ملخص
أكد محللون في حديث لـ"اندبندنت عربية" على أهمية قرار السعودية في الخفض الطوعي لإنتاج النفط مما عزز معنويات السوق بعيداً من مخاطر التراجعات الحادة في الأسعار
صعدت أسعار النفط بأكثر من اثنين في المئة في بداية تعاملات الأسبوع، اليوم الإثنين، بعد اتفاق تحالف "أوبك+" وتعهد السعودية، أكبر مصدر للنفط في العالم، بخفض الإنتاج بمقدار مليون برميل أخرى اعتباراً من يوليو (تموز) المقبل، ولحقت بالقرار السعودي، ست دول منتجة هي روسيا والعراق وسلطنة عمان والإمارات والجزائر والكويت.
ارتفعت العقود الآجلة لخام برنت 1.68 دولار أو ما يعادل 2.21 في المئة لتسجل 77.81 دولار للبرميل بعد أن سجلت في وقت سابق ارتفاعاً بنسبة خمسة في المئة.
وارتفع خام غرب تكساس الوسيط الأميركي 1.31 دولار أو ما يعادل 1.81 في المئة ليسجل 73.04 دولار للبرميل بعد أن لامس أعلى مستوى خلال اليوم عند 75.06 دولار للبرميل.
قرار "أوبك+"
وقرر تحالف "أوبك+"، في اجتماعه أمس الأحد تعديل مستوى إنتاجه إلى 40.4 مليون برميل يومياً، اعتباراً من يناير (كانون الثاني) 2024 ولمدة عام.
وقال "أوبك+" في بيان، إنه جرى الاتفاق على عقد الاجتماع الوزاري للتحالف الذي يضم أعضاء المنظمة ومنتجين من خارجها بينهم روسيا كل ستة أشهر، كما تم الاتفاق أيضاً على عقد الاجتماع المقبل في فيينا في 26 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
جاء اتفاق "أوبك+" بعد خلاف طويل مع الأعضاء الأفارقة حول كيفية قياس التخفيضات، مما آخر بدء الاجتماع لعدة ساعات.
ومن شأن التخفيض الإضافي للإمدادات بمقدار مليون برميل يومياً وهو أكبر خفض في سنوات، أن يهبط بإنتاج السعودية إلى تسعة ملايين برميل يومياً في يوليو من 10 ملايين برميل يومياً في مايو (أيار) ما يصل بإنتاجها إلى أدنى مستوى لعدة أعوام عقب انخفاض الأسعار.
جعلت الخطوة الرياض تضحي بمزيد من حصتها لتحقيق الاستقرار في السوق، بينما تعهد آخرون في التحالف بالإبقاء على تخفيضاتهم الحالية حتى نهاية العام المقبل. ولم تقدم روسيا أي التزام بمزيد من الحد من الإنتاج، بينما أضافت الإمارات حصة إنتاج أعلى لعام 2024.
قرار تحوطي
قال وزير الطاقة السعودي، الأمير عبدالعزيز بن سلمان إن خفض إنتاج النفط "قرار تحوطي"، مضيفاً "سنستمر بالتحوط طالما لم نر وضوحاً واستقراراً في السوق، ومهمتنا منح سوق النفط البيانات الواضحة لأجل الاستقرار".
ولفت وزير الطاقة السعودي لقناة "العربية" إلى أن جهات مستقلة ستعمل مع دول "أوبك+" في شأن تقييم إنتاجها في عام 2024. وقال "الجهات المستقلة ستنهي الجدل السابق حول بيانات الإنتاج في أوبك+".
وفي شأن بيانات روسيا، قال الأمير عبدالعزيز بن سلمان "بحثنا مع موسكو مسألة إنتاجها وطلبنا منها توضيح بياناتها، وعززنا مفهوم الشفافية مع روسيا حول أرقام إنتاجها النفطي".
اتفاق غير مسبوق
وخلال مؤتمر عقب اجتماع تحالف "أوبك+"، الأحد قال وزير الطاقة السعودي إن اتفاق "أوبك+" الذي تم التوصل إليه "غير مسبوق"، وإنه سيتم تكليف جهات مستقلة بالتحقق من قدرة الإنتاج لدى كل دولة".
وأشار إلى أن اجتماع "أوبك" كان بناء ويسهم باستقرار أسواق النفط، مضيفاً "الإجراءات الأخيرة تعكس مسؤوليتنا كبنك مركزي ناضج للنفط".
وقال "نريد أن نثبت للعالم أننا نمتلك أدوات استقرار السوق النفطية... قرارنا يساعد على تعزيز استقرار الأسواق ويمنع التذبذب، لأن استقرار الأسواق أهم شيء لدينا".
وأضاف "لسنا قلقين على الإمدادات في العام المقبل... لا نستهدف أسعار نفط محددة، بل نهدف لتقليل التذبذب في السوق".
وأكد وزير الطاقة السعودي أن الخفض الطوعي من قبل بلاده في يوليو سيكون "رقماً حقيقياً"، واصفاً إياه بـ"الهدية" لتحقيق استقرار السوق.
رد البيت الأبيض
وقال مسؤول بالبيت الأبيض، إن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تركز على أسعار النفط "وليس على البراميل" بعد أن قرر تحالف "أوبك+" إجراء خفض كبير على إنتاجها من الخام.
وأضاف المسؤول الذي طلب عدم نشر اسمه "نحن نركز على الأسعار بالنسبة إلى المستهلكين الأميركيين وليس على البراميل (براميل النفط)، وتراجعت الأسعار بشكل كبير منذ العام الماضي".
وتابع "كما قلنا، نعتقد أن العرض يجب أن يلبي الطلب وسنواصل العمل مع جميع المنتجين والمستهلكين لضمان دعم أسواق الطاقة للنمو الاقتصادي (الأميركي) وخفض الأسعار للمستهلكين الأميركيين".
مخرجات تاريخية
من جهته، قال المتخصص في شؤون النفط، صادق الركابي، إن مخرجات اجتماع "أوبك+" كانت تاريخية بحسب ما وصفها وزير الطاقة السعودي، وذلك لأنها جاءت بكميات خفض كبيرة غير ما هو متوقع الذي كان مليون برميل، ولكنها جاءت بمليون و400 ألف برميل مضافة إلى الكميات السابقة، وتزامنت مع موافقة جميع الأعضاء، أي إن اتفاق "أوبك+، أثبت أنه صلباً أمام التحديات التي تواجه الاقتصاد العالمي، أو محاولات البعض في الادعاء بأن هناك عدم التزام من قبل بعض الأعضاء.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الركابي، الذي يشغل مدير البحوث الاقتصادية في المركز العالمي للدراسات التنموية في بريطانيا، أضاف أن قيام جهات مستقلة بتقييم القدرات الإنتاجية لكل الدول الأعضاء يعتبر خطوة تنظيمية هامة لتقييم إنتاج كل دولة، ويعطي دليلاً أن هناك حالة تفهم لحاجة السوق لمعرفة حقيقة الأرقام.
وأشار إلى أن التوضيح المهم من وزير الطاقة السعودي والأعضاء أن "أوبك" لا تستهدف سعراً معيناً لأن الأسعار تكون متغيرة، وإنما تستهدف تحقيق التوازن، وهذا أمر يخدم المستهلكين والمنتجين على حد سواء.
وأوضح الركابي، أن التوافق الروسي - السعودي كان مهماً، وأن مردود الاتفاق على الأسواق ستظهر في الأيام المقبلة، ولن تحدث ارتفاعات كبيرة، وذلك لأن الأسواق والنشاط الاقتصادي لا يزال يحتاج بعض الوقت لاستيعاب آثار الصدمات التي انتابته بسبب ارتفاع أسعار الفائدة والتضخم وتحديد وقت لعودة الأنشطة الاقتصادية كما كان عليه قبل عام من الآن.
زمام المبادرة
فيما يري الاقتصادي المتخصص في مجال الطاقة، أنس بن فيصل الحجي، أن التخفيض الإضافي الطوعي لشهر يوليو، ثم احتمال تجديده أو تغييره شهرياً هدفه أخذ زمام المبادرة في السوق من المضاربين الذين استغلوا فرصة أزمة البنوك الأميركية، ولا علاقة لها بوجود فائض في السوق.
وأضاف الحجي "يجب ألا نحكم على تلك المبادرة من خلال الأسعار يوم الإثنين وننتظر فترة لتقييم مدى تأثير هذا القرار".
خطوة مفاجئة
من جهته وصف المتخصص في الشؤون النفطية كامل الحرمي، قيام السعودية بخفض طوعي إضافي بمليون برميل يومياً بـ"الخطوة المفاجئة"، منوهاً بتحمل الرياض وحدها العبء الأكبر من التخفيضات حتى الآن بالمقارنة مع ما وعدت به، لتستأنف بذلك أداء دور المنتج المرن الذي اعتادت القيام به بهدف تحقيق التوازن والاستقرار في السوق النفطية، لا سيما مع امتلاكها سجلاً حافلاً في تنفيذ التخفيضات المادية.
وأضاف الحرمي، أن تحمل السعودية وحدها للقيود يزيد من صدقية الخفض بعد تخليها عن جزء من حصتها لاثنين من حلفائها، روسيا والإمارات.
وأوضح أن خطوة "أوبك+" قد تدعم أسعار النفط على المدى القصير لكن آليات السوق لبقية العام الحالي وحتى 2024 تظل بلا تغيير عملياً، فالتحالف يستبق الأحداث من خلال تقديم قراءة مبكرة لوضع السوق للعام المقبل على رغم أنه كان من الأفضل إعطاء تلك الصورة في الاجتماع المقرر في نوفمبر المقبل.
جوانب استراتيجية
ويرى الاقتصادي السعودي الدكتور إحسان بو حليقة، أن اجتماع "أوبك+" لم يكن اعتيادياً، بل كان استثنائياً، إذ وسع من اهتمامات التحالف لتخرج من الانشغال المغرق في النواحي التشغيلية إلى الاهتمام بالجوانب الاستراتيجية.
ولفت إلى أنه منذ تأسيس منظمة "أوبك" منذ أكثر من ستة عقود لم تنجح في دفع أسعار النفط الخام للاستقرار، حيث كانت دائماً الأسعار صعوداً وهبوطاً بشكل مربك، وكان هناك تناحراً بين المضاربين، لا سيما الوهميين ممن يعملون على المنتجات، الأمر الذي لم يربك ميزانيات وإيرادات دول "أوبك" فقط، ولكن أربك أيضاً الاقتصاد العالمي لفترة من الزمن.
وأوضح بو حليقة، أن هذه التذبذبات تجعل التخطيط للإنفاق من قبل الدول المستهلكة على ما تستورده من النفط أمراً صعباً، كما أنه يربك الدول المنتجة للتعرف إلى درجة من الثقة إلى إيراداتها من النفط، إذ إن هناك عدداً من دول "أوبك" وخارجها المنتجة للنفط تعتمد على هذا المورد لتمويل ميزانياتها السنوية وبرامجها الاقتصادية والاجتماعية.
وأضاف بو حليقة أن السعودية أخذت بادرة ليست الأولى، ولكنها منحى منذ دخول تاريخي لروسيا في استراتيجية التخفيضات المتسقة من قبل "أوبك" وحلفائها، وبعد ذلك تطوير اتفاقات "أوبك+"، ونجاح الرياض في جعلها اتفاقات دائمة تأخذ منحى استراتيجياً، لافتاً إلى أن الخطوة السعودية بتخفيض الإنتاج طوعاً بمليون برميل تهدف إلى استقرار أسعار النفط لتبعدها عن المضاربة والمحاصصة، والنظر إلى أن المنظمة كما نجحت في طمأنة الدول المستهلكة باستقرار إمدادات النفط فإنه على "أوبك" و"أوبك+" السعي إلى أخذ منحى يعزز استقرار الأسعار، بالتالي الإيرادات من هذا المصدر الحيوي.
الحماية من التراجع
وقال مدير أبحاث التعدين وسلع الطاقة في "كومنولث بنك أوف أستراليا"، فيفيك دهار لوكالة "بلومبيرغ"، "الخفض الطوعي، من وجهة نظري، سببه الوجيه هو الحماية من التراجع بدلاً من تحفيز ارتفاع مستمر للأسعار، مضيفاً أن الأسواق قد تعود للتركيز على الآفاق الأوسع لضعف الاقتصاد الكلي العالمي.
دعم الأسعار
وقال محللو "مورغان ستانلي"، في مذكرة إن خفض الإنتاج قد يدعم الأسعار على المدى القصير. وأضافوا أن هذا هو خفض "أوبك" الثالث في تسعة أشهر، ومن المرجح أن يكون الأخير هذا العام بشرط ألا تكون في توقعات العرض والطلب تغييرات كبيرة.
رفع معنويات السوق
أما محللو "غولدمان ساكس"، ذكروا أن اجتماع "أوبك+" رفع معنويات السوق على نحو معتدل وبدد بعض الأخطار النزولية لتوقعات البنك في ديسمبر (كانون الأول) ببلوغ سعر النفط 95 دولاراً للبرميل. وقالوا إن تعليق وزير الطاقة السعودي "كل ما هو ضروري" يشير إلى التزام مواصلة محاربة البائعين على المكشوف واستغلال قوتها الكبيرة للغاية في تسعير النفط.
تمديد الخفض الطوعي
إلى ذلك، قال مدير أبحاث التعدين وسلع الطاقة في "كومنولث بنك أوف أستراليا"، إن السعودية ستمدد على الأرجح تخفيضات الإنتاج في يوليو المقبل، إذا ظل سعر خام برنت معلقاً بين 70 و75 دولاراً للبرميل. وأضاف أن السعودية قد تزيد الخفض إذا هبطت الأسعار إلى ما دون 70 دولاراً للبرميل.