى رغم تزايد أعداد المرضى وضرورة المتابعة الطبية ظل العلاج أمراً عسيراً لنقص المصحات النفسية الحكومية وغلاء تسعيرة حصص العلاج النفسي الخاصة في تونس، مما جعلها في غالب الأحيان حكراً على ميسوري الحال.

وكحال غالبية المرضى التونسيين لم تكن حياة الموظفة في القطاع العمومي أحلام العباسي وردية، إذ تقول إنها عاشت اكتئاباً حاداً بعد طلاقها وثقلت المسؤولية عليها وخوفها على مستقبل بناتها، الأمر الذي جعلها تتوجه إلى متخصص نفسي للتخلص من نوبات القلق التي تعيشها، إلا أنها لم تستطع مواصلة العلاج لأن ثمن الحصة كان باهظاً ولا يمكن لها أن توفرها أسبوعياً فاضطرت إلى التخلي عن العلاج.

ضرورة لا مفر منها

المواطن التونسي مراد الحبيب بدوره تحدث بأسى عن عدم قدرته على توفير كلفة العلاج النفسي لطفله الذي يشكو صعوبات في التعلم، إذ روى مأساته بقوله "لم أرد التوجه إلى الأخصائي الذي توفره وزارة التربية مجاناً خوفاً من أن يمارس التمييز ضد ابني ويعاملونه كمريض نفسي، مما جعلني أتكبد كلفة لم أعد أستطيع توفيرها"، مشيراً إلى أن التأمين لا يتكفل بإرجاع مصاريف الأمراض النفسية.

وذكرت الموظفة منى العايب أنها تعاني اضطرابات في النوم وضغطاً نفسياً في العمل، وتأسفت في حديثها على أن الدولة التونسية لا تعير اهتماماً لهذه المواضع. ودعت إلى توفير أطباء وأخصائيين نفسيين في كل المنشآت العمومية وحتى الخاصة للعناية أكثر بصحة المواطن النفسية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

المتخصصة في علم النفس عضو "جمعية أخصائيين نفسانيين العالم" في تونس أروى بوزيد، قالت في حديث إلى "اندبندنت عربية" إنه على رغم أن الدولة توفر أخصائيين في عدة وزارات، فإن العدد محدود جداً.

وبحسب إحصاءات غير رسمية، فإن وزارة التربية التونسية توفر 52 أخصائياً نفسياً فقط على مليوني طالب، أي بمعدل أخصائي واحد لكل 40 ألف تلميذ. وهنا تعلق بوزيد "إضافة إلى نقص العدد فإن عدم وصول المعلومة بوجود أخصائيين في عدة وزارات أسهم في ضعف توجه البعض من المواطنين إلى العلاج المجاني بهذه العيادات".

واعتبرت أن العائلات التونسية تتكبد مصاريف العلاج النفسي إذا كان المريض طفلها وتمتنع عن ذلك إذا كان المريض أحد الوالدين، وذلك في إطار التقشف، وأيضاً خوفاً من التوجه إلى أخصائيي وزارة التربية، وبصفة مجانياً حتى لا يقع تصنيف ابنهم كمريض، مضيفة أنه "بسبب الوضع المادي المتدهور للكثيرين فإن البعض يتصرف بحسب الأولوية، وغالباً ما يكون العلاج النفسي شيئاً ثانوياً أو ضرورة لا مفر منها".

اضطرابات نفسية

تؤثر الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بشكل واضح في صحة التونسيين النفسية، وبلغت نسبة الاكتئاب بينهم 40 في المئة، خصوصاً في السنوات الأخيرة. ووفق إحصائيات رسمية يوجد 518 ألف تونسي يعانون الاضطرابات النفسية الناتجة من الاكتئاب. وصنفت دراسة أعدتها منظمة البارومتر العربي حول الصحة النفسية بدول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، جاءت تونس في المرتبة الثانية عربياً ضمن قائمة أكثر الشعوب معاناة من الاكتئاب بنسبة 40 في المئة.

ووفق منظمة الصحة العالمية فإن نسبة الإقبال على الحبوب المهدئة في تونس بلغت 15 في المئة، كما تشكل الأمراض النفسية 98 في المئة من أسباب الإجازات الطويلة في القطاع الحكومي. 

يشار إلى أن المستشفى الحكومي الوحيد المتخصص في الأمراض العقلية والعصبية والنفسية هو مستشفى الرازي بالعاصمة تونس، وعلى رغم أن كلفة العلاج فيه غير باهظة وفي متناول الجميع، فإن بعده عن بعض المناطق منع عديداً من التمتع بخدماته، إضافة إلى عامل اكتظاظ المستشفى الدائم جعله غير قادر على استيعاب كل المرضى.

الطبيب النفسي التونسي طارق بن ناصر أوضح أن "أعراض الأمراض النفسية لدى الأطفال تتمثل في صعوبات في التعلم وصعوبات في التركيز والإفراط في النشاط وتغير سلوك الطفل وظهور علامات التوحد".

وقال بن ناصر إن "علامات الاضطرابات النفسية لدى البالغين تتمثل بخاصة في حالات الاكتئاب والقلق المفرط الذي يؤدي إلى الاكتئاب، وقد ينتج منه حالات انتحار إذا لم يعالج والاضطرابات في الذاكرة والسلوكيات الغريبة، إضافة إلى الانفعالات الحادة".

وفي تقرير لها حول الخريطة الصحية لسنة 2019، نشرت وزارة الصحة التونسية مؤشرات مهمة عدة تلخص الأزمة الهيكلية للصحة النفسية في البلاد، مشيرة إلى توفير 983 سريراً فقط بأقسام الطب النفسي في المستشفيات على مستوى وطني لخدمة ما يفوق 11 مليون مواطن، وهو ما يعادل 0.8 سرير لكل 10 آلاف مواطن، بينما لا تحظى بعض المحافظات بشيء، والسبب يعود إلى ضعف الموارد المالية.

يعود تاريخ إطلاق البرنامج الوطني للصحة النفسية في تونس إلى عام 1990، إذ يهدف إلى الوقاية والعناية بالأمراض العقلية الأكثر انتشاراً بالخطوط الأمامية. ويلعب طبيب الصحة العمومية دوراً مهماً في الإحاطة بهؤلاء المرضى، ويتمثل دوره في التشخيص المبكر للحالات والتكفل بها.

المزيد من متابعات