Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"سياحة الولادة"... ترمب يفتح باب التطرف للجنسية الأميركية

يعتقد أن لديه الآن الأصوات اللازمة في المحكمة العليا للفوز بمواجهة حول شرعية الأمر

تلاعب ترمب بقضية الهجرة طوال فترة رئاسته (أ ف ب)

ملخص

يرى المدافعون عن الهجرة أن ترمب الذي تلاعب بهذه القضية من دون فاعلية يزيد المخاوف في شأن تعميم الخطاب الراديكالي المناهض للمهاجرين بالبلاد

منذ أن تعهد الرئيس السابق دونالد ترمب، الذي يعد المرشح الأوفر حظاً حتى الآن للفوز بترشيح الحزب الجمهوري، أنه سيلغي حق الجنسية بالميلاد على الأراضي الأميركية ثارت زوبعة كبيرة، ففي حين اعتبر البعض أن طرح الفكرة لا يستهدف فقط إرضاء الناخبين المتشددين من قاعدة ترمب، بل أيضاً فتح ملف الهجرة على مصراعيه كنقطة خلافية مثيرة، شكك آخرون في جدواها لأنه كان لديه فرصة كبيرة لإصدار أمر تنفيذي أو الطعن رسمياً في التفسير السائد للتعديل الـ14 (الذي يمنح حق الجنسية بالميلاد) خلال السنوات الأربع التي قضاها في المنصب، لكنه اختار عدم القيام بذلك، فما هدف ترمب الحقيقي؟ ولماذا يثير هذا الطرح كثيراً من الجدل في المجتمع الأميركي؟

قضية انتخابية

على رغم أن وعد الرئيس السابق دونالد ترمب الذي أطلقه قبل أيام ليس جديداً بإصدار أمر رئاسي تنفيذي إذا عاد إلى البيت الأبيض، يلغي حق الحصول على الجنسية الأميركية لمن يولدون على أراضي الولايات المتحدة لمهاجرين غير شرعيين، أو عبر ما يسمى "سياحة الولادة"، فإنه كان كافياً لإثارة الشكوك حول الغرض من إثارة هذه القضية مع بداية الحملات الانتخابية للمرشحين الجمهوريين، إذ يرى المدافعون عن الهجرة أن ترمب الذي تلاعب بهذه القضية خلال سنوات حكمه الأربع في البيت الأبيض من دون فاعلية، يزيد المخاوف في شأن تعميم الخطاب الراديكالي المناهض للمهاجرين في البلاد.

ويعتبر هؤلاء أن قضية الهجرة بشكل عام، ومسألة التجنس لمن يولدون على الأراضي الأميركية بشكل خاص، تشكل نقطة نقاش أساسية للقوميين البيض والمتطرفين اليمينيين، كما أنها تنذر مع الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري التي بدأت تتكشف الآن بمزيد من المزايدات حول الهجرة والحدود وجميع أنواع الخطاب الذي يصفه مؤيدو الهجرة بأنه متطرف وعنصري، بحسب ما يقول المستشار القانوني لـمنظمة "صوت أميركا" ديفيد ليوبولد، وهي مجموعة تقدمية تدافع عن الهجرة.

ولهذا فإن اقتراح ترمب من شأنه أن يزيد إلى القلق القائم الآن بأن المرشحين للرئاسة من الحزب الجمهوري سيتنافسون على المواقف الأكثر تطرفاً في شأن الهجرة، وسيتعرضون لضغوط من قواعدهم للتصرف بناءً عليها إذا تم انتخابهم، كما أن ترمب نفسه، وفي سياق الصراع الانتخابي ضد بايدن، وصف بشكل غير صحيح سياسة منح الجنسية بالميلاد على التراب الأميركي بأنها سياسة الرئيس الحالي، على رغم أنها كانت التفسير الدائم للتعديل الـ14 من الدستور الأميركي الذي يعود إلى أكثر من 150 عاماً، بما في ذلك خلال عهد ترمب.

أهداف متعددة

وفي حين أن إعلان ترمب أنه سيصدر مثل هذا الأمر التنفيذي في اليوم الأول من ولايته الثانية إذا فاز بالمنصب الرئاسي، استهدف بايدن أولاً في خطابه المباشر كي يظهر التناقض الفوري معه، إلا أنه استهدف أيضاً رفع سقف الصراع الانتخابي قبل توقف حملته الانتخابية في ولاية أيوا، حيث أطلق انتقادات لاذعة على أقوى خصم له في المنافسة الجمهورية، وهو حاكم فلوريدا رون ديسانتس، الذي أوضح في خطاب ألقاه بولاية نيو هامبشاير، أنه سيكون قادراً على الخدمة لمدة ثماني سنوات متتالية إذا تم انتخابه، مما يمنحه فرصة أفضل لتنفيذ سياسات محافظة، بينما يقتصر ترمب على فترة ولاية واحدة أخرى مدتها أربع سنوات بحكم الدستور، كما تساءل ديسانتس عن سبب عدم إنجاز ترمب كثيراً من الأشياء في ولايته الأولى.

وبينما قد يكون اتخاذ مواقف يمينية أكثر تشدداً فيما يتعلق بالهجرة، بما في ذلك حق المواطنة عند الولادة، استراتيجية رابحة في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري، فإن استطلاعات الرأي تبدو أقل وضوحاً حول كيفية استجابة جمهور الناخبين للفكرة، وفق ما يشير إليه موقع "ذا هيل"، حيث وجدت الدراسات الاستقصائية التي أجريت بعد مقابلة أجراها ترمب مع موقع "أكسيوس" عام 2018 حول الفكرة، أن الأميركيين سيجيبون عن الأسئلة المتعلقة بحق المواطنة بشكل مختلف اعتماداً على كيفية صياغة السؤال، مما يشير إلى أن معظم المستجيبين لا يعرفون من هو المؤهل حالياً للحصول على جنسية حق الولادة، كما أن استطلاعات الرأي لم تشر إلى أي رغبة معينة بين عامة الناخبين للتعمق في هذه القضية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن بالنسبة إلى الصقور الرافضين للهجرة، فإن مغازلة ترمب بإلغاء الجنسية لمن يولدون على الأراضي الأميركية تمثل تناقضاً حاداً مع بايدن، الذي يعد المتحدث باسم اتحاد إصلاح الهجرة الأميركية إيرا ميهلمان، وهي جماعة تدافع عن إجراء تخفيضات جذرية في الهجرة، أن هناك فرصة أقل من الصفر كي يتخذ بايدن موقفاً مماثلاً، في حين أن ترمب يجب أن يتم ترشيحه من الحزب الجمهوري أولاً، ثم يجب أن يفوز ويؤدي اليمين، وبعد ذلك سنرى ما إذا كان سيصدر الأمر التنفيذي الذي تعهده أم لا.

سياحة الولادة

كان الأمر التنفيذي الذي يتوعد به ترمب سيوقف أيضاً ما سماه "سياحة الولادة"، وهي ممارسة بعض الأمهات اللاتي يسافرن إلى الولايات المتحدة بتأشيرة سياحية لغير المهاجرين بهدف ولادة أبنائهن في الولايات المتحدة، بالتالي تأمين الجنسية الأميركية للأطفال الذين ستتم تربيتهم في الخارج، لكن ترمب أمر وزارة الخارجية فقط بإصدار قاعدة حاولت القضاء على "سياحة الولادة" من خلال منح موظفي التأشيرات سلطة رفض منح التأشيرات للنساء اللاتي يبدو أن غرضهن الأساسي من السفر هو الولادة في الولايات المتحدة، وتزعم حملة ترمب الحالية أن عشرات الآلاف من النساء يقمن بهذا الأمر كل عام، لكن أحدث البيانات من مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، تشير إلى أن 5636 طفلاً فقط ولدوا لأجانب غير المقيمين في عام 2021، وهو رقم ربما تأثر بوباء "كوفيد-19"، بينما في عام 2019 سجل مركز السيطرة على الأمراض 10042 طفلاً ولدوا لأجانب غير مقيمين، ولهذا فإن حديث حملة ترمب عن عشرات الآلاف يستهدف حشد مزيد من القلق والمعارضة بين مناهضي الهجرة.

وعود باهتة

كان إنهاء حق المواطنة أو الجنسية بحق الولادة على التراب الأميركي قضية متكررة وشائكة بالنسبة لترمب على مدى سنوات، فقد بدأت معه مبكراً عندما كان يرشح نفسه لمنصب الرئيس في عام 2015، عندما قال لمذيع قناة "فوكس نيوز" آنذاك "بيل أورايلي" إن القضية تم فحصها بالكامل الآن، وكل ما هو مطلوب لإنهاء حق المواطنة هو "عمل يصدر عن الكونغرس"، وبعد ثلاث سنوات (عام 2018)، أوضح ترمب، الذي كان حينها رئيساً، في مقابلة مع موقع "أكسيوس" أن مستشار البيت الأبيض أخبره أنه لن يحتاج إلى تغيير المواطنة بحق المولد عبر تشريع يصدر من الكونغرس لأنه يمكنه فعل ذلك ببساطة عبر إصدار أمر تنفيذي رئاسي، وهو أمر قيد التنفيذ، وسيحدث.

بعد ذلك بعام، في أغسطس (آب) 2019، قال ترمب للصحافيين مرة أخرى إنه يبحث بجدية بالغة إصدار أمر تنفيذي لإنهاء حق المواطنة عند الولادة، لكن مرة أخرى لم يفعل ذلك أبداً، وفي أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، بعد أن خسر ترمب الانتخابات، قال أعضاء في إدارته إن الرئيس يفكر أخيراً في إصدار أمر تنفيذي في الأسابيع التي سبقت ترك منصبه بهدف إنهاء الجنسية بالمولد، لكن ذلك لم يحدث، مما يشير بوضوح إلى أنه عندما أتيحت له الفرصة كرئيس لتنفيذ ما ظل يتعهده اختار عدم القيام بذلك، وهو الآن يكرر ما فعله سابقاً بأنه أخيراً سيصدر أمراً تنفيذياً في اليوم الأول لجلوسه على المكتب البيضاوي لتنفيذ الوعد السابق.   

ماذا سيحدث؟

إذا فاز ترمب بترشيح الحزب الجمهوري، ثم تمكن من هزيمة بايدن فمن المحتمل هذه المرة أن يفي بعهده تلبية لدعاة تقييد الهجرة الذين يتشوقون لتنفيذ هذا الوعد وهم مستعدون لخوض المعركة القضائية المنتظرة حولها، فبموجب اقتراح ترمب سيصدر أمراً تنفيذياً لإصلاح سياسة الولايات المتحدة في شأن الجنسية بحيث لا يعتبر أطفال المهاجرين غير الشرعيين أنهم ولدوا "خاضعين للولاية القضائية" للولايات المتحدة.

ومع توقع الطعن الفوري في مثل هذا الأمر على الفور في القضاء، حيث من المحتمل أن تنتقل من خلال المحكمة الفيدرالية والدائرة الخامسة إلى المحكمة العليا، لكن حتى في ظل هذه الاستراتيجية التي تعد امتداداً لسياسات قديمة، من غير المعروف ما إذا كانت المحكمة العليا ستنظر في مثل هذه القضية، أو حتى ما إذا كانت القضية الأساسية سترتكز إلى تفسير التعديل الدستوري الـ14.

تباين في تفسير الدستور

يضمن التعديل الـ14 للدستور الذي تمت المصادقة عليه عام 1868 حق المواطنة، وينص على أن جميع الأشخاص المولودين أو المتجنسين في الولايات المتحدة والخاضعين لسلطتها القضائية هم مواطنون أميركيون، وكانت الفكرة وراء هذا التعديل هي منح الجنسية للعبيد المحررين من أصل أفريقي بعد انتهاء الحرب بين ولايات الشمال والجنوب، لكن التعديل الـ14 يشكل أيضاً أساساً لسياسة الدولة طويلة الأمد لمنح الجنسية بحق المولد لأي شخص مولود على التراب الأميركي.

ومع ذلك، يجادل مؤيدو إنهاء حق الجنسية لمن يولدون على الأراضي الأميركية بأن المهاجرين غير الشرعيين وغير المسجلين لا يخضعون للولاية القضائية للولايات المتحدة، بالتالي لا يمكن لأطفالهم الحصول على الجنسية لمجرد ولادتهم على التراب الأميركي، وهو ما يجعل المدافعين عن الهجرة يشعرون بقلق مضاعف خاصة إزاء التشكيل الحالي للمحكمة العليا التي يسيطر عليها المحافظون بعدما أظهرت المحكمة بالفعل استعداداً مشابهاً من خلال سابقة إلغاء نصف قرن من الحق الفيدرالي للإجهاض.

غير أن سابقة المواطنة أو الجنسية بحق المولد عمرها أكثر من قرن ونصف القرن، ومتجذرة في المبادئ التأسيسية للحقوق المدنية في الولايات المتحدة، حيث كانت لغة الولاية القضائية في ذلك الوقت تهدف إلى استبعاد الأطفال المولودين لدبلوماسيين أجانب بالولايات المتحدة، وكذلك أفراد قبائل الأميركيين الأصليين، وجاء أوضح اختبار لبند الجنسية عام 1898 في قضية الولايات المتحدة ضد كيم وونغ آرك الذي ولد في سان فرانسيسكو لأبوين صينيين مقيمين في الولايات المتحدة، حيث قضت المحكمة العليا بأن طفل الرعايا الأجانب في الولايات المتحدة هو مواطن بالولادة، على رغم قانون الاستبعاد الصيني في هذا التوقيت.

ويجادل أنصار تقييد الهجرة بأن المهاجرين غير المسجلين أقرب إلى القبائل الأميركية الأصلية التي تم استبعادها من الحصول على الجنسية في القراءة الأصلية للتعديل الـ14، لكن الأستاذ في كلية الحقوق بجامعة إنديانا والمتخصص في القانون الدستوري جيرارد ماجليوكا اعتبر أن القياس هنا معيب، مشيراً في مقال نشر عام 2008 في مجلة القانون الدستوري بجامعة بنسلفانيا إلى أن واضعي التعديل الـ14 نظروا إلى بند الخضوع للولاية القضائية أو المواطنة كوسيلة لتعزيز الاستقلال الذاتي لقبائل الأميركيين الأصليين، وليس كأداة لتقييد المواطنة.

وبالنسبة لماجليوكا فإن تطبيق الولاية القضائية على المهاجرين غير المسجلين، تصبح أقرب إلى مسألة الولاية القضائية على الغزاة الأعداء، الذين هم خارج نطاق السلطة الفعلية للولايات المتحدة، وإذا كان السؤال العملي هو ما إذا كان الأجانب غير الشرعيين، مثل المحتلين الأعداء، فإن الجواب على هذا السؤال الدستوري هو لا.

وفي حين أن العقيدة القانونية والتاريخ والرأي العام يفضلون إلى حد كبير التفسير السائد لشرط المواطنة في التعديل الـ14، فإن المدافعين عن المهاجرين قلقون من حدوث تحول مفاجئ يمكن أن يقلب الوضع الراهن الذي طال أمده، وبخاصة أن ترمب يعتقد أنه سيكون لديه الآن الأصوات اللازمة في المحكمة العليا للفوز بمواجهة حول شرعية الأمر.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل