Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

السينما المصرية والصراع الطبقي "وجع" على الشاشة

منذ الريحاني في "غزل البنات" وحتى محمد رمضان في "عبده موته" تناول الفن السابع شخصية الشعب الفقير عبر نصف قرن

كما تطور بناء الشخصيات الرئيسة في السينما تطورت أشياء كثيرة في هذه الصناعة سلباً وإيجاباً (مواقع التواصل)

ملخص

كيف عبرت السينما عن صراع الطبقات في مصر؟

منذ نجيب الريحاني في الفيلم العربي "غزل البنات" وحتى محمد رمضان في فيلم "عبده موته" تطورت شخصية الإنسان الفقير في التناول السينمائي المصري عبر ما يقارب نصف قرن من الزمن، فشخصية "الأستاذ حمام" التي جسدها الريحاني في الفيلم الأول هي لمدرس فقير مهذب لا ينظر إلى ما في أيدي غيره من الأغنياء، أما "عبده موته" فاسمه يعبر عن شخصيته، وهو وفق نقاد من نوع الشباب الفقير الذي ينطح العالم برأسه، وما كان عمله هذا إلا المسمار الأخير في نعش شخصيات الفقراء الطيبيين التي قدمها الفن السينمائي المصري، فبين الفيلمين كان عادل إمام يقدم "المشبوه" ثم "الغول"، وهما شخصيتان فقيرتان ضمن السياق الطبيعي للفقر الشرس وليس المساكن أو المسالم، ولكن من دون تعد أو تجاوز للخطوط الحمراء التي وضعها المجتمع.

وقبل الزعيم كان زكي رستم يجسد أحد أدوار الفقر في "معلش يا زهر"، إذ يترك البطل الوظيفة من أجل الثروة والعمل الحر.

 

 

وفي المقابل تحولت شخصية الرجل الثري إلى العكس، أي أن الشرير سينمائياً تحول إلى رجل طيب وفاعل خير، وتأتي هذه التحولات العميقة في بناء الشخصيات الروائية والسينمائية ضمن ما يمكن وصفه بتعبير السينما عن صراع الطبقات الذي سجل نقلات عدة عبر عنها الباحث المصري ياسر ثابت في مقالة له بالقول، "إن إعادة ترتيب الطبقات الاجتماعية والاقتصادية في مصر منذ الحرب العالمية الثانية وحتى مطلع الألفية الثالثة تأثرت به جميع قطاعات المجتمع المنتجة في مصر ومنها السينما المصرية التي تأثرت أيضاً بأحداث وأزمات عبرت عنها من خلال أفلام عدة أبرزها ’ساعة ونص‘ و’عيار ناري‘ وغيرهما من الأفلام التي جاءت في السياق ذاته".

محطات مهمة

ويمكن اختزال المشهد الفني في السينما المصرية من حيث تأثره بأهم الأحداث السياسية والاجتماعية ضمن ثلاث مراحل رئيسة، وهي مرحلة ما قبل ثورة عبدالناصر والضباط الأحرار (الحكم العثماني والانتداب البريطاني) والتي تمتد إلى حقبة الرئيس محمد نجيب، ومرحلة الجمهورية من الخمسينيات وصولاً إلى الثمانينيات وحتى اغتيال الرئيس أنور السادات، ثم مرحلة حكم الرئيس الراحل حسني مبارك.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بعد ذلك دخلت السينما طورها النخبوي الأول الذي ارتبط قسم منه بثقافة جديدة وهي ثقافة مواجهة السينما والفن عموماً للثقافة الشعبية السائدة التي مثلت حاضنة لأحزاب سياسية وجماعات دينية متطرفة قادت إلى وصول الإسلاميين (الإخوان المسلمين) إلى سدة الحكم في مصر عقب أحداث يناير (كانون الثاني) عام 2011.

وكما تطور بناء الشخصيات الرئيسة في السينما والأدب تطورت أشياء كثيرة في هذه الصناعة سلباً وإيجاباً، لكن لنتوقف مع أهمها وهو الحبكة، إذ يتضمن فيلم "ساعة ونص" للمخرج وائل إحسان والمنتج أحمد السبكي إشارات عدة يمكن وضعها في سياق السينما المصرية الجديدة بعد عام 2011، مع أن الفيلم أنتج في الفترة المزامنة للأحداث تقريباً.

"ساعة ونص"

يتجه القطار رقم (832) الذي عرف إعلامياً بعد عام 2002 باسم "قطار الصعيد أو العياط" من القاهرة نحو أسوان في جنوب مصر، وفي الطريق يشتعل بمن فيه من الركاب العائدين لديارهم، ويلتقط إحسان هذا الحدث ويحول المأساة التي راح ضحيتها 361 راكباً إلى ملهاة سينمائية من خلال فيلم نال إعجاب 85 في المئة من مستخدمي "غوغل" الذين شاهدوا العمل، وحقق إيرادات بـ 8 ملايين جنيه (260 ألف دولار)، لكن السبكي والمخرج إحسان حشدا للفيلم أكبر عدد من النجوم الذين بلغوا 25 نجماً في بطولة جماعية.

 

 

أما الرسالة الأهم في العمل والتي حاول السبكي وإحسان إفشاءها بذكاء فتمثلت في الربط بين ظاهرة تحطم القطارات في مصر التي ذاع صيتها قديماً، وبين سلوك مجموعة من الفقراء والمعدمين الذين يسرقون قضبان السكة الحديد لبيعها كخردة والعيش من عائدها، مع أن نقاداً وكتاب سيناريو أردنيين أكدوا أن هذه رسالة مغلوطة، إذ على الحكومات والدول بناء الإنسان اقتصادياً وفكرياً حتى لا يضطر إلى انتهاج مثل هذا السلوك.

من جهة ثانية عبرت الحبكة عن مفارقة أخرى تمثلت في وضع كل هذا الحشد من النجوم الذين جسدوا شخصيات تمثل جميع شرائح المجتمع المصري، الفاسدة منه تحديداً، في مكان مغلق وضيق مثل القطار، مشيرة بذلك إلى فحوى خطاب اجتماعي مصري سلبي ترسخ في المجتمع قوامه الشكوى والتذمر من الحال والثبات على الواقع بدل محاولة تغييره، لتكون النهاية/ النتيجة انفجاراً مباغتاً يعصف بالجميع.

ويعد "ساعة ونص" واحداً من أهم الأعمال السينمائية التي واكبت عقدين من المخاض الاجتماعي المصري طبقياً وسياسياً، إضافة إلى كون الفيلم جسد رسالة مهمة أخرى تمثلت في الانتباه إلى كون "قطار العياط" كان خارجاً من المركز المدني نحو الصعيد، أو ما كان يسمى قديماً في عهد الملك مينا موحد القُطريين "المملكة العليا"، إذ يرمز الصعيد إلى القيم والترابط الأسري منذ القدم وحتى الآن، فيما مثلت مصر الحديثة في الشمال مركز التوترات والتفكك الأسري والانحلال الأخلاقي، وأصبحت بمثابة منطقة يريد الناس الهرب منها باتجاه أزمنة أفضل.

"عيار ناري"

بسبب خبرة الكاتب والمنتج والمخرج تمكن "ساعة ونص" من سرد قصة تتعلق بالسلطة بطريقة غير مباشرة، ونالت رضا شريحة واسعة من المتابعين عبر الإنترنت، فيما ذهب "عيار ناري" نحو رسالة مباشرة حول قتلى أو ضحايا الحراك الاجتماعي المصري، واعتمد الفيلم البطولة الفردية لا الجماعية، وعلى رغم خبرة الأبطال ظل العمل في إطار عادي مع أنه يحمل رسالة غير عادية.

من جهة ثانية نال فيلم "طباخ الريس" لطلعت زكريا نسبة مشاهدات أعلى بسبب خبرة الفنان زكريا الطويلة، وتعد جميع هذه الأفلام التي أنتجت بعد فيلم "هي فوضى" للمخرج يوسف شاهين نتاجاً للتغيرات الفكرية والطبقية التي عصفت بالسينما المصرية خلال العقدين الماضيين.

ويجسد "هي فوضى" ما يمكن وصفه بنهاية حقبة الأفلام المحايدة بعد 2007 التي تنهل من وجع الشعوب، مع أنها لم تسلم من تجسيد صراع السلطة مع الشعب من وجهة نظر خاصة، إذ تدور معركة دموية من خلال حبكة الفيلم الذي لعب خالد صالح بطولته بين قطبي السلطة، وهما وكيل نيابة شريف وأمين شرطة فاسد.

اقرأ المزيد

المزيد من سينما