Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ترمب والدولة العميقة ومعركة الرئاسة تحت سقف المحكمة

الدستور الأميركي لا يشترط أن يكون الرئيس في مأمن من لائحة الاتهام أو الإدانة أو السجن

قدم ممثلو الادعاء أدلة على أن ترمب شارك زواره في ناديه للغولف بولاية نيوجيرسي خطة هجوم شديدة الحساسية ضد إيران (أ ف ب)

ملخص

يترقب جميع الأميركيين تأثير الوضع الاستثنائي الحالي ومحاكمات ترمب على مساره الانتخابي وحظوظه خلال الأشهر التالية، الذي تتكشف معه كثير من التناقضات والصراعات والمنافسات

أزمة جديدة تطرق أبواب البيت الأبيض تحمل تفاصيلها توجيه اتهامات فيدرالية إلى رئيس أميركي سابق، إذ لم يحدث ذلك في الولايات المتحدة من قبل، لكن المتهم هنا بإساءة التعامل مع الوثائق السرية التي احتفظ بها عند مغادرته منصبه، ثم عرقل جهود الحكومة لاستعادتها هو دونالد ترمب المرشح للانتخابات الرئاسية 2024، وهو يقود سباق الانتخابات التمهيدية بفارق كبير فوق أقرانه، ما يثير أسئلة حول كيفية تأثير الاتهامات على مساره في الانتخابات وما إذا كانت ستفيده أم تضره، بخاصة مع بدء خصومه في مهاجمته، وقد يستفيدون من أن ترمب نفسه استخدم خطأ هيلاري كلينتون في تعاملها مع المعلومات السرية الحساسة كسلاح سياسي ساعده على الفوز عام 2016.

وجد الأميركيون أنفسهم، نهاية الأسبوع الماضي، في وضع استثنائي لم يسبق أن شهدته البلاد، ليس فقط لأنها المرة الأولى التي يواجه فيها رئيس حالي أو سابق اتهامات فيدرالية، لكن أيضاً لأن وضع ترمب كشخص يتمتع بالحظ الأوفر للفوز بترشيح الحزب الجمهوري للرئاسة لعام 2024 ومواجهة بايدن، الذي تسعى إدارته الآن إلى إدانة منافس محتمل في جنايات متعددة.

ولعل ما يثير ترقب الجميع الآن، هو إلى أي مدى سيؤثر هذا الوضع الاستثنائي على مسار ترمب الانتخابي وحظوظه خلال الأشهر التالية، الذي تتكشف معه كثير من التناقضات والصراعات والمنافسات التي يتمثل أولها في أن أول ظهور له في هذه القضية والمتوقع أن يبدأ، بعد ظهر الثلاثاء المقبل، أمام محكمة المقاطعة الفيدرالية في ميامي بولاية فلوريدا، سيكون في جلسة الاستماع الأولية التي تترأسها القاضية أيلين كانون التي عينها ترمب نفسه وأصدرت في شأنه أحكاماً إيجابية في المراحل الأولى من التحقيق. ومع ذلك ليس من الواضح ما إذا كانت كانون ستظل مكلفة كامل القضية، بعد أن وجهت لها محكمة أعلى انتقادات في السابق، الأمر الذي يمكن أن يثير شكوك أنصار الرئيس السابق ويغذي خطابه بأن المحاكمة مسيسة.

اتهامات قوية

غير أن لائحة الاتهامات التي كشف عنها المدعون الفيدراليون، التي عرضت قضية الحكومة ضد ترمب، من المتوقع أن تثير ردود فعل مختلطة بالنظر إلى قوتها وعلاقتها المباشرة بالأمن القومي الأميركي، حيث توضح بالتفصيل مزاعم وزارة العدل بأنه أساء التعامل عمداً مع وثائق سرية بعد ترك منصبه وعرقل جهود الحكومة لاستعادتها وطلب من محاميه إخفاء أو إتلاف الوثائق التي تضمنت معلومات عن القدرات الدفاعية للولايات المتحدة وحلفائها، ومن بينها البرامج النووية ونقاط الضعف المحتملة لواشنطن وحلفائها أمام هجوم عسكري، وكذلك خطط توجيه ضربة انتقامية محتملة رداً على هجوم أجنبي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كما قدم ممثلو الادعاء أدلة على أن ترمب شارك زواره في ناديه للغولف بولاية نيوجيرسي، يوليو (تموز) 2021 "خطة هجوم" شديدة الحساسية ضد إيران، وهو ما يتضمن اعترافاً مسجلاً على شريط يصف فيه الرئيس السابق هذه المادة الحساسة بأنها مصنفة "سرية للغاية"، وبأنه لم يرفع السرية عنها.

ويعتقد مراقبون أن هذا الاعتراف سيشكل دليلاً أساسياً للقضية، إضافة إلى مشاركة ترمب "خريطة عسكرية شديدة السرية" مع موظف في لجنة العمل السياسي الخاصة به، الذي لم يكن يتمتع بتصريح أمني يتيح له الاطلاع على الوثائق الحساسة.

هل من تأثير مختلف؟

في حين يواجه ترمب 37 اتهاماً منها 31 تهمة على قانون التجسس الذي تصل عقوبة انتهاكه إلى السجن 10 سنوات، وتصل عقوبة بعض تهم عرقلة العدالة إلى 20 عاماً، لا أحد يستطيع التخمين كيف يمكن أن ينتهي الأمر وسط كثير من اللغط الذي صاحب القضايا التي سبق أن واجهها الرئيس السابق، أو تلك التي تنتظره في ولاية جورجيا أو بالعاصمة واشنطن، وفي كل منها كان ترمب يتهم فيها إدارة بايدن والديمقراطيين وما سماه "الدولة العميقة" في أميركا بشن حملة لملاحقته بدوافع سياسية.

وحتى الآن، لم تؤثر هذه القضايا على مسار ترمب، بحسب ما تقول الإذاعة الوطنية العامة (أن بي آر)، ومن الصعب معرفة سبب اختلاف هذه المرة في المدى القصير، كما لا يمكن توقع كيف ستؤثر هذه الاتهامات على فرصه في ترشيح الحزب الجمهوري له، قياساً بالتجارب السابقة التي أثبتت أن يده أصبحت أقوى في الترشح سواء كان ذلك عقب اقتحام مكتب التحقيقات الفيدرالي منزله بفلوريدا بحثاً عن الوثائق السرية في هذه القضية، أو بعد توجيه اتهامات جنائية له في نيويورك مارس (آذار) الماضي في قضية دفع أموال بشكل مخالف للقانون لشراء صمت ممثلة إباحية كانت تزعم وجود علاقة بينهما.

 

 

وحتى بعد إدانة وتغريم ترمب ملايين الدولارات في دعوى تشهير مدنية رفعتها الكاتبة إي جين كارول، لم يغير ذلك أي شيء، بل استقبل مؤيدو الرئيس السابق سخريته من كارول بتصفيق صاخب خلال لقاء تلفزيوني جماهيري على شبكة "سي أن أن" في اليوم التالي لإدانته.

رفض جمهوري

وبمجرد إعلان ترمب عن توجيه الاتهامات ضده في قضية الوثائق السرية، خرج غالبية المسؤولين الجمهوريين المنتخبين للهجوم على وزارة العدل التي اتهموها بتحويل الأدوات القانونية إلى سلاح سياسي ضد الخصوم، بل زعم بعضهم أن الرئيس بايدن له علاقة بهذا الأمر مثل رئيس مجلس النواب كيفن مكارثي، الذي غرد على "تويتر" بأنه من غير المعقول أن يتهم الرئيس الحالي أبرز منافسيه.

مكارثي ذكر أن بايدن نفسه احتفظ بوثائق سرية لعدة عقود، في حين اعتبر السيناتور ماركو روبيو أن اتهام ترمب فيدرالياً يهدد بتقسيم البلاد ونزع الثقة عن المؤسسات التي تحافظ على الجمهورية الأميركية، فيما قال السيناتور تيد كروز، إنه أمر مشين وعار على الولايات المتحدة.

ومع ذلك، فإن قليلاً من الجمهوريين مثل مستشار الأمن القومي السابق جون بولتون، وحاكم أركنساس السابق آسا هاتشينسون، طالبوا ترمب بإنهاء حملته الرئاسية لأنه أصبح مصدر إلهاء، غير أن الرئيس السابق سيواصل حملته الانتخابية، سعياً لاستعادة المنصب الذي فقده في عام 2020 أمام جو بايدن.

عواقب لائحة الاتهام

على رغم أن القضية قد تستغرق وقتاً طويلاً ولا أحد يعرف ما الذي يمكن أن تنتهي إليه، فإن التساؤلات حول عواقب لائحة الاتهام والمحاكمة المحتملة على حملته تبرز الآن بشكل لافت، بخاصة إذا نجحت جهود ترمب في الفوز بالمنصب الرئاسي خلال انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2024.

تحدد المادة الثانية من دستور الولايات المتحدة مؤهلات صريحة جداً للرئاسة، وهي أن يكون عمر الرئيس 35 عاماً وأن يقيم في الولايات المتحدة لمدة 14 عاماً وأن يكون مواطناً أميركياً مولوداً في البلاد، وفي الحالات التي تنطوي على مؤهلات مماثلة لأعضاء الكونغرس، رأت المحكمة العليا أن هذه المؤهلات تشكل "سقفاً دستورياً" يحظر فرض أي مؤهلات إضافية بأي وسيلة.

ولا يشترط الدستور الأميركي أن يكون الرئيس في مأمن من لائحة الاتهام أو الإدانة أو السجن، ما يعني أنه يجوز لأي شخص متهم أو في السجن أن يترشح لمنصب الرئيس ويمكنه حتى أن يتولى منصب الرئيس. وهذا هو المعيار القانوني السائد الذي سينطبق على الرئيس السابق حيث لا علاقة بين توجيه الاتهام إليه واحتمال محاكمته، بمؤهلاته لتولي المنصب بموجب الدستور، ومع ذلك لا يبدو أن هناك شكاً في أن لائحة الاتهام أو الإدانة أو كليهما، علاوة على عقوبة السجن، من شأنها أن تقوض بشكل كبير قدرة الرئيس على العمل في منصبه، ولا يوفر الدستور إجابة سهلة للمشكلة.

تحرك المنافسين

حتى الآن، ظل أنصار ترمب الأساسيون متمسكين به، كما انتقد التحقيقات وتوجيه الاتهامات له بعض الذين خاضوا الانتخابات ضده لترشيح الحزب الجمهوري العام المقبل، فقد كتب على موقع "تويتر"، حاكم ولاية فلوريدا وأبرز منافسي الرئيس السابق رون ديسانتيس قائلاً، إن تسليح أجهزة إنفاذ القانون الفيدرالية يمثل تهديداً مميتاً للمجتمع الحر، مشيراً إلى عدم تطبيق القانون بشكل متساو اعتماداً على الانتماء السياسي. وطرح مقارنة مثيرة حول التحيز السياسي وسبب تحمس وزارة العدل لملاحقة ترمب بينما كانت سلبية جداً في شأن هيلاري كلينتون أو هانتر بايدن؟

وذهب الملياردير ورجل أعمال التكنولوجيا المرشح للانتخابات الرئاسية فيفيك راماسوامي، إلى حد القول إنه في اليوم الأول من رئاسته، سيعفو عن ترمب، بينما انتقد مرشح جمهوري آخر هو السيناتور تيم سكوت ما وصفها بازدواجية المعايير في تعامل وزارة العدل التي تستخدم القانون الآن كسلاح ضد الخصوم السياسيين.

ويتناقض صمت مرشحين آخرين مثل نائب ترمب السابق مايك بنس وحاكم ولاية نيو جيرسي السابق كريس كريستي، مع انتقاداتهم المعلنة للرئيس السابق قبل الإعلان عن لائحة الاتهام ضده، حيث قال بنس عن رئيسه السابق، إن "أي شخص يضع نفسه فوق الدستور يجب ألا يكون أبداً رئيساً للولايات المتحدة". في حين وصف كريستي الرئيس ترمب بأنه مهووس بصورته، ولا يعترف أبداً بالخطأ، بل يعثر دائماً على شخص آخر ليحمله المسؤولية ويجد كل الأسباب وراء ذلك، بينما ينسب الفضل لنفسه في أي شيء يسير على ما يرام.

الواقع والمستقبل

لكن من الناحية الواقعية، فإن نسبة الجمهوريين المؤيدين لبنس وكريستي وهتشينسون صغيرة جداً في هذه المرحلة، ومع ذلك يظل السؤال الأهم سياسياً هو ما إذا كان تراكم كل هذه الاتهامات والادعاءات ستضر ترمب يوماً ما بين الناخبين الجمهوريين الذين يحبونه، خصوصاً إذا كانت هناك لائحة اتهام ثالثة وربما رابعة، بخاصة أن بعض منافسيه الساعين إلى ترشيح الحزب، يعتمدون على عامل الإرهاق الذي قد يستنزف دعمه في النهاية.

في الوقت نفسه هناك حجة بارزة بدأت للتو في اكتساب قوة جذب مع المرشحين الجمهوريين الرئيسين، وهي أن ترمب مرشح ضعيف في الانتخابات العامة رغم تقدمه بين الناخبين الجمهوريين، ولهذا من المحتمل أن يدفع هؤلاء بفكرة أن الرئيس السابق مرشح أضعف من أن يواجه بايدن.

وينظر معظم المراقبين إلى ديسانتس على أنه البديل الرئيس لترمب في الوقت الحالي، وأنه على رغم انتقاده توجيه لائحة اتهام له، فإنه بدأ قبل أيام في توضيح نقطة مفادها أن ترمب مقيد دستورياً بموجب التعديل الـ22 ولن يتمكن إذا فاز بالرئاسية سوى من البقاء في منصبه أربع سنوات أخرى في المنصب، بينما يمكن لديسانتيس إذا فاز أن يظل في البيت الأبيض لثماني سنوات بما يمكنه من تنفيذ سياسات المحافظين المناهضة لليسار بلا كلل.

وفي ساحة مزدحمة بالمنافسين، يراهن البعض أن تتغير نظرة الجمهور لترمب بمرور الأيام وتقديم خصومه حججاً قوية، خصوصاً إذا تكشف مزيد من تفاصيل لائحة الاتهام وتبين أنها ضارة بما يكفي لابتعاد بعض مؤيديه، علاوة على أن هذه ليست حتى التهم المحتملة الوحيدة التي يواجهها ترمب، إذ لا تزال هناك قضية في جورجيا تتعلق بمحاولته قلب نتائج الانتخابات في الولاية لصالحه، وهناك تحقيق جنائي فيدرالي آخر حول دوره في اقتحام مبنى الكابيتول الذي وقع في السادس من يناير (كانون الثاني) 2021.

وإضافة إلى ذلك، قد يستفيد خصوم ترمب في المستقبل من هجومه ضد منافسته الديمقراطية على الانتخابات الرئاسية عام 2016 هيلاري كلينتون لتعاملها مع معلومات حساسة واستخدامها خادم بريد إلكتروني خاص بدلاً من خادم حكومي آمن، ما يجعل الأمر نفسه يهدد فرص الرئيس السابق الآن في استعادة البيت الأبيض، بعد أن تعهد خلال حملته الرئاسية ضد كلينتون بأنه سيطبق جميع القوانين المتعلقة بحماية المعلومات السرية، مؤكداً أنه لا أحد فوق القانون، وأن تعامل هيلاري المتعجرفة مع المعلومات الحساسة يجعلها غير مؤهلة للرئاسة. لكن حتى الآن، أظهر منافسو ترمب إحجاماً كبيراً عن ملاحقة الرجل الذي يهدفون إلى الفوز عليه في الترشيح، لأنهم ببساطة يخشون قاعدة مؤيديه.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل